23 ديسمبر، 2024 1:30 م

التشكيلي هاشم تايه : حياة هشة.. هي إلى حدّ ما حياتي وهي أوهن من أن تقدّم دفاعاً عن نفسها

التشكيلي هاشم تايه : حياة هشة.. هي إلى حدّ ما حياتي وهي أوهن من أن تقدّم دفاعاً عن نفسها

الفنان التشكيلي” هاشم تايه” ولد في البصرة 1948 حصل على بكالوريوس /آداب اللغة العربية/ 1970 .وفي ذروة التعسف الذي تعرض له الشعب العراقي في نهاية السبعينيات نقل من عمله كمدرس للغة العربية إلى دائرة أخرى لا علاقة لها باختصاصه. مارس الرسم وأقام معارض شخصية في البصرة خلال أعوام : 1974و 1976 و 1989.ومعرض تشكيلي  عام 1992 على قاعة المتحف الوطني العراقي بغداد. ويمارس أيضا التصوير الفوتوغرافي ونشر صوره مع تعليقاته الباهرة عليها في صحيفة” المنارة” نصف الأسبوعية التي كانت تصدر في البصرة. كما يكتب “هاشم تايه” كذلك  الشعر و صدر له بدعم شركة ( آسيا سيل للاتصالات) ، ديوانه الشعري الأول ” عربة النهار”، وكذلك يكتب القصة القصيرة وفاز بالجائزة الأولى ،في المسابقة التي أقامتها جريدة “المؤتمر” العراقية ، ويكتب كذلك النقد التشكيلي. كما أقام الفنان ” هاشم تايه” معرضه  النحتي و بعنوان (منفيّات) في قاعة البيت الثقافي بالبصرة وضم (24 ) منحوتا، معتمدا فيها خامات غير تقليدية ومواد تستخدم في الحياة اليومية وبعد استنفاد الحاجة منها واليها ترمى وتهمل ويتم التخلص منها عشوائيا بصفتها “نفايات” منزلية لا قيمة لها، إلا انه عمد إلى التقاطها في أماكن تواجدها الأخيرة ، وهي ملقاة على الأرصفة لا تثير المارة ، أو في المناطق السكنية الشعبية  البصرية وتلال نفاياتها المرتفعة حالياً ،كما قصد بعض أماكن (الطمر الصحي) التي تقع خارج (البصرة ) منقباً فيها لأيام وأسابيع بهوس وحنان غريبين، ملتقطاً منها ما يختاره ، ويشكل بعد أن يعيد العمل عليه قيمة فنية – جمالية في الواقع المنظور، ومكوناً من تلك المواد التي لا قيمة أو منفعة لها، بنية نحتية- فنية- جمالية وقد عرضها في معرضه النحتي الأول، الذي افتتحه القاص الكبير”محمد خضير”. في معرضه ذلك كان الفنان “هاشم تايه” يحدق كالمأخوذ بالمشهد العراقي الراهن، وبالخراب المحيط بهم من جميع الجهات، لكنه صنعَ من النفايات العراقية جمالاً ، و يكون بذلك قد تجاوز ذلك الخراب وبات قرينا لؤلئك الفنانين العراقيين المجهولين المنحدرين من ارض الرافدين ومن عصور الحياة الإنسانية الأولى ، قبل وبعد بدايات التاريخ البشري، والذين صنعوا في وادي الرافدين حتى من تلك (اللبوة) العراقية الجريحة ، والتي تُغرز في جسدها اللدن السهام من جميع الجهات، ولكن الفنان الرافديني ، بث فيها قدرة على المقاومة والتحدي والجلد متسامية على جراحها من اجل الحياة وديمومتها ، والانبعاث على هذه أرض العراق، التي فيها الكثير مما يجعل الحياة لائقة بالبشر، وبمختلف توجهاتهم و أعراقهم و مكوناتهم التاريخية- العراقية . مؤخراً ضيفت جمعية التشكيلين في البصرة على قاعتها معرضاً جديداً للفنان هاشم تايه بعنوان (حياة هشة) وعمد الفنان هاشم أن تفتح معرضه زوجته السيدة( عالية فليحّ) تكريماً منه لها وعبرها للمرأة العراقية عامةً ، وقد قدم لها بعض الحاضرين باقات الزهور اعتزازاً بها. وضمّ المعرض أعمال الفنان الأخيرة التي أنجزها على سطوح هشّة مستخدماً موادّ مبتذلة وخامات مرذولة شذت عن الاستعمال اليوميّ وتعرّضت للتلف، ساعياً إلى إنتاج