وأنا ارسم خارطة الطريق للعراق في مخيلتي، يشاغلني ويعاكسني بين فترة وأخرى سبر أغوار التسأول، الذي يقول:ما هي التسوية الوطنية..؟ هل هي إنبطاح لجهة سياسية على حساب جهة أخرى..؟ أم هي إعتراف بخطأ وفشل سياسي..؟ ورجوع لجادة الطريق في تصحيح المسار..؟ أوهي ضرورة كانت ولابد منها..؟ أم فرض أوجدته التحديات والضغوطات لكيً الجرح عند أخر الداء.؟
منذ عام 1920 وما سبقها من أحداث قبيل ثورة العشرين، ونحن ننزف الدماء والأرواح ..! ونشيع الضحايا والشهداء..! من اجل حريتنا وكرامتنا التي سلبها العثمانيون من جهة، والإنكليز من جهة اخرى، والشيوخ والعشائر الغربية ممن تاجر بالعراق وشركاءه وروج له بأنه يعنى بالتسوية الوطنية اليوم من جهة ثالثة..! وحتى قيام الحكم الملكي وإسقاطه بالحكم الجمهوري، ونحن شعب الاغلبية ضحية تلك الصراعات والحروب، حتى امتلأت أكراش البعثيين فيما بعد من حقوقنا..! وتلطخت أيديهم بدمائنا..! وضجت المقابر الجماعية من أجسادنا..! والى ما بعد عام 2003 م ومازلنا الى اللحظة.! نتحمل تبعات تلك الحروب وأوزارها..!.
تضحيات بذلك الحجم، وتلك التنازلات، وثمن ما خسرنا نحن الشيعة، أليست كافية لرفض أي مشروع أو ورقة تسوية..؟ فيما لو طرحت من الجانب الأخر..! فكيف والأدهى إنه نحن من يعرض المشروع على تلك الاطراف ..!!! التي لم ترحم شيوخنا ولا أبناءنا ولا نسائنا ولا أطفالنا..! ولم تحفظ أدنى حقوقنا، وللحديث شواهد لم يغب حاضره، من مقابر جماعية، وتهميش وحرمان وفقر وتشريد في زمن البعث، ومن ثم القتل والتفجير والتهجير الطائفي فيما بعد عام 2003 والى اليوم، في وقت ان الأطراف المعنية بالتسوية اليوم، هي ذات النعيم والسيف المتسلط في رقابنا فيما قبل..! من حيث المكون المجتمعي والرقعة الجغرافية..!
قد يراني بعضهم ويتهمني بالطائفية هنا، ولكن أقول: مشروع بحجم كلمة “التسوية” لابد ان يدرس من كل جوانبه، لكي لا يكون إنبطاح سياسي كما يحاول ان يصفه بعضهم، ويجب ان لا يكون متاجرة بدماء ابناءنا وأهلنا التي سفكها الجانب او المكون المعني بالتسوية، وان لا يكون تنازل عن حقوق جماهيرنا لحساب جماهير اخرى ثمن البقاء بالسلطة، وأن لا يكون منصف لجهة دون أخرى، وأن لا يكون تعدي على حقوقنا بقدر إرضاء الشركاء الآخرين..،
قد تكون هنا أستفهاماتنا مشروعة ومقبولة بأوسع باب، ولكن..؛ هنالك شيء أهم من تلك التساؤلات جميعها، لابد ان نركز عليها بالدرجة الأساسية، وأن يكون هو محط انظار الباحثين والمتابعين لورقة التسوية، والتساؤل يقول :هل التسوية الوطنية قادرة على وقف نزيف الدم..؟! ولملمة جراح جماهيرنا..؟ نحن ليس على إستعداد لننزف دماء جديدة.. وغير مضطرين لأن نتفجر كل يوم، وليس فينا طاقة لنفقد أهلنا وذوينا مع كل لحظة، كفانا ما فقدنا ولنبحث عن ألف تسوية وتسوية نحقن بها دمائنا، ونحفظ بها حقوقنا وجماهيرنا، وأذا ما كان التسوية الوطنية قادرة على ذلك، فنحن أول المصفقين والمرحبين بها..!
قبل أن يأخذنا المطاف بالحديث والتكهن في مخرجات ورقة التسوية، دعني اذكر لك ما لا تعرفه عن التسوية الوطنية، التي أطلقها التحالف الوطني مؤخراً،(إجتمعت لجنة أختيرت من داخل مكونات التحالف الوطني برئاسة “الشيخ خالد العطية” ممثلاً عن دولة القانون ورئيسا للجنة المكلفة بطرح ورقة التسوية…! وبعضوية كافة الأطراف والمكونات المعنية في التحالف الوطني،بما فيها (اثنان من حزب الدعوة واثنان من كتلة المواطن وإثنان من كتلة الأحرار، ومن كتلة بدر ومستقلون والفضيلة والإصلاح وغيرهم)، وأختير التحالف الوطني كعنوان شامل لهذه المكونات، من أجل طرح هذا المشروع امام الرأي العام وإقناع الشركاء المعنيين به..
مهمة هذه اللجنة، هي الاتفاق على طرح ورقة حل أو مشروع لتصفير الخلافات بين المكونات الرئيسية، وبدأ صفحة جديدة مع الأطراف المعتدلة فقط، مع التأكيد على عزل الأطراف التي تكلمنا عنها أول المقال، ممن كانت سبب في نزف دمائنا وسلب حقوقنا، من البعثيين والإرهابيين ومن معهم، ومن أهم ما اتفقت عليه اللجنة هو مصطلح “التسوية” و يعني المساواة فيما يترتب من حقوق وواجبات بين جماهير المكونات، بما يشمل الجانب الحكومي والخدمي والاجتماعي، بمعنى أن يتمتع المواطن العراقي وأين كان وفي اي مكون هو بالحقوق التي يتمتع بها غيره، ويلتزم بالواجبات التي يلتزم بها غيره، وتكون النسب في المساوة على قدر التمثيل السكاني والجغرافي..
الضجة التي أُثيرت حول ورقة “التسوية الوطنية” هو أن هنالك بعض الاطراف الرئيسية في صياغة هذا المشروع، وجدته فرصة لتسقيط بعض الأطراف التي تشترك معها على نفس الطاولة، ومن جهة أخرى وجدت استخدام مصطلح “التسوية” دعاية انتخابية ناجحة تمكنها من كسب رأي الجماهير البسيطة والمغرر بها..! فراحت تضلل الجماهير وتوهمهم بان “التسوية” مصالحة مع الأرهابيين وإنها فُرضت من كتلة دون اخرى..! في وقت ان تلك الأطراف المحرضة ضد الورقة، هي صاحبة القرار في اعدادها وكتابتها…!
“التسوية الوطنية” بحد ذاتها جاءت بإتفاق التحالف الوطني، وهي محاولة ناجحة لإيقاف نزيف الدم العراقي، خاصة في المناطق التي تعاني العمليات الارهابية والاقتتال الطائفي، وبذلك هي قطعت الطريق على كل من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين، إذن هي ضرورة حل ناجع لابد منه، وكل ما روج له وما تكلم فيه الاعلام المضلل، جاء لمكاسب فئوية وكتلوية..! ومحاولة لحرب اعلامية وتسقيطية، جاءت بها بعض الاطراف التي ما كانت تريد ان يستقر البلد، وتنتهي حقبة الإرهاب..! كونها مستفيدة مما على ارض الواقع اليوم، اكثر مما هو عليه لو إستتب الامن في البلد، وتم القضاء على الارهاب.