ان للحوار عموماً أهمية بالغة في معالجة قضايا متعددة، اذ يقوم على مبدأ مشاركة الأفكار المتعلقة بمختلف العلوم المعرفية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالدين وبالتابع والمتبوع تبلغ أهمية الحوار حد الوجوب العيني على المتبوع، لكي لا يكون في موقف المشتكى منه في قوله تعالى (( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ))، كما ليطمئن التابع أن متبوعه واثق من عقيدته قادراً على الحوار مع الأطراف الأخرى وبكل ثقة.
ان طرف الحوار مهما كان شخصه وفكره لابد من الاستماع اليه ولأفكاره، فهذا رسول الله(ص) حاور كفار قريش ومن شكك برسالته وعاملهم باللين وعدم القسوة اذ أشار القرآن الكريم الى ذلك في قوله (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ))، وهذا علي بن ابي طالب (ع) حاور ابن الكواء وهو زنديق (ملحد) اذ كان الأخير يجالسه، وأمير المؤمنين (ع) يرد عليه بالدليل والبرهان كل ذلك لألى تكون الفتنة والشبهة قائمة.
وحتى الله سبحانه الذي هو إله كل شيء والذي (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) عندما أمر الملائكة بالسجود وأبى إبليس إستفهمه الله بقوله (( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ))، وفي واقعة أخرى عندما طلب إبراهيم (ع) من الله تعالى (( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى )) جاءه الرد (( أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ))، كل ذلك يعني انه لا فرق بين كفار قريش وابن الكواء وابراهيم (ع) وابليس كطرف صالح للحوار.
ومن مصاديق الطرف الذي يحمل فكراً قابلاً للحوار هو الشيخ عبد الحليم الغزي صاحب قناة القمر، والذي طرح مؤخراً فكره المحمّل بإشكاليات موجهة ضد التشييع السائد في الشارع والقائمين عليه في عصر الغيبة الكبرى، وتعددت إشكالاته التي ولدت تساؤلات في ذهن كل شيعي وهي:
الأول: إشكالية الفكر المذهبي : والتي أثبت من خلالها ان الفكر الشيعي ليس نقياً بل مشوباً بأفكار الشافعية، اقتبسه الطوسي من تراكماته وخلط معه روايات أهل البيت (ع).
الثاني: إشكالية البناء الفكري للحوزة النجفية ومناهجها مثل الأصول والرجال والتي أصلها مقتبسة من قواعد العامة، صيغت بشكل كأنها شيعية وهي ملفقة بين السنة والشيعة، قد يسمون ذلك تقارباً مذهبياً ولكنه ليس شيعياً كما يقال فهو منسوب الى التشيع. كما ان دروس علم الكلام والفلسفة والمنطق هي علوم يونانية عقلية ليست من أهل البيت (ع) وانما نسبت اليهم.
الثالث: إشكالية الاجتهاد والتقليد: ان الاجتهاد بالمعنى الموجود مذموم ولم يرد فيه نص الا بالذم ولعنهم الإمام علي (ع) واسماهم (أهل الرأي) و(أعداء آل محمد). وان التقليد يكون للفقيه ومدار الفقاهة هو روايات أهل البيت (ع) مستدلاً بعدة أدلة أهمها رسالة الامام المهدي (ع) الى نائبه: (( فأرجعوا الى رواة حديثنا )).
الرابع: إشكالية الخمس: إذ لا يوجد ما يثبت نصوص الخمس في عصر الغيبة مطلقاً بل العكس يكون مباحا للشيعة كما في التوقيع عن محمد ابن يعقوب (( انما جعلوا في حل منه كي تطيب ولادتهم ولا تخبث )).
الخامس: إشكالية السلوك الحوزوي ورجال الحوزة: اذ ان الحوزة الشيعية لم يرد منها سوى التسقيط على لسان الوكلاء حتى وصل الحال ببعضهم إلى الخروج عن جادة الطريق لما وجدوه ورأوه وسمعوه بين جدران الحوزة (حسين المؤيد) مثالاً، بل وصل في بعض الأحيان الى تصفية بعضهم الآخر، فمقتل عبد المجيد الخوئيوالغروي وباقر الحكيم مثال واضح لا يقبل الشك على مستوى الصراع داخل الحوزة.
لهذه الأسباب والإشكاليات بدأ الشارع الآن يشكك بكل ما هو ديني وحوزويكنتاج للأداء السياسي لمن تبنتهم المرجعية وروجت لهم، والآن وبأسلوب المخاتلة تتكلم وتصمت خوفاً ووجلاً لأنها شريكة في البناء الخطأ.
وعليه صار واجباً شرعياً – لتفنيد شكوك الشارع – الجلوس الى طاولة الحوار مع كل صاحب دعوى او فكر ونقيم ما يقول وما يريد ونحاوره، فليس عيباً التراجع عن الخطأ بل العيب الإستمرار او البقاء فيه، وان الحوار الفكري يجب ان يكون مستمراً لأننا بشر يجب أن يفهم بعضنا الآخر.