فهم موضوع التشيع السياسي فيه حل لكثير من عقد وحروب السياسة واختلاطها على المتابع ، وهو مهم جداً، لسلامة العقيدة عند اصطفاف المعسكرات ، بالنسبة للشباب المؤمن بالدفاع عن الطائفة الشيعية الأصيلة ، ولمن يؤمن بالقيادات الدينية الحقة، وبولاية أهل البيت “عليهم السلام “، وخاصة نحن نخوض اليوم أضخم انواع الحروب، التي تجاوزت كل الخطوط، ألا وهي الحرب الفكرية، التي أخذت تضرب في بحر التشيع، شمالاً وجنوبا وبلا هوادة .
هل هناك فعلاً تشيعاً سياسياً، ما هو هذا التشيع، الذي يحاول إعلام العدو استغلاله،معتبره عيباً ، لفصل التشيع إلى نصفين ، لنرى كيف فسر الفيلسوف آية الله السيد الشهيد محمد باقر الصدر “قدس سره “، مصطلح التشيع السياسي و مصطلح التشيع الديني الذي اسماه” التشيع الروحي ” وهل هما واحد ام اثنان،ومتى كانت النشاة ، حيث يقول” رضوان الله تعالى عليه ” في بحث( التشيع السياسي والتشُيع الروحي) :-
أود أن أشير هنا الى نقطة أعتبر توضيحها على درجة كبيرة من الاهمية، وهي أن بعض الباحثين يحاول التمييز بين نحوين من التشيع، أحدهما (التشيع الروحي)، والاخر (التشيع السياسي) ويعتقد أن التشيع الروحي أقدم عهدا من التشيع السياسي ، وأن أئمة الشيعة الامامية – من أبناء الحسين (عليه السلام) قد اعتزلوا بعد مذبحة كربلاء السياسة، وانصرفوا الى الارشاد والعبادة، والانقطاع عن الدنيا.
والحقيقة أن (التشيع) لم يكن في يوم من الايام منذ ولادته مجرد اتجاه روحي بحت، وإنما ولد التشيع في أحضان الاسلام بوصفه إطروحة مواصلة الامام علي (عليه السلام) للقيادة بعد النبي فكريا واجتماعيا وسياسيا على السواء كما اوضحنا سابقا عند استعراض الظروف التي ادت الى ولادة التشيع ولم يكن بالامكان بحكم هذه الظروف التي استعرضناها – أن يفصل الجانب الروحي عن الجانب السياسي في اطروحة التشيع تبعا لعدم انفصال احدهما عن الاخر في الاسلام نفسه.
فالتشيع إذن لا يمكن أن يتجزأ إلا إذا فقد معناه كاطروحة لحماية مستقبل الدعوة بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو مستقبل بحاجة الى المرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة الاسلامية معا.
وقد كان هناك ولاء واسع النطاق للامام علي (عليه السلام) في صفوف المسلمين باعتباره الشخص الجدير بمواصلة دور الخلفاء الثلاثة في الحكم وهذا الولاء هو الذي جاء به الى السلطة عقيب مقتل الخليفة عثمان ولكن هذا الولاء ليس تشيعا روحيا ولا سياسيا، لان التشيع يؤمن بعلي كبديل عن الخلفاء الثلاثة وخليفة مباشر للرسول (صلى الله عليه وآله) فالولاء الواسع للامام في صفوف المسلمين اوسع نطاقا من التشيع الحقيقي الكامل، وإن نما التشيع الروحي والسياسي داخل إطار هذا الولاء فلا يمكن أن نعتبره مثالا على التشيع المجزأ. كما أن الامام علي (عليه السلام) يتمتع بولاء روحي وفكري من عدد من كبار الصحابة في عهد أبي بكر وعمر من قبيل سلمان وأبي ذر وعمار وغيرهم، ولكن هذا لا يعني أيضا تشيعا روحيا منفصلا عن الجانب السياسي بل إنه تعبير عن إيمان اولئك الصحابة بقيادة الامام علي للدعوة بعد وفاة النبي فكريا وسياسيا وقد انعكس إيمانهم بالجانب الفكري من هذه القيادة بالولاء الروحي المتقدم وانعكس إيمانهم بالجانب السياسي منها بمعارضتهم لخلافة أبي بكر وللاتجاه الذي ادى الى صرف السلطة عن الامام الى غيره.
ولم تنشأ في الواقع النظرة التجزيئية الى التشيع الروحي بصورة منفصلة عن التشيع السياسي ولم تولد في ذهن الانسان الشيعي، إلا بعد أن استسلم الى الواقع، وانطفات جذوة التشيع في نفسه كصيغة محددة لمواصلة القيادة الاسلامية في بناء الامة، وإنجاز عملية التغيير الكبيرة التي بداها الرسول الكبير، وتحولت الى مجرد عقيدة يطوي الانسان عليها قلبه، ويستمد منها سلوته وأمله.
