أيّ مجتمعِ يحلمُ بحياةٍ كريمة لابدّ أن يتصدّى أبناؤه لكل الأفعال الشاذة الغريبة التي من شأنها – لو استمرت – أن تؤدي الى الهاوية السحيقة ، وحينها لا ينفعُ عضّ الأصابع ندما . وليس صحيحاُ أن تعتمد المجتمعات على سلطاتها التنفيذية ( أيّ الحكومات ) في كل صغيرة وكبيرة تهدّدُ سلامة وجودها من سلوك بعض أفرادها السلوك المرفوض . بلْ عليها واجبٌ وطني وأخلاقي لتشخيص الحالات السيئة ومن ثم التحرك الحازم الصارم للقضاء عليها . لأن طبيعة المجتمعات طبيعة تكاملية متبادلة المنافع والمصالح والحقوق والواجبات . والذي يعتقدُ أن هذا الأمر لا يعنيه ، فهوَ واهمٌ تماماً لأن الأفعال الشاذة ان انتشرتْ واتسعت رقعتها الجغرافية سوف تأكلُ الأخضر مع اليابس على حدّ سواء ، ولن ينجوَ من نتائجها الوخيمة فردٌ من أفراد المجتمع . والتصدّي نوعان ، النوع الأول عدم تشجيع أولئك المفسدين الذين باعوا ضمائرهم للشيطان من أجل الحصول على أيّ كسب ماديّ . وعدم التشجيع يعني بحكم المنطق ايقاف زحفهم الشيطاني عبر الاتجاهات وتضييق دائرة الخناق عليهم . أما النوع الثاني وهوَ الأكثر أهمية والأشدّ تأثيرا ضدّ أولئك المارقين الخارجين عن حدود القيم والأخلاق الانسانية النبيلة ، وهذا التصدّي يكون عن طريق التوبيخ واعلان الحرب عليهم بمنتهى الصلابة والشجاعة ، وكل فردٍ حسب موقعه في المجتمع . وللأسف الشديد أصبحَ المجتمع العراقي – الذي كان من أكثر المجتمعات شهامة وأخلاقا وشرفاً – مرتعاً وبيئة خصبة لذوي السلوك الشيطاني ولذوي الضمائر الميتة . وقد انتشرت الكثيرُ من الظواهر القذرة التي يتفنن أصحابها بأبشع الصور من أجل الكسب المادي غير المشروع . والأمثلة على هذا الأمر كثيرة جداً ، والجميع يعرفونها ويعيشون تفاصيلها اليومية باستمرار ابتداءا من السلطة التنفيذية ومرورا بالسلطة الدينية وانتهاءا بأبناء الشعب الذين لا حولَ ولا قوة لهم سوى التفرج على ما يجري صاغرين . فالى أين يتجهُ مجتمعنا وما هو المصيرُ المحتوم علينا بعد أن طفح الكيْلُ ووصلَ السيلُ الزبى ؟ ولستُ مُبالغاً ولستُ متشائماً أكثر ممّا ينبغي ، ولكن الواقع الملموسَ يفرض علينا الصور المرعبة – شئنا أمْ أبينا – والذي اختلط عليه الأمرُ ، و لم يعرفْ ما يحصلُ في المجتمع من جرائم بشعة في وضح النهار وأمام أنظار الكبير والصغير ، عليه أن يعرفَ الآن …. فمن هذه الصور المأساوية بيع لحوم حيوانات ميتة قبل ذبحها ، وقد اتسعَ مسرحُ هذه الظاهرة ليشمل أماكن كثيرة في العاصمة بغداد وفي المدن العراقية الأخرى . ومن هذه الصور أيضا بيع الأدوية من قبل أشخاص لا علاقة لهم بهذا الشأن اطلاقا ، حتى أصبحت بعض أرصفة الشوارع مكاناً مُميزا لعرض الأدوية والمستحضرات الطبية ومن مناشيء لا يعلمها الاّ الله . ومن هذه الصور عمليات النصب والاحيتال التي تمارسُها بعض العصابات المسنودة من قبل بعض العشائر عبرَ مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت . وقد أصبحت هذه الظاهرة وسيلة ممتازة لايقاع بعض المغفلين بشباك العلاقات العاطفية الوهمية ومن ثم حسم الأمر بالفصل العشائري الذي يكسرُ الظهر . ومن هذه الصور ظهور المافيات التي تستخدم المتسولين لجمع المال الحرام ، حتى أصبحت بعض المناطق حكراً لهذه المافية ولتلك المافية ، والويل كلّ الويلُ لمنْ يتجاوز على تلك المناطق . وهناك الكثير من الصور الأخرى التي لا مجال لذكرها ضمن هذا المقال القصير . ولكن المهم في الأمر أن سكوت المجتمع على تلك الأفعال القذرة وعدم التصدّي لها بمنتهى الحزم سوف يقضي على أحلامنا وأحلام أبنائنا للعيش بكرامةٍ وبسعادة ورغماً عن أنوف الجميع .