أثر فنيّ ذي صلة ببيئة ومكان تتردّى فيهما الحياة، وتفقد جاذبيتها، محاولاً تحدّي التنافر الذي يمكن أن يحصل بين مادّة رثة مبتذلة ووسيط جماليّ حامل. وفي جلسة احتفاء بالفنان هاشم تايه ومعرضه على قاعة الجمعية  وترأسها الناقد التشكيلي خالد خضير، وبدأت بتقديم بعض الأوراق البحثية عن المعرض قدم الفنان الأستاذ صباح سبهان ورقة بعنوان (منفيات تفضي إلى أشياء هشة) مؤكدا فيها: أن هاشم تايه يكشف عن المخبوء من تحت أقنعة الجمالي باشتغاله على انساق ومهيمنات متحررة من الاستهلاك، وبمقصدية باحثاً عن المسكوت عنه عبر لغة فنية ثرة قادرة على الإدهاش  وان تجربة (تايه) تقبلتها النخبة من المتلقين وعزف عنها الجمهور العريض رغم إنها تجربة خصوصية من ناحية الخامات الموظفة التي قد لا تقاوم الزمن ولكنها قادرة على إثارة شعور بالأسى وان معرض (حياة هشة)يثير جملة استفهامات ومعانٍ لا متناهيةٍ تدعونا لان نتلقى طيات الورق المقوى المعمولة باليد حينما قام الفنان بالجمع بينها وبين المتناقضات متحولة إلى قوالب لفظية تتفاعل مع النفس و شكل هاشم تايه سيميائية تحاكي الفوضى وتحاكي المهمل، ليضع فيها روحا بعد أن سلبت من قبل مستخدميها من خلال لمسات فنية بارعة لتدب فيها الروح على سطح الكارتون، عاكسة حياتنا الرخوة بمادتها الهشة التي يمكن أن يطاح بها في لحظة ما. الكاتب احمد صحن قدم ورقة بعنوان (دادائية بصرية برؤية جديدة) أوضح فيها إن أعمال هاشم تايه تحمل دادائية بصرية يتعذر على المتلقي فك شفراتها ورموزها إلا بعد الغور في المعاني الصورية ليجد الروح التي تتحرك مستمدة طاقتها من ربط الأشياء المستخدمة وإخضاعها لقواعد التشكيل خالقا بذلك تأثيراً تفاعلياً ناتجاً من الإشارات الصورية المنبعثة من عالم اللوحة الدادائية التي جاءت محصلة حكمة أن “اللاشيء هو كل شيء”، وان معرض (حياة هشة)يثير جملة استفهامات ومعان لا متناهية تدعونا لان نتلقى طيات الورق المقوى المعمولة باليد حينما قام الفنان بالجمع بينها وبين المتناقضات متحولة إلى قوالب لفظية تتفاعل مع النفس وتحرك بوصلتها ضمن سياق الفن المضاد الذي يتماها مع نسق الدادائية الأوربية، وقد شكل هاشم تايه سيميائية تحاكي الفوضى وتحاكي المهمل، ليضع فيها روحاً بعد أن سلبت من قبل مستخدميها من خلال لمسات فنية بارعة، واستطاع أن يترجم روح المثقف العراقي وترسباتها، انه التمرد بعينه، فلوحاته تصرخ بصمت يخرج من جوف قنانيه الفارغة،كما تنم المنحوتات عن هيمنة على مادته المرذولة التي يشتغل عليها، ليحولها إلى لغة كونية لتدب فيها الروح على سطح الكارتون، عاكسة حياتنا الرخوة بمادتها الهشة . كما قدم الفنان عبد العزيز الدهر مداخلة حول المعرض وكذلك الفنان عبد الرزاق الحلفي. و تحدث رئيس الجلسة الناقد التشكيلي خالد خضير مؤكداً إن معرض الفنان هاشم  تعبير عن وجع وسخرية و أرى في تجارب ، هاشم تايه قدرتِهِ على الكمونِ في المناطقِ التي يسميها (سلفرمان وبرتراند رسل) “المابين” أو (التخوم)، ومع انه يتنقلُ في مناطقَ التخومِ هذه إلا أننا نجدُه، أينما حلَّ، يمتلكُ ناصيةَ مادتِهِ التي يشتغلُ عليها. ويقدم في معرضِهِ هنا تجربةَ نحتٍ، ولكنّه يعيدُ علينا فيه الغرائبيةَ الماديةَ ذاتَها، ويؤسسُ لقوانينَ استثنائيةٍ كان يقدّمُها الرسامون حينما يمارسونَ النحتَ نمطاً إبداعياً (آخرَ)، و معرضه ليس لمادة مضى عليه معها سنوات ، فهو يطورها في كل معرض جديد يقيمه،لكنه يكرس ذات المحركات السابقة. فما زالت البنية (الكاليغرافية) مهيمنة على أعماله ،فيدخل السرد في بنية العمل، بتحول الخط من طبيعته المادية إلى طبيعة سردية، و يغلق الأشكال، ويردم الفراغات. وذكر خضير أن المحركات السابقة لتجاربه (النحتية) مازالت فاعلة فمازالت البساطة والقوة التي كان يجّلها الرسام الشاعر (وليم بليك) فاعلةً ، فهاشم يتبع البساطة حينما يتخلص من الشوائب الزائدة في بناء لوحته بشكل يغطي مساحة العمل ويستلها من مستوى غائر، مطمور في أعماق النفس الإنسانية.فكانت أعمال الورق المقوى تبنى بوعي وتخطيط  مسبق، لكنه يحتار في تجنيسها ، إلا أنها تشتغل في مناطق  (تخوم الرسم-النحت) . ثم تحدث الفنان هاشم تايه قائلاً : حين يٌورَّ ط فنان في الكلام على عملٍ فنيّ أنجزه، فستكون المهمّة فادحة لو أنه تكبّد عناء الدفاع عن عمله وتبريره، فالمفترض أن العمل، وحده، هو من يعرض حقائقه الجمالية، ويدافع عنها ويبرّرها بمنطقه الخاص. وتساءل تايه :لماذا حياة هشّة؟. العنوان مستقى بتحريف من موضوع أثير لدى الرسّامين دأبوا على عنونته بـ (حياة ساكنة) أو (حياة جامدة) وهو ما جرى التعبير عنه في الإنجليزية بـ (still life). الصفة (هشة) في عنواني تعيّن طبيعة المواد والخامات والسطوح التي أنجزت بها أعمالي، وهي مواد تمت صناعتها لتستخدم كحافظات لمادة حياة يوميّة حالما تستفرَغ منها يكون مصيرها النفاية أو الأرصفة، أو جادات الطرق في بيئة عارية تجعلها عرضة لآثار متعددة فتتقادم وتتلف وتتغيّر أشكالها، وتنتهي إلى (طبيعة هشة). وأضاف تبدو أعمالي مخيبة لكثيرين ربما بسبب توحّشها، ونشازها، وغرابتها، ولوثتها، وتلوّثها، ، لهذه الأسباب، لا تعلَّق على جدار نظيف في بيت، أو في متحف، لأنها لا تطاق حتى أن أحد مسؤولي ثقافتنا الرسميين عبّر عن اشمئزازه منها، وهو يطالعها ، وقال:” إنه يخشى أن يلمس بأصابعه قنينة بلاستيكيّة تالفة ملصقة على سطح العمل فلعلها ملوّثة بالمكروبات”.وأضاف  تايه “:أعمالي هذه تنطلق من وضعٍ أقرب إلى عدمٍ، عدم توفر ما يُفترض أنه أساسيّ من الأدوات والوسائل المعروفة لصناعة أثر فنيّ، و افتراض عدم وجود ذاكرة في ذاكرة رأس الفنان الذي سيجد وسائله وأدواته في أي شيء يقع تحت يديْه، وسيعمل بلا تقاليد فنية. خلاصة الأمر أعمالي هذه وغيرها حصيلة افتراض أنني أعمل في عدم، عموماً يمكن القول إنّ هناك أكثر من دافع وراء استثماري مواد غير تقليدية في انجازها أستطيع إيجازها بـ:نزوع شخصي تأصّل مع الزمن إلى التجريب ،والتحوّل الذي يطرأ على المواد الجاهزة المستهلكة التي يتمّ نفيها في البيئة جراء آثار متباينة يجعلها تكتسب مظاهر وأشكالاً مثيرة، فتبدو، وقد تعرّضت للتلف، كما لو أنها تختزن تعبيراً ما، بل تغدو ملهمة بتقديمها مقترحاً لصورة فنيّة أوليّة تعرض نفسها على الخيال مستفزة الرؤية ومحفزة على استثمار أشكالها المتحولة في إنجاز عمل فني. إن استخدام الخامات والمواد المرذولة في أعمالي كان حصيلة بداهة الرؤية البَصَريّة ،وتوافقت مع حقيقة أن العالم معروض علينا للاستثمار في ضروب شتى من الاستثمار بما فيها الاستثمار الجمالي، كذلك وعيٌ بأهميّة صناعة أثر فني مفارق ببدائل عن المواد التقليدية مع مفهوم عن فن شامل ترسّخ لاحقاً، فن يعمل خارج منطقتي الرسم والنحت المعهودتيْن، وخارج الأعراف الفنيّة بمحظوراتها ،إدخال مادة الحياة في العمل الفني ومنح هذه المادة فرصتها للمشاركة في إنتاج هذا العمل وتقويّة التأثير الجماليّ فيه. وذلك يعني تغيير آلية التصرّف بالفعل الذي ينتج عملاً فنيّاً اعتدنا على أن يتحكّم به الفنان. أن الآلية التي أنتجت بها أعمالي بخامات تالفة تعيد الممارسةَ الفنيّة إلى بدائيّتها كفعل حرّ يُنجز أثره بتطويع أية مادة قريبة مهما تكن بساطتها، وهذه الآلية قد تفتح المجال أمام الممارسة الفنية غير المحترفة لتعمل بطاقة أكبر مدعومة بمبادرات متحررة من أية سلطة، ولا بأس أن تكون بعد ذلك إلى جوار الممارسة الفنية المحترفة، أو على هامشها. المهم أن تكون مستفزة، مشاكسة، وحتى ساخرة.ثمة تعاطف يدفعني إلى محاولة إعادة هذه الأشياء إلى الحياة، وتجديد لقائها بنا في كيان فني يمنحها جدارة بالبقاء، و نزوع بإضفاء الحياة على كلّ شيء بما في ذلك الجمادات، ويدفع الفنان إلى استنطاق هذه الحياة في أعماله. إنني فنان غير محترف اعتدتُ العمل بأهواء خاصّة في مكان عزلتْهُ فظاظتُه عن العالم، وإذا حدث أن توافقت تجربتي مع تيار فني عالمي فقد وقع ذلك مصادفة، إذ أن نزوعي إلى العمل بأية مواد رافقني منذ فترة مبكرة من عمر تجربتي التي بوسعي الآن أن أراها كيف انطلقت بمجرّد قطعة فحم تحرّكت بأصابع طفل على جدار إسمنتي خشن في بيت قديم ثم مضت تعبر عن نفسها بأية مادة وعلى أي سطح. وختم الفنان هاشم تايه بـأن ما ذكره:” ليس هذا دفاعاً عن تجربتي، فـ(حياة هشة )هي إلى حدّ ما حياتي وهي أوهن من أن تقدّم دفاعاً عن نفسها”. وساهم في الحوارات التي أعقبت كلمة الفنان هاشم تايه ، الفنان التشكيلي المغترب (يوسف الناصر) ،الذي قال في مداخلته: إن الاستمرار في الإنتاج هو تحدٍ للخراب وهو ما يفعله هاشم تايه بصلابة، وان استخدامه لهذه المواد هو البحث عن شيء جميل حتى في النفايات  ويحمل من الطرافة الكثير، وان هذا المعرض هو صرخة بوجه الجحيم الراهن و المغلق تماماً وبالتالي فهو محاولة قيمة تستحق الثناء، وأضاف الفنان الناصر: إن الفنانين في الغرب يستخدمون المواد المرذولة وفي البصرة لا يوجد ما يختلف عن استخدامها في الغرب، إنها هنا تعبير عن التحدي الكبير، والسخرية المخيفة.القاص (باسم القطراني) قال: إن أعمال هاشم تايه موجهة إلى قاع المجتمع الذي يعيش واقعاً مراً فهي مواساة له ولكن الغرابة إن متلقيه كانوا من النخبة .وذكر المترجم والكاتب (نجاح رحيم) أن هاشم يوجه لنا درسا أخلاقياً إنسانياً بان لا ننتقد الأخطاء فقط، بل نطرح البدائل . الكاتب المغترب (جعفر كمال ) أكد على وجود روح حداثية في الأعمال المعروضة و تستفز فضول المشاهد  وذكر: الا يؤدي استخدام المواد سريعة التلف إلى وقتية العمل الفني؟ فأجابه تايه إن الثيمة الجوهرية للمعرض هي التلف. وتساءل الكاتب جاسم العايف :عن ما جاء بكلمة الفنان (هاشم تايه) حول المساواة بين (الوجود والعدم) وهما مفهومان فلسفيان لا يلتقيا في آن واحد لأن احدهما ينفي الآخر؟. فأوضح هاشم تايه: أن الأمر بكونه لا يتعدى العدم الفني الذي يدفع إلى تصويره بهذه الطريقة. كما ساهم في المداخلات الشاعر حسين عبد اللطيف والشاعر كريم جخيور والفنان صلاح مهدي وبعض الحاضرين. و أشار الفنان( عبد العزيز الدهر) في الختام إلى غياب عدد كثير من الفنانين التشكيلين ومن أعضاء الجمعية بالذات ، بينما تواجد الأدباء والكتاب في الجلسة وبنسبة كبيرة.