اصرار على الإخلاص واكبت الواقع السياسي في اسرائيل عامة والوسط العربي على وجه الخصوص منذ سنوات الخمسين من القرن الماضي. وأفخر اني كنت من انشط المثقفين نشاطا واعلاما ومن خلال كل الأدوار السياسية والثقافية والاعلامية، التي تبوأت فيها مكانة قيادية متقدمة، في كل المعارك التي خاضتها الأقلية العربية، ودفعت الثمن الشخصي، ودفعت عائلتي أيضا ثمنا قاسيا جدا ولم انتظر أي مقابل، كنت طالبا في التخنيون في موضوع الهندسة الميكانيكية، وبسبب مشاكل الاقامة الجبرية التي ضيقت علي العمل والتعليم في حيفا تقدمت بطلب السفر للدول الاشتراكية وقتها لمواصلة دراستي فيها، طبعا رغم احقيتي بسبب نشاطي السياسي الشيوعي الذي قيدني بأوامر الاقامة الجبرية ومنع التنقل الا بتصريح عسكري، الا اني استثنيت وجرى اختيار طلاب خريجين جدد كل مؤهلاتهم انهم ابناء او أقرباء رفاق محترفين، طبعا غضبت وبشدة، ووالدي الشيوعي منذ تأسيس عصبة التحرر الوطني، الذي حول بيته الى مقر وقاعة اجتماعات لكل حادث طارئ ومخبأ وقت الضرورة للرفاق المطاردين، استشاط غضبا أيضا، الا ان رفيق وقائد بارز هو الرفيق غسان حبيب انتبه لما سببه قرار استبعادي بهذا الشكل المهين، الذي عمليا تركني بدون أي امكانية لمواصلة دراستي في التخنيون لأن التصريح العسكري يلزمني ان اكون خارج حيفا بعد الخامسة مساء، ودراستي المسائية تبدأ بعد الخامسة، اذ كنت مضطرا للعمل لعدم تمكن والدي من توفير أقساط الدراسة الجامعية، فجاء الي غسان حبيب باقتراح مغر لشاب في جيلي وبعقليتي السياسية، وقناعتي ان الحزب هو بيتي وهو عالمي، ان استجيب لقرار الحزب الشيوعي بأن ارسل في بعثة لدراسة العلوم السياسية في الاتحاد السوفييتي، وان استثنائي، كما شرح، من البعثة الطلابية لم يكن بالصدفة، مبررا ذلك بضرورة اعداد قيادات جديدة للحزب، فارتكبت أول حماقة بحياتي، لأني لم افهم كيف تتدفق المياه داخل التنظيم الحزبي، ولم اقبل النصائح من اقرباء لي ومن قائد مركزي( أيضا جرى ضده انقلاب مخجل فيما بعد) حذروني اني بذلك ادمر مستقبلي المهني والوظيفي. ربما لست نادما على ما اكتسبته ثقافيا وعقليا، لكن تبين لي ان كل التنظيم يدار بفساد وممارسات شخصانية تنعكس اليوم بكل سوادها ودمارها على ذلك الجسم السياسي الذي انحرف عن تاريخه ودوره بان يكون معيارا للنزاهة. وانه منذ بدء غياب قياداته التاريخية أضحى اشبه بـ “حارة كل مين ايده اله” ..
الفساد والعائلية ليست بضاعة جديدة
حين كانت كل الشروط المناسبة قائمة أمامي للحصول على وظيفة معلم مهني، قرر رئيس بلدية جبهوية استبعادي واختيار قريب عائلة له بلا أي خبرة مهنية او ثقافية او تكنولوجية أو تربوية موازية لمعارفي ولو بنسبة ضئيلة. رغم ان اللجنة المخولة في موضوع اختيار المعلم الملائم، بما فيها ممثل وزارة العمل، ومديرة الشؤون الاجتماعية في منطقة الناصرة وممثلين آخرين اعطوني المكانة الأولي من بين جميع المتقدمين، بسبب خبرتي في مجالات عديدة بدءا من المهنة التي ما زلت اقدم خبراتي الواسعة بها مجانا لمن يحتاجها، وصولا الى العلوم الاجتماعية والفلسفة ودورات في علم النفس الاجتماعي والصحافة وعلوم التقنية (سنتان هندسة ميكانيكيات، خبرة مهنية مميزة بدءا من مدير فحص جودة الانتاج، مدير عمل ، مدير انتاج ربما الأصغر سنا في اسرائيل حيث عمل تحت اشرافي مكتب هندسة من أكثر من 10 مهندسين وما يزيد عن 350 عامل، دون ان تكون لي أي شهادة مهنية مناسبة انما خبرة وتجربة تضاهي مهنيا وهندسيا واداريا افضل ما يمكن ان يعرفه الكثير من المهندسين.. وكنت قد اشرفت على تنفيذ مشروع ضخم في
ايران في فترة الشاه، منها بناء مصنع كيماوي في شيراز وصهاريج ومحطة استقبال بحرية في بوشهر) ومعارفي الواسعة في التعامل مع الشباب بكوني كنت سكرتيرا للشبيبة الشيوعية بفترة ذهبية هي نتاج خبرتي ونشاطي بحيث وصل عدد اعضاء فرع الناصرة للشبيبة الشيوعية الى 300 عضو على الأقل، واقمت تنظيم الطلاب في الناصرة الذي أصبح تنظيما لمنطقة الناصرة ثم تنظيما قطريا.
