23 ديسمبر، 2024 5:23 ص

حينما كنتُ يوما ما مع صديق عزيز نشط في كل افعاله واقواله وكانت الظروف قد جمعتنا للعيش في نفس المكان احد عشر عاما خلف الحدود – كان يقول لي دائما كلما اراد ان يفعل شيء معين – خير البر عاجله – كنت انظر اليه بطريقة الشفقة او ربما الاعجاب احيانا لانه لايؤجل اي عمل يريد القيام به حسب الظرف الحياتي الذي يتطلبه ذلك المكان. كنت امازحه احيانا واقول له ولماذا نحن مستعجلون لانجازه ..نحن نعيش في مكان واحد وظرف واحد لايتغير مهما تغيرت حالات الطقس او نزل المطر او امتلأت الارض اكداس من الجليد. كان ينظر نحوي بغضب ” لاتؤجل عمل اليوم الى غدٍ ” يصمت بعض الوقت ثم يردف قائلا : جاء في الحديث الشريف” كل يوم يقول لأبن آدم ..انا يوم جديد ..وغدا عليك شهيد ..فأعمل فيَّ خيراً ..وقل فيَّ خيراً..فأنك لن تراني ابداً ” كانت تلك الكلمات التي قالها لي قد حفرت في ذهني تاريخاً لا انساه ابدا مهما تقدمنا في العمر ومها ابعدتنا المسافات. حقاً ان تلك العبارات كانت بمثابة قطرات من الذهب الصافي التي تغزل كل ادران الحياة السيئة التي يعيش فيها الانسان على مر العصور. بعد اكثر من عشرين عاما وجدت نفسي اتذكر كل كلمة قالها لي ذلك الصديق في ذلك الزمن الناري العصيب. رحت اطالع في النت وكتب التنمية البشرية عن كل شيء يتعلق بتأخير او تأجيل الاشياء التي يروم الفرد ممارستها ورحت اغوص في اعماق كل المؤلفات التي كتبها فلاسفة قضوا كل اعمارهم في البحث والتنقيب عن اصول تلك المعاني وتأثيرها النفسي على الانسان بصورة عامة . عرفتُ ان هناك كلمات وتعابير كثيرة تصب في نفس المعنى الذي يهدف اليه كلام صديقي عن تأجيل العمل الى الغد أو المماطلة والتسويف في انجاز الاشياء المختلفة التي يحاول الفرد ان يقوم بها . المماطل لديه مستوى اقل من غيره في تحقيق المنجزات والبهجة ولديه رغبة كبيرة للغوص في محيط الاحلام والاماني مما يدل على عدم واقعيته في تقدير الواجب الذي يروم تحقيقة . المماطل او من يلجأ الى تأخير انجاز الاعمال التي يريدها او يريدها منه الاخرين له علاقة وثيقة بعدم قدرته على التحكم بمشاعره او السيطرة عليها وليس بكيفية ادارة الوقت . ربما تكون المهمة التي يريد تحقيقها مزعجة جدا بالنسبة له او ربما هي مملة جدا او شديدة الصعوبة وهو يشعر بالقلق من عدم تمكنه من تحقيق تلك المهمة , ولكي يتغلب على شعور الانزعاج الذي يتلبسه نجده يهرع الى القيام باشياء اخرى تشغله عن هدفه الاصلي كأنه يهرب الى مكان اخر لنسيان قلقه وانزعاجه من ذلك الهدف. وبسبب هذا وذاك تظهر اشياء جديدة مثل الشعور بالذنب او حدوث بعض الازمات وربما يقل انتاج الشخص وربما لايرضى عنه المجتمع المحيط به لانه لم يقم بمسؤولياته والتزاماته بالطريقة التي يتوقعها منه ذلك المجتمع.

وانا اربط بطريقة التساؤل بين التسويف والمماطلة وعمل الحكومة العراقية منذ يوم التغيير حتى هذه اللحظة اجد ان هناك تشابهاً كبيراً بين عمل الحكومة العراقية وبين نظرية المماطلة وتسويف الاشياء , فهذه الوزارات الكثيرة التي تزتنزف اموالا طائلة من خزينة الدولة الا انها في النهاية تماطل وتؤجل او تؤجر انجاز وتحقيق الاف المشاريع التي يحتاجها هذا البلد الجميل من اجل خدمة الانسان بصورة عامة وتحقيق التعادل الاجتماعي في كل مجالات الحياة. ماذا نفسر هذه المماطلة المرعبة في وزارة الكهرباء وتاخرها في تحقيق الاكتفاء الذاتي لنا جميعا هنا في العراق ؟ هل لايوجد لدينا مهندسين اكفاء في صناعة المنظومات الكهربائية ام لاتوجد اموال كافية لشراء اسلاك ومحولات كهربائية..والحديث ايضا ينطبق على وزارة الزراعة والصناعة وحقوق الانسان أم ان هناك سببا خفيا لايريد المسؤلين الاعتراف بها . المماطلة تدمر المخلوق البشري على المستوى الشخصي وتحطم الحياة في كل دولة من دول العالم على المستوى العام. الحديث عن التسويف والمماطلة طويل وقد تحدثت عنه كتب التنمية البشرية بشكل طويل لكننا نقول هنا و بشكل مختصر جدا على الانسان ان يجد طريقا جديا للخلاص من تسويف حياته والمماطلة في تحقيق الاعمال التي يريد ان يفعلها باسرع وقت ولايؤخرها الى الغد الا اذا كان هناك سببا مشروعا . تحية الى صديقي ابو هوبي الذي كان قد رفدني بهذه الحكمة منذ زمن طويل ” خير البر عاجله ” .