تتجاذب الأطراف السياسية في العراق حول موضوع التسوية بشكل حول المشروع الذي يفترض أنه يعمل على تصفير المشاكل التي صارت كأنها مزمنة ، و تسببت بالكثير من الأزمات أبرزها الأمنية ؛ إلى مشكلة أخرى فصرنا إلى درجة كبيرة نعد المشكلات المختلفة و نضيف لها ( مشكلة التسوية ) ، لا توجد مبالغة في هذا الوصف ، فيكفي للأطلاع إلى المواقف التي يعلنها الكثير من الأطراف السياسية حول موضوع التسوية لمعرفة مدى أتساع حجم الهوة الذي أثارتها حوارات مشروع التسوية هذا ، فاليوم نشرت جريدة الصباح مقالا مطولا للشيخ قيس الخزعلي الأمين العام لعصائب اهل الحق أحد أبرز التشكيلات العسكرية في هيئة الحشد الشعبي ، يتحدث فيه عن ما أسماه ( معادلة المنتصرين و المنهزمين ) و قال بصراحة إن أنتصارنا على الجماعة الإرهابية داعش و المشاريع التي تقف خلفها تفرض علينا أن ( لا نضيعها بأوهام العيش المشترك مع الأفاعي و المصالحة مع الذئاب )
ليس ما قاله الخزعلي إلا نموذج عن جدليات هذا المشروع ، و حسنا فعل عندما قال ( معادلة المنتصرين ) ، فالحديث هنا عن داعش و ليس عن بلد قريب أو بعيد شن على العراق أو دخل العراق معه في حرب و شارفت على الانتهاء لنعود إلى الحياة الطبيعية ، بل نحن نتحدث عن عدو يتكون جزء كبير منه منا ، من شبابنا و من أرواحنا ؛ نعم من نقتلهم و ننتصر بقتلهم هم مجموعة من الأرهابيين من أكثر من 100 جنسية ، عدد كبير منهم من أبناء العراق ، و عندما يكون العدو هكذا فالأنتصار عليه أبعد من إنهاء سيطرته المؤقته على بعض المدن العراقية .
و علينا أن نلاحظ موضوع مهم في مشروع التسوية ، فهذا المشروع يتحرك في ميدان الفاعلين السياسيين مهما كانت أسمائهم ، و على الرغم من وجاهة مقولة التسوية أو المصالحة المجتمعية ، إلا أن الثابت أن التشظي المجتمعي هو تحصيل حاصل للخلافات و الصراعات السياسية ، أي أن الطائفية بدأت سياسية و نزلت مجتمعية ، و بهذا سيكون واضحا و بشكل جلي ، أن التسوية المفترضة لا تعني أكثر من العمل بشكل سليم ليس إلا ، ليس على مجلس النواب و لا الحكومة ، إلا أن يعملا كما ينبغي لتحقيق المصالحة و التسوية ، و لا قيمة لأي مشروع من هذا النوع ما دام السوء ذاته .
قد يفرض سؤال كيف ؟ و أن هذه التي نقولها بداهة تحمل من البساطة الشيء الكبير لموضوع في غاية التعقيد ، إلا أن النظر إلى نموذج السلطة القضائية الأتحادية في العراق كفيل بفك طلاسم بنية التسوية العملية ، فهل هنالك من يستطيع القول أن على العراقيين أن يطلقوا مشروع تسوية وطنية بين أطراف السلطة القضائية أو بين الأستئنافات أو بين كبار القضاة ؟ و لماذا لا نجد هؤلاء الناس لا يطلون من على شاشات التلفزيون يتهم أحدهم الآخر و يتصارعون حول المصالح و الغنائم ؟ و لماذا لم يعمدوا إلى تثبيت مناصبهم إلى تكوين فصائل عسكرية أو أجنحة تجارية و أعلامية ؟
الأمر بيّن ؛ ففي هذه السلطة دون السلطات الأخرى تقوم نساء و رجال القضاء بما ينبغي عليهم من عمل ، و قد يخطئوا أو يتأخروا إلا أنهم لن يتصارعوا و لن يحتاجوا إلى تسوية أو مصالحة .