بقي أن أذكر ان رئيس البلدية لم يحضر مقابلات اللجنة مع المتقدمين لوظيفة معلم مهني بل جاء في نهاية عمل اللجنة وفرض مرشحه الذي تربطه بعائلة الرئيس علاقات نسب. بروتوكول الجلسة (الفضيحة) حصل عليه معلم من مفتان لكنه رفض ان يعطيني اياه ربما خوفا على وظيفته رغم اني ما كنت لأكشف اسمه اطلاقا، مديرة الشؤون الاجتماعية في منطقة الناصرة وقتها تكلمت معي شخصيا، قالت لي ان القرار كان بطريقة لا تليق باي منطق تعليمي او أخلاقي., ولا اريد تكرير الكلمة التي استعملتها بوصف رئيس البلدية، استهجنت هذا التصرف مع ابرز المتقدمين للوظيفة على الاطلاق بينما الأخرين صبيان (حسب تعبيرها) فشلوا في الاجابة على معظم اٌسئلة اللجنة، ولم تستوعب هذا التصرف خاصة مع انسان شيوعي بارز ضحى لحزبه هو وعائلته، ولا بد ان اذكر ان ممثلي مفتان من وزارة العمل والمدير اليهودي وقتها، حثاني برسالة نقلها لي عامل اجتماعي وصديق شخصي كان يعمل في مفتان، بان أذهب للمحكمة، ضميري الشيوعي رفض هذا الاتجاه وكنت غبيا تماما بمواجهة موقف بلا أخلاق وبلا ضمير، وواصلت غبائي حتى تبين ان الحزب انتهى وأصبح حزبا شخصانيا يقاد بالتهديد والوعيد من أشخاص يظنون ان الحزب بدونهم سيختفي وسببوا خسارة انتخابية كبيرة بعد الانقلاب الذي اطاح بشخصية مركزية اساسية في الحزب بحجة انه ليس أهلا لقيادة قائمة الجبهة، لكنه أهلا لتحرير الاتحاد ، والتثقيف وتمثيل الحزب في كل المناسبات السياسية والثقافية في الوسط اليهودي خاصة.
ماذا تبقي من التنظيم؟
كلما اعود لهذه المرحلة وما جرى بعدها من اقصائي عن وظيفة معلم مهني كانت بالنسبة لي نوع من التحدي من اجل خلق جيل مهني اولا ومثقف بمعارف تكنولوجية ، الى جانب كون التعليم نوع من الرسالة الاجتماعية، الثقافية والانسانية، وما قد يوفره لي هذا العمل من وقت للتفرغ ايضا لنشاطي السياسي والثقافي – الابداعي، افهم ان استقامتي كانت انتحارا ذاتيا. للأسف تبين لي ان النزاهة ليست ضمن العقلية الحزبية، وان الشخصانية والفساد يسود هذا التنظيم وأضحى هو النهج السائد.
اليوم لا ضرورة الى منجم لكشفه. يكفي ان تستعرضوا واقع فرع الناصرة الذي هدد مسؤوليه بالاستقالة اذا واصلت جريدة حزبهم “الاتحاد” النشر لنبيل عودة.. لأنهم يتهمونه بالعمل مع مكتب نتنياهو لتجنيد الشباب المسيحيين في الجيش الاسرائيلي.. وهذا الاتهام وصلني من محرر اساسي في الاتحاد ردا على استفسار صديق شخصي لي عضو في لجنة المنطقة للحزب الشيوعي عن سبب مقاطعة الاتحاد لنبيل عودة.
