18 ديسمبر، 2024 11:42 م

ارى ان التشاؤم الذي تبدو علاماته جلية في العراق. حالة جديرة بالاهتمام والمتابعة, خصوصاً في السنوات الاخيرة التي شهدها العراق . فأن الاوضاع السيئة فيها قد تفاقمت بشكل عجيب يبعث على الذهول. فالنزعة الى الكآبة غالباً ماتأتي, صنيعة قضايا مأساوية تتراكم وتكون مستعصية على الحل, فتصنع من الانسان (كئيب)(تشاؤمي) . وما اكثر اصحاب التوجه “التشاؤمي” في بلدنا الحبيب! وهذا ما التفت اليه احد الاصدقاء العرب, وجعلني اكتب اثر قوله, هذا المقال البسيط, حيث قال: (العراقيون متشائمين دوماً). وقبل الولوج في غمار هذا الموضوع دعوني اورد لكم تعريفاً عن التشاؤم : ينظر فرويد الى التشاؤم, على انه لايقع في حياة الفرد الا اذا كونت له عقدة نفسية, وهذه الاخيرة, هي ارتباط بموضوعات تحدث في حياة احدنا (خارجية, وداخلية),فالفرد متفائل اذا لم تقع في حياته حوادث تجعل العقدة النفسية تسيطر عليه. وهذا التحليل اراه واقعي جداً, وينطبق على واقعنا الذي يزخر بالاحداث المريرة التي تصنع آلاف العقد… منذ فترة بعيدة وانا اتابع مايُكتب من قبل اصحابنا العراقيين على صفحات التواصل الاجتماعي, فازداد تيقناً ان “التشاؤم ” حالة متغلغلة فينا. حيث تجد هذه القضية تحدث اثر انفعالات ازاء مايحدث من مآس يندى لها الجبين , فـكلما كثر الانفجارات, وازدادت الخروق الامنية, اصبحنا اكثر تشائماً من حيث نشعر او لانشعر, ويبدو ذلك في كتاباتنا, ومنشوراتنا, وحياتنا اليومية واضحاً . رأيت قبل ايام احد كبار السن وسألته عن العراق. وهل يأتي يوم ويشار له بالبنان, ويكون في مصاف الدول المتقدمة؟ اجابني بتهكم: (الف سنة ماتصيرله چارة). هذه الرؤية الخالية من التفائل، والنظر الى الاحداث بيأس, حالة اجتماعية خطيرة جداً, وقاتلة لطموح الناس, وكذلك تفرز النظر السلبي الى الحياة فقط. وهذا مايؤكده البعلبكي في تعريف له عن التشاؤم حيث يقول : الاعتقاد بأن عالمنا هو اسوأ العوالم الممكنة , وان كفة الشر والشقاء ارجح من كفة الخير, والسعادة فيه , فجميع الاشياء تنزع بطبيعتها الى الشر . وهذا ماتثبته افعالنا, حيث بتنا ننظر الى الامور نظرة سوداوية مفرطة. ولا أخفيك أخي القارئ انني اول الناس تشائماً وكآبة, رغم انها حالة سيئة جداً، حيث تكون وليدة معاناة وسلبيات تتراكم الى ان تخلق الخنق, والريبة من كل شيء في هذا البلد . خذ مثالاً : احدنا اذا طمح الى التغيير في العملية السياسية, واراد ان يكون بمثابة الدول المتحررة, سيكون سبب في توقفه وعدم اقدامه, “التشاؤم” واليأس, وهذا مانراه واضحاً في الساحة . كنت ارى احد الرجال يقال له: لماذا تنقد الوضع السياسي باستياء, ولاتخرج مع المتظاهرين؟ يرد: ان الوضع “خربان” لماذا اخرج واعرض نفسي للخطر؟! . هذا الاعتقاد الذي اختزله صاحبنا بكلمة “خربان” سيؤدي بنا الى الهاوية وسيقتل أي تفائل في نفوسنا التي تقطر الماً ومعاناة . والحقيقة ان من صنع التشاؤم في الانسان العراقي, هو هذه الاحداث الهائلة التي لم يتخلّصوا منها ولا يوم. فكل ايامنا دماء وقتل وتخريب وسرقة. وكذلك وجود الساسة الذين رسّخوا تشائم الناس بكذبهم المستمر . فأصبحت الناس يائسة تنظر الى الامور بعدم اهتمام, وانها “خربانة”. ولا انسى قول احد المواطنين حينما رأيته في احدى الدوائر: ان التفائل ذهب مع الامان . رغم ان الامان جزء من خراب وليس كل. لكن كلامه لايخلو من صواب . فتفشي القتل وكثرة الموتى, لابد ان يكون سبب في ازدياد اليأس وغياب التفائل, وهذا الشيء الاساس اعتقد . كون التشاؤم وليد قضايا خارجية تحدث للفرد, كما اسلفنا. واحداثنا تجعل الضاحك مقطب, والذي قلبه “من صخر” يبكي, واذا ذكرناها لطال بنا المقام . ومما اثارني وجعلني انظر الى التشاؤم نظرة غريبة, وانه يلاحقنا في كل وقت, اننا في هيمنة بهجة العيد وسروره المتفشي بين الناس, نجد الدماء تظلل افاقه في محافظات عدة. وتقلب فرح العيد الى عزاء ومجالس تأبين!. فأين تجد تلك الروح الآملة التي تنظر الى مستقبل مشرق وسط ركام الملمات في عراقنا الجريح؟