23 ديسمبر، 2024 10:15 ص

التسويق الغربي للارهاب العالمي.. خداع وتضليل

التسويق الغربي للارهاب العالمي.. خداع وتضليل

ما ان يقع حادث ينطوي على سلوك ارهابي اجرامي في بلد غربي، ويكون المتورط فيه شخص من اصول شرقية اسلامية، حتى تفتح الاوساط والاعلامية والفكرية والثقافية الغربية نيرانها من كل الجبهات على الدين الاسلامي والمسلمين، وكأن الاسلام والمسلمين يقفون وراء كل ما جرى ويجري في العالم من ماسي وكوارث وحروب ومعارك، وان الغرب هو الضحية الاكبر لذلك، بحيث بات مصطلح “الارهاب الاسلامي”، يتداول على نطاق واسع في مختلف الاوساط السياسية والمحافل الفكرية ووسائل الاعلام الغربية، ناهيك عن الرأي العام الغربي، الذي يتأثر كثيرا بما يسمع ويشاهد من حقائق مزيفة، وصور مشوهة، ووقائع مجتزئة.

حادثة مقتل شرطية فرنسية طعنا بالسكين في منطقة رومبواييه جنوب العاصمة باريس، على يد مواطن من اصول تونسية، هي واحدة من حوادث كثيرة، ساهمت في رسم صور مشوهة والترويج لتصورات خاطئة، والتحشيد والتحريض بطريقة خطيرة جدا لاتنسجم مع قيم الديمقراطية والتعايش والتنوع التي لاتتوقف المنظومات السياسية والفكرية والثقافية الغربية من تكرارها على مدى عقود وقرون من الزمن.

ولم تمر سوى دقائق- لا ساعات-ولم تكن قد اتضحت بعد دوافع واسباب الحادث، حتى اطل الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون، ليتحدث عن مخاطر “الارهاب الاسلامي” وضرورة مواجهته.، قائلا في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، “في المعركة ضد الإرهاب الإسلامي، لن نتنازل عن شيء”، وهو اي ماكرون، كان قد تحدث بصورة اوضح واخطر، اثر مقتل المدرس الفرنسي صاموئيل باتي في منتصف شهر ايلول-سبتمبر من العام الماضي بنفس المدينة على يد لاجيء شيشاني، ردا على قيام المدرس المذكور بعرض صور كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (ص) على تلامذته، والترويج لها بطريقة ساخرة ومهينة تحت عنوان حرية التعبير عن الرأي.

ولعل فرنسا من بين اكثر الدول الغربية التي غالبا ما تشهد حوادث من هذا القبيل، لتخلق اجواء من الغضب والقلق والفوضى والاضطراب، وتكرس الانقسام المجتمعي-دينيا وعرقيا-وكل ذلك كان –ومازال-ينطلق من النتائج والمخرجات ولايهتم ويبحث في الاسباب والمقدمات، ناهيك عن الالتفات الى بعض زوايا المشهد وغض الطرف عن معظم الزوايا الاخرى، ولعل محاولات تسويق وترسيخ مصطلح “الارهاب الاسلامي” في ذهنية العقل الجمعي الغربي، يراد منها تشويه حقائق وتضييع اخرى، اكثر من كون الهدف المطلوب هو توضيح وكشف الحقائق بكل موضوعية وحيادية ومهنية.

من ابرز هذه الحقائق، هي ان جذور الارهاب من ناحية دينية، مسيحية ويهودية، والحقبة الاستعمارية الطويلة، تعد مصداقا على ذلك، بما حفلت به من شتى صنوف الظلم والقهر والطغيان والاستبداد للشعوب والامم التي خضعت للاحتلال، وقد كان لفرنسا حصة كبيرة من ذلك، وكذلك فأن احتلال فلسطين من قبل الصهاينة اليهود، وارتكاب افضع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني على مدى اكثر ممن سبعة عقود من الزمن، تحت شعارات ودعاوى دينية منحرفة، يعد مصداقا اخر على خلفيات نشوء السلوكيات والممارسات الارهابية، علما ان الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الاميركية وقوى غربية اخرى في العصر الحديث، تمثل في واقع الامر امثلة حية على الارهاب، وما حصل في العراق وافغانستان واليمن ودول اخرى، خلال العقود الاخيرة، ليست سوى مصاديق واقعية مؤلمة، خلفت حروب اميركا والغرب عليها اعدادا هائلة من الضحايا الابرياء، ناهيك عن الدمار المادي الكبير، الذي تسبب بمشاكل وازمات حياتية ثقيلة.