بدأت تتجمع في ذهني وعلى جلدي كل المسببات لترك هذا التنظيم ومراجعة نهجه الفكري والسياسي بعقل متحرر من الحزبية المدمرة للتفكير العقلاني. لكني تأخرت كثيرا في قراري الحاسم.. وها انا اليوم اعيد مراجعة الجانب الفكري والتنظيمي الذي قادهم الى التصدع التشقق تنظيميا وفكريا واعلاميا وعلى المستوى الشخصي أيضا. وارى اليوم ان مهمتي الأخلاقية قبل السياسية ان اضعهم بالمكان المناسب. ولدي مواد مثيرة أخرى… وآمل ان أحصل على نسخة البروتوكول من جلسة اختيار المعلم المهني.. ليعرف الجمهور حقائق غيبت دائما عنه بشعارات لم ينفذ منها أي شيء!!
الهزيمة تأخرت…
بصراحة أقول ان هزيمة الجبهة في انتخابات الناصرة الأخيرة ليست وليدة الصدفة، قد يكون رامز جرايسي نوعية مختلفة، لكنه شخصيا دفع ثمن التنظيم السياسي الفاسد كله. كان واضحا لي ان الزمن السياسي للجبهة وحزبها الشيوعي هو بحالة تصدع متقدمة جدا ويحتاج الى ترميم جذري، غير ان قيادة التنظيم كانت تعيش
بأوهام اليقين انهم باقون، وان الناخبين هم ضمانتهم. كانت اوهامهم ان بلوكات اصواتهم مضمونة في اوساط نهجت بهذا الشكل عبر كل المعارك السابقة. شيوعي قديم قال لي انه “حتى لو بصقنا بوجوه مصوتينا المضمونين ، لن يصوتوا في لحظة التحدي الا لنا”. لسبب لم افهمه في نفسي قبلت الى حد ما قوله رغم ان كل الدلائل كانت تشير الى هزيمة متوقعة.
كان دعمي لرامز جرايسي دعما شخصيا وليس دعما لفريق سياسي كنت على يقين انه أصبح خارج التاريخ. تنظيم يمارس الدجل السياسي ، وضمور قادته الفكري كان واضحا ومضحكا وما زلت أذكر قول زعيم مرموق في ندوة “نحن حزب ماركسي لينيني يؤمن بالصراع الطبقي وانتصار البروليتاريا”. حين حاولت ان اعقلن موقفه، بأن اشرح له حقائق التطور التي تناقض مقولته فالصراع الطبقي تقاعد منذ تحدث عنه ماركس في القرن التاسع عشر بناء على ثورة كومونة باريس( اين هو الصراع الطبقي في عالمنا اليوم؟) وان البروليتاريا هي ظاهرة اوروبية فقط، قاطعني بقول عنجهي”نحن لن ننزلق مثل نبيل عودة”. فايقنت ان تاريخهم انتهى وان فكرهم مصاب باولتسهايمر(مرض الخرف) لا شفاء منه!!
قادتهم مارسوا الدجل بدل السياسة. صبيانهم ساروا على نفس الطريق المتصدعة، توهموا انهم وجدوا ضالتهم بالتهجم باللسان السيئ علي شخصيا، لكني من لحم لا يؤكل، ومن قدرات اعلامية لا ترتبك ولا تعرف حدودا لا يمكن اقتحامها.. وانا لا انكر اني خريج مدرستهم الاعلامية بزمنها الذهبي – زمن الايميلين توما وحبيبي، وسالم جبران.
هل يستوعبون ان زمنهم قد ولى؟ هل يستوعبون ان كل ما تبقى لهم هي صياغات قد تكون جميلة شكليا بالصياغة لكنها سطحية في المضمون؟ كل ما تفتق عنه ذهنهم ضد نبيل عودة انه “كاتب بلاط”. الم اكن كاتب بلاط غبي حين وفرت لكم اعلاما لم يقدر عليه غيري بنفس العقلانية والكثافة والتفرد المطلق خلال المعارك الانتخابية الأربعة الأخيرة لبلدية الناصرة؟ هل نسيتم كم صفقتم لنبيل عودة وعانقتموه بحماس لسخريتي اللاذعة من منافسيكم؟ لكني لم اتوقع باسوا أحلامي ان يأتي صبيان مخنثون، من فرع الناصرة للحزب الشيوعي، ويتهموني بأني اجند شباب مسيحيين للجيش الاسرائيلي وعليه تجري مقاطعة صاحب القلم الذي لعب دورا انفراديا وحيدا في تسويقكم، رغم علمي ويقيني بما انتم عليه من حماقة ، لكني ظننت اني أختار أفضل الشرور!!
