معالجة ظاهرة التشرذم في العملية السياسية ، بحاجة إلى رؤية حقيقية – مجتمعية مركّبة، قوامها صيانة حقوق الإنسان، وتعميم ثقافة العفو والتسامح والحوار وحق التعبير بمشاركة جميع الاطراف ، وإطلاق مشروع سياسي وطني، يتجاوز المآزق الراهنة، ويجيب عن تحديات المرحلة القادمة .ويبعد من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين وملئت كروشهم بالسحت وجيبوبهم بالسرقات عن العملية على ان تبدأ بدون شروط مسبقة .
التسويات المجتمعية هي نوع من انواع الحوارات للتوصل الى اتفاقات تجري بشكل علني لا خلف الكواليس بين المكونات الداخلية اولاً واخراً وهو ما بات يخشاه العراقيون كثيراً ، في هذة المرحلة بالذات ، مخافة تكرار تجاربهم المريرة الفاشلة التي سبقت وتشمل هذه التجربة ايضاً والتي لم تأت بشيئ للصالح العام .
مفهوم هذا المصطلح ( التسوية ) هو رفع فتيل الازمات التي يمكن حل معضلاتها . ومن البديهي ان التسويات السياسية قدر الخلافات وخاتمتها المتوقعة والطبيعية تاريخياً ، اذا ما صيغت بحكمة وارادة حقيقية ، وطاولة المفاوضات هي معركة المنهزم الأخيرة ، في أي حرب طوال التاريخ ، لكن بعض هذه التسويات ، أحيانا ً، حينما تكون هناك أطرافٌ لا تريد هزيمةً حقيقية للمنهزم ، لكونه بلا قضية ومجرد ورقة سياسية ، مستخدمة لهذا الطرف أو ذاك. وبالتالي، تسعى هذه الأطراف إلى تسوية وضعها ، وإعادة الاعتبار لها ، تحت مسمى إعلان التسوية السياسة دائماً في غرف مغلقة . اي مفهوم التسوية هو السعي الى حل الخلافات بين الشركاء بالتراضي. أما سياسيا هو مصطلح يشير الى السياسة الدبلوماسية التي ترمي الى تجنب حالات الصراع من خلال تقديم بعض التنازلات. تعني “الالتزامات المتبادلة بين الأطراف الملتزمة بالعملية السياسية او الراغبة بالانخراط بها ، وترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب”
ومفهوم اي تسوية سياسية يمكن إيجاز أبعادها التعريفية في ثلاث نقاط : التوفيق ، و مدى شمولية التسوية ، و ميزان القوى . ويخلص الى مايلي :1- أن أي تسوية سياسية لأي صراع دولي أو داخلي هو محصلة دقيقة لميزان القوى بين أطراف الصراع . 2- أن يكون هناك تفاعلا متبادلا بين القوى المشاركة فيها . 3- كما ان الدقة العلمية تستوجب فصل القيم السياسية المطلقة عن حقائق الوقائع النسبية في أية تسوية سياسية . 4- الحفاظ على معاهدة التسوية بين أطرافها على ان تكون مرهونة بعدم حدوث اختلال مؤثر في الفحوة الاصلية للميثاق المنعقد بين الاطراف الموقعة عليه .
في العراق ليست هي المرة الاولى التي تطلق عملية التسوية ، ولا يمكن ان تكون الاخيرة ، لافتقار المشاركين فيها إلى إرادة سياسية ، تولد قناعة لدى تلك الأطراف بأن أي تسوية دبلوماسية لابد وأن تقوم على مبدأ التنازلات المتبادلة ، وأن ترجمة مفهوم التسوية لا يكون على حساب الوطن، ويجب ان تولد الحرص على الوفاء بالالتزامات التي تترتب على مثل هكذا تسويات وان تساهم في ترسيخ مفهوم المواطنة وضمان حقوق جميع مكونات المجتمع العراقي حيث ثمة علاقة عميقة تربط بين مفهوم المواطنة ومفهوم العدالة السياسية في السلطة والمجتمع والتي غابت عن اذهان الكثير من السياسيين اليوم . لان المواطنة تأخذ أبعادها الحقيقية في الفضاء الاجتماعي، متى ما تحققت العدالة السياسية وزوال عوامل التمييز والإقصاء والتهميش. وحينما تتحقق العدالة يتعمق مفهوم المواطنة في نفوس وعقول أبناء المجتمع . فعلى هذا فإننا نعتقد أن ضرورات المواطنة المتساوية ومقتضيات العدالة السياسية بين المجتمع ، تدفعننا إلى بيان أن الفضاء السياسي والثقافي والإعلامي الوطني لابد أن يكون مفتوحاً لكل تنوعات الوطن، بحيث تشترك جميع هذه التنوعات في إثرائه وتنميته بعيداً عن العقلية الأُحادية والاحتكارية ، التي تعمل على احتكار هذه الفضاءات لصالح فكرٍ أو رؤيةٍ هي جزءٌ من الوطن وليست كل الوطن لان إذا غابت العدالة السياسية، وساد الاستبداد السياسي، وبرزت مظاهر الإقصاء والتهميش، فإن مقولة المواطنة هنا تكون في جوهرها تمويهاً لهذا الواقع وخداعاً لأبناء الوطن والمجتمع .