واذا صح استخدام مصطلح “الارهاب الغربي”، فأن هذا الاخير اتخذ صورا ومظاهر مختلفة، بعضها عسكرية، وبعضها اجتماعية، وبعضها ثقافية، وبعضها دينية، وتلك الصور والمظاهر، تمتد من الحروب العسكرية، كما اشرنا الى نماذج منها انفا، الى الحروب الناعمة، التي تستهدف تدمير القيم والمعتقدات الصحيحة للمجتمعات الاخرى، لاسيما الشرقية الاسلامية، الى مصادرة الحريات الشخصية للمسلمين المقيمين في الدول الغربية، من قبيل ارتداء الحجاب او النقاب للنساء، وقد راحت بعض الدول الغربية تسن القوانين التي تحظر على النساء ارتداء غطاء الرأس في الاماكن العامة ومواقع العمل والجامعات، ولعل فرنسا من بين الدول التي اقدمت على ذلك، وكذلك الاعتداء على اماكن العبادة الاسلامية ومن يرتادها، وكانت المجزرة التي وقعت في مثل هذه الايام من عام 2019 بمسجد النور بمدينة كريست تشرتش النيوزيلندية، وراح ضحيتها العشرات من ابناء الجالية المسلمة هناك، انعكاسا واضحا لنزعة الكراهية والعنصرية الغربية، التي لم تأت من فراغ، وانما هي نتاج عمليات تثقيف خاطيء وتحريض ممنهج.

ولا يقتصر الارهاب الغربي في شقه الديني والثقافي على استهداف اماكن العبادة، بل انه يصل الى انتهاك المقدسات، كما فعل القس الاميركي تيري جونز، حينما اقدم على حرق القران الكريم قبل عشرة اعوام في داخل كنيسة بولاية فلوريدا الاميركية، وكما فعلت مجلة شارلي ايبدو الفرنسية، بنشرها رسوما كاريكاتورية مسيئة الى النبي محمد(ص)، وقبل فعلت منشورات غربية نفس الشيء.

ولاشك ان من يفتش ويتقصى ويبحث، سيكون امام كمّ هائل من الاساءات والتجاوزات والانتهاكات الغربية للاسلام والمسلمين، سواء من التأريخ البعيد والقريب، او من الواقع الراهن، والتي تندرج جميعها تحت مسمى “الارهاب الغربي”، وحتى “الارهاب التكفيري”، ذو العقيدة الاسلامية الدينية المنحرفة، كان نتاج في جانب كبير منه نتاج تخطيط ودعم وتشجيع وترويج غربي، ولعل البحث في خلفيات وظروف نشوء تنظيم القاعدة الارهابي، ومن ثم تنظيم داعش الارهابي، لابد ان يكتشف دور المنظومة الغربية في تأسيس وايجاد التيارات الاسلامية الدينية المنحرفة، وهذا منهج قديم، عمل عليه الاستعمار البريطاني، والاستعمار الفرنسي، وسار الاميركان على ذات النهج، وبالاستفادة من التجارب والخبرات السابقة.

ومع كل تلك التراكمات طيلة عقود من الزمن-ان لم يكن قرون-من الطبيعي جدا ان تكون هناك ردود افعال بمستوى معين، يغلب عليها الانفعال وسوء التقدير-كما يحدث بين الفينة والاخرى، والتي تستدعي من الجهات المعنية في الدول الغربية، البحث في الاسباب والمقدمات دون التوقف عند النتائج والمعطيات فقط.

———————-

*كاتب وصحافي عراقي