لقد رأيت بمرشح الرئاسة لبلدية الناصرة رامز جرايسي شخصية يمكنني التعامل معها. للأسف تبين لي اني لم اكن مصيبا والأسباب عديدة لا اريد كشفها الآن.. لكنها لا تتعلق بتهم فرع الناصرة ومقاطعة جريدة “الاتحاد” لمقالاتي التي سوقت بها جبهتهم ومرشحهم في كل المعارك الانتخابية الأخيرة .. ووعد رامز لي بفحص الموضوع .. لكن حل النعاس وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح…ولم تستيقظ بعد!!
لا شيء لديهم الا ذم الشرفاء
واقعكم يا جبهة صبيان ،حتى لو سبقت اسماءكم القاب دكتور او محامي او معلم او اسم مستعار يخجل من وراءه من اظهار حماقته باسمه الشخصي، وآخرين أقل شانا أو أكثر شأنا لا فرق، تذكرني باكتشاف العالم الروسي إيفان بتروفيتش بافلوف نظرية تعرف باسم “نظرية الاستجابة الشرطية” التي تفسر تصرف الكلب مثلا، حين عوَّدَهُ بأنه مع قرع الجرس او اضاءة ضوء يُقدم له الطعام، فصار المسكين حين يسمع قرع الجرس او اضائة الضوء يسيل لعابه، حتى لو لم يقدم له الطعام، بذلك اشتهرت نظرية بافلوف التي تسمى “الاستجابة الشرطية” وهي لا تتعلق بالوعي الذي يميز البشر فقط.. الذين يقيمون علاقة غير شرطية مع الطعام مثلا وليسوا بحاجة الى عامل اضافي ينبههم ان الطعام قد وضع مثلا… لكني لاحظت هذه الحالة مع بعض البشر ايضا، ليس شرطا بالطعام. يبدو انها استجابة شرطية لذهنية موبوءة .. لم يختلفوا عقليا عن نفس التصرف في تجربة الكلب، إلا بشيء واحد، بدل الجرس يقرأون اسم نبيل عودة، فيصيبهم ما يصيب ذلك المسكين الذي يفيد البشر في الكثير من المهام.
من أجمل تجارب بافلوف التي لها علاقة بالاستجابة الشرطية المطابقة لعقليات الصبيان الجبهويين انه درب احد القرود على إطفاء النار من برميل مليء بالماء، ارتبط ذهن القرد بإطفاء النار بالماء الذي في البرميل، لذلك عندما وضع القرد على شاطئ بحيرة، ووضع البرميل على مسافة 100 متر بعيدا عن شاطئ البحيرة وأشعل النار بكومة حطب بجانب البحيرة، ركض القرد بسطل الماء الفارغ إلى البرميل ليجلب الماء منه ولم ينشل الماء من البحيرة الملاصقة للنار المشتعلة. أي ان استجابته الشرطية ليست وعيا بان الماء في البرميل او من البحيرة هو نفس الماء الذي يمكن استعماله لإطفاء الحريق، وقس على ذلك عقليات الصبيان، علاقتهم ليست مع المواضيع الفكرية أو الثقافية او السياسية او البلدية، تلك لا تغير من تفكيرهم ووعيهم لأن وعيهم أضحى مجرد استجابة شرطية لشكل محدد كما هو حال الكلب او القرد وليس وعيا لمضمون الشيء. في حالتنا اسم نبيل عودة يجعلهم يتصرفون كتصرف الكلب او القرد عند الضوء او الجرس او برميل الماء..
يبدو إني سأقوم بمهمة تحليل عقلياتهم ووعيهم كخبير في علم النفس البافلوفي!!
في الختام: لفت انتباهي بيت شعر لبناني جاء فيه: “فكمن توهم في “خراء” واراد معرفة اليقين فذاقه” الى مطابقته بما يقوم به بعض غلمان الجبهة من تهجمات شخصية وردح غير أخلاقي كلما اثرت آلام البواسير في عقولهم العليا والسفلى.. ليتهم يشاركون القراء بتجربتهم المذاقية أيضا!!
[email protected]