وهنا نصل إلى ما يقال من أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أبناء الحسين (عليه السلام) اعتزلوا السياسية وانقطعوا عن الدنيا، فتلاحظ أن التشيع بعد أن فهمناه كصيغة لمواصلة القيادة الاسلامية، والقيادة الاسلامية لا تعني إلا ممارسة عملية التغيير التي بدأها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بناء الامة على أساس الاسلام، فليس من الممكن أن نتصور تنازل الائمة عن الجانب السياسي إلا إذا تنازلوا عن التشيع.
غير أن الذي ساعد على تصور اعتزال الائمة وتخليهم من الجانب السياسي من قيادتهم، ما بدا من عدم إقدامهم على عمل مسلح ضد الوضع الحاكم مع إعطاء الجانب السياسي من القيادة معن ضيقا لا ينطبق إلا على عمل مسلح من هذا القبيل.
ولدينا نصوص عديدة عن الائمة (عليهم السلام) توضح أن إمام الوقت دائما كان مستعدا لخوض عمل مسلح إذا وجدت لديه القناعة بوجود الانصار والقدرة على تحقيق الاهداف الاسلامية من وراء ذلك العلم المسلح .
ونحن إذا تتبعنا سير الحركة الشيعية، نلاحظ أن القيادة الشيعية المتمثلة في أئمة أهل البيت، كانت تؤمن بأن تسلم السلطة وحده يكفي، ولا يمكن من تحقيق عملية التغيير إسلاميا، ما لم تكن هذه السلطة مدعمة بقواعد شعبية واعية تعي أهداف تلك السلطة وتؤمن بنظريتها في الحكم، وتعمل في سبيل حمايتها، وتفسير مواقفها للجماهير، وتصمد في وجه الاعاصير: وفي نصف القرن الاولى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت القيادة الشيعية بعد إقصائها عن الحكم، تحاول باستمرار استعادة الحكم بالطرق التي تؤمن بها، لانها كانت تؤمن بوجود قواعد شعبيه واعية، أو في طريق التوعية من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان ولكن بعد نصف قرن وبعد أن لم يبق من هذه القواعد الشعبية شيء مذكور ونشأت أجبال مائعة في ظل الانحراف، لم يعد تسلم الحركة الشيعية للسلطة محققا للهدف الكبير لعدم وجود القواعد الشعبية المساندة بوعي وتضحية وأمام هذا الواقع كان لابد من عملين:
أحدهما: العمل من أجل بناء هذه القواعد الشعبية الواعية التي تهئ ارضية صالحة لتسلم السلطة.
وثانيهما: تحريك ضمير الامة الاسلامية وإرادتها والاحتفاظ للضمير الاسلامي والارادة الاسلامية بدرجة من الحياة والصلابة تحصن الامة ضد التنازل المطلق عن للحكام المنحرفين.
والعمل الاول هو الذي مارسه الائمة (عليهم السلام) بانفسهم، والعمل الثاني، هو الذي مارسه ثائرون علويون كانوا يحاولون بتضحياتهم الباسلة أن يحافظوا على الضمير الاسلامي والارادة الاسلامية وكان الائمة (عليهم السلام) يسندون المخلصين منهم.
قال الامام علي بن موسى الرضا للمأمون وهو يحدثه عن زيد ابن علي الشهيد: (أنه كان من علماء آل محمد، غضب لله تعالى فجاهد أعداءه، حتى قتل في سبيله، ولقد حدثني ابي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول: رحم الله عمي زيدا، إنه دعا الى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لو في بما دعا إليه… إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق، وإنه كان أتقى لله من ذلك، انه قال: ادعوكم الى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله) .
وفي رواية انه ذكر بين يدي الامام الصادق من خرج من آل محمد، فقال: (لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد، ولوددت أن الخارجي من آل محمد خرج وعلي نفقة عياله) .
فترك الائمة إذن العمل المسلح بصورة مباشرة ضد الحكام المنحرفين لم يكن يعني تخليهم عن الجانب السياسي من قيادتهم.
إلى هنا انتهى بحث الشهيد الصدر.
وهناك باحثون فسروا التشيع السياسي على أنه جمع أو توحید كل مؤسسات وخطوط التشيع في جبهة واحدة أو معسكر واحد ، لصد ضربات العدو،أو بالتحالف والدعم والتأييد لجهة مخالفة لكن تشترك معنا بالعدو ، ومؤسسات الشيعة هي (المرجعية الدينية، الحوزة العلمية، العتبات، الأحزاب الشيعية، جماهير الأحزاب، الحشد الشعبي وفصائل المقاومة،المواكب الحسينية، و إعلام هذه المؤسسات تجاه واحد )لذلك تجد في اوقات كثيرة جهات مختلفة بالدين والفكر متحالفة في وقت ما و مختلفة في وقت آخر، مثال توحيد كل الشعب العراقي ضد داعش بمختلف مذاهبه ودياناته واختلاف احزابه ، أو دعم الجمهورية الإسلامية حركة طالبان في إخراج الأمريكان من أفغانستان، أو دعم الجمهورية الإسلامية حركة حماس ضد الكيان الصهيوني الغاصب وغيرها من المواقف غرضها عبور المرحلة .