تعتبر المرحلة التي صالح فيها الإمام الحسن عليه السلام معاوية بن أبي سفيان من أصعب مراحل حياته (ع) ، وأكثرها تعقيدا وأشدها إيلامآ ، بل أصبح الصلح من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي بما يحمله من مواقف بطوليه الإمام المعصوم ، لكن وبعد أن رأى الإمام خيانات جيشه والمحيطين به ونفاقهم ، مع أنه لم يبق له ثمة أمل في ثباتهم وصمودهم في مواجهة العدو ، وبعد انكشاف ماتنطوي عليه تلك الضمائر من رغبات ، ولكي يتم الحجة الدامغة عليهم ألقى فيهم الخطاب وقال : ( ويلكم !والله أن معاوية لايفئ لأحد منكم بما ضمنه في قتلي ، وأني أظن إن وضعت يدي في يده فأسلمه لم يتركني أدين بدين جدي …….) ، ومرة أخرى قبل أن يقبل باقتراح معاوية للصلح قام الإمام بإتمام الحجة باستطلاع الآراء لأصحابه قال :(( أما والله ماثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولاقلة ، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيب السلام بالعداوة ، والصبر بالجزع ، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ………)) ، ومن كل هذه الأحداث وغيرها لم يبقى سبيل أمام الإمام الحسن عليه السلام غير قبول الصلح ، وترك أمر الحكم لمعاوية فترة من الزمن ، وإذا تمعنا جيدا في بنود المعاهدة نجد الامام لم يقدم أي امتياز لمعاوية وأنه لم يعترف به رسميا باعتباره خليفة وحاكمآ للمسلمين ، بل اعتبر الحكم والقيادة حقه الشرعي ، مثبتا بطلان ادعاءات معاوية بهذا الصدد ، لكن لم يذكر التاريخ نصا صريحا لكتاب الصلح ، الذي يعتبر الوثيقة التاريخية لنهاية مرحلة من أهم مراحل التاريخ الإسلامي ، ولا نعرف سببا وجيها لهذا الإهمال ، ويمكن أن تؤلف مجموعة شروط وضعها الإمام الحسن عليه السلام على معاوية في الصلح وهي كما يلي :
١. تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله (ص)
٢. أن يكون الأمر للحسن من بعده ، فأن حدث به حدث فلأخيه الحسين ، وليس لمعاوية
٣.ان يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة
٤. أستثناء ما في بيت مال الكوفة فلايشمله تسليم الأمر……
٥. على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شمامهم وارزقهم وحجازهم ويمنهم.
هذه المواد الخمسة التي اوصلها لنا التاريخ كأسس للصلح ، ومن أسباب الصلح الذي دفعة الإمام إلى الصلح مع معاوية من أنه عليه السلام يعلم أنه على الحق وأن معاوية ضال وظالم ، وأن معاوية حاول أن يظهر نفسه بأنه رجل مسالم يدعو إلى السلام والصبح ، من خلال رسائل تصل للإمام الحسن عليه السلام التي يدعوه فيها إلى الصلح مهما كانت شروط الإمام ، ومن هذا يقول الشيخ محد حسين آل كاشف الغطاء ((…فوجد الإمام الحسن أنه لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا يخلو : أما أن يكون هو الغالب ومعاوية مغلوب ، وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ، ولكن بالفرض هو الواقع ، ولكن هل مغبة ذلك إلا تظلم الناس لبني أمية ؟ وظهورهم بتوجع مظاهر المظلومية؟ فماذا يكون موقف الإمام الحسن إذا لو فرضنا ه هو الغالب ؟ أما لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كل متكلم : أن الحسن هو الذي ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فأن معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبقى ، وعلى الباغي تدور الدوائر ……. )) ، وفور إبرام الصلح ، صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين ، وقال : (( اني ماقاتلتكم لتصوموا ولا تصلوا ……)) هذا ماصنعه الإمام بمعاوية في الصلح ، وكيف هد جميع مساعيه وهدم كل مبانيه حتى ظهر الحق وزهق الباطل ، وخسر هنالك المبطلون، فكان الصلح في تلك الظروف هو الواجب المتقين على الحسن عليه السلام ، كما أن مشروع التسوية السياسية التي طرحها التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض التقسيم تحت أي عناوين ومسميات ، هذه المرحله تحتاج من الجميع القبول لأنها مرحلة حاسمة من أجل لم الشمل العراقي بين الفرقاء السياسيين ، حتى يعود العراق الى ماكان عليه أخوة متحابين متعايشين فيما بينهم .
تمثّل المبادرة التي يعمل التحالف الوطني على طرحها لعراق ما بعد استعادة الموصل وهزيمة داعش، رؤية وإرادة قوى التحالف الشيعي للتسوية على أمل أن تنتج مصالحة بين جميع المكونات.
والهدف المحدد لهذه التسوية الوطنية أو التسوية التاريخية، كما ورد اسمها، هو الحفاظ على العراق وتقويته كدولة مستقلة ذات سيادة وموحدة وفدرالية وديموقراطية بحسب النص المنشور، ويتعهد قادة التحالف بالحفاظ على بنود المبادرة بعد الاتفاق والمصادقة عليها. كما تعتمد المبادرة على مبدأ التسوية التي تعني الالتزامات المتبادلة بين الأطراف وترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب على مبدأ لا غالب ولا مغلوب.
يستهدف المشروع تسوية سياسية ومجتمعية ترمي لعراق متعايش خالٍ من العنف والتبعية، وتنجز السلم الأهلي وتوفر البيئة المناسبة لبناء الدولة، وتشارك فيها كافة فئات المجتمع العراقي العرقية والدينية والمجتمعية.