18 ديسمبر، 2024 4:49 م

التسوية أمر واقع

التسوية أمر واقع

يتشدق الكثيرون ممن لا رصيد لهم من المعرفة السياسية الا الخطابات الجوفاء والتصريحات الضحلة بوجوب اجهاض مشروع التسوية الوطنية التاريخية مستعينين بعدد لا يستهان به من الجمهور المغيب الذي لا يعرف الا ما يسمعه منهم؛ كونهم استطاعوا ان يلعبوا على مشاعر  هذه الفئة من الناس وصوروا لهم التسوية كأنها تذكرة لعودة كل من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين بدأً من البعثيين، مرورا بالنقشبندية و الزرقاويين، وانتهاءً بداعش؛ مما سبب حالة من الرفض الشديد للتسوية ومحاربتها بكل قوة من قبل الناس الذين لن يقبلوا بأن تذهب التضحيات السابقة سداً بالصلح مع قاتلي أعزائهم.
أقل حق من حقوق الناس هو الحصول على القصاص العادل من أعداءهم؛ و أكبر جريمة هي العفو عن هؤلاء القتلة و إشراكهم في العملية السياسية لعراق ما بعد التحرير. لكن السؤال هنا هل حقا ستسمح التسوية بكل هذا؟!.
لا توجد مسودة رسمية معلنة الى يومنا هذا؛ والتصريحات المؤيدة والمناهضة تستند على معلومات مسربة (أو ملفقة ) من بعض الجهات؛ لذلك لا يصح الانجرار وراء كل من انبرى للتصريح في فضائية او صحيفة او حتى موقع تواصل اجتماعي؛ بل الصحيح هو معرفة الخبر من مصدره ، الا وهو التحالف الوطني الذي تبنى التسوية ووقع عليها بإجماع هيئاته الثلاث، القيادية والسياسية والعامة؛ و من يرفضها لا تتعدى تصريحاته التلميح، خوفاً من تحمل عبئ رفضها.لذلك كي نعرف التسوية كما هي على حقيقتها يجب أن نسمعها ممن تبناها و حمل على عاتقه عبء ترويجها بين الكتل السياسية والدول الإقليمية؛ ألا وهو السيد عمار الحكيم زعيم التحالف الوطني الموحّد؛ الذي يؤكد أن التسوية التأريخية لن تتضمن التعامل بأي وجه من الأوجه مع الأطراف المدانة من قبل الدولة بجرائم ضد الشعب العراقي.
حين نكون مطمئنين من عدم شمول هذه الأطراف في التسوية التأريخية، ننتقل الى أسئلة أخرى  كماذا نريد من هذه التسوية ؟ و لماذا الآن بالتحديد؟؛ و الجواب على السؤال الأول هو لإعطاء كل طيف من أطياف الشعب ضمان العيش بسلام بعيدا عن التطرف والعنصرية، مقابل إعطاء ضمانات من جانبه بالإلتزام بواجب المواطنة الصالحة؛ أما السؤال الثاني فجوابه أن كل الأطراف العراقية عانت ويلات الحرب والتهجير، و أيقنت أن سنوات من تنفيذ أجندات خارجية لم تثمر غير الخراب والخسارة لكل الأطراف؛ لذلك أصبح لزاماً على الكل عقد اتفاقات مع الأطراف الأخرى لحل النزاعات ضمن إطار المصلحة المشتركة للخروج من الأزمات التي وقع فيها البلد.
الحقيقة أن كل الأطراف مقتنعة بوجوب  إقرار التسوية الوطنية التأريخية، البعض منهم متخوف من سوء فهم الشارع لها، كذلك هناك من يحاول الحصول على أعلى المكاسب من خلال اللعب على الحبلين، حيث وقع عليها سراً لكنه يروج -تلميحاً لا تصريحاً- ضدها؛ أما البعض الآخر فقد تحلى بشجاعة تبنيها وتحمل جميع أعباءها لعلمه أنّ حتى من يعارضونه -أو حتى يسبونه- من العراقيين اليوم، سوف يذكرونه هم أو أبناءهم في المستقبل بالخير ويعترفون له بالجميل.
اليوم نجد حتى من كانوا يصرحون في جميع المناسبات عن عزمهم على الانفصال؛ نجدهم اليوم يتكلمون بإسم العراق الموحد، مع احتفاظهم بحق الإنفصال في المستقبل طبقاً لحق تقرير المصير المكفول دستوريا. هذا يدل على وعيهم للأمر، و معرفتهم أن إعلان دويلة جديدة دون مقومات مكتملة في وسط دول تكاد تضاريسها أن تتشابك بالأيدي لشدة النزاع بين حكوماتها، هو قرار لا يتخذه أكثر الساسة رعونة؛ هذا ما كان واضحاً في آخر تصريح للدكتور برهم صالح عن قضية إستقلال كردستان.
من كل ما سبق نستنتج أن الحل الوحيد لحل أزماتنا الداخلية، وفك تبعية العراق لأجندات خارجية مختلفة وغير متفقة، والارتقاء بالعراق من  ساحة للنزاعات الدولية والطائفية، الى دولة ذات سيادة وقرار في المنطقة وفي التسويات الدولية التي واضح للمتابع أنها سائرة نحو اتفاقات جديدة ترسم خارطة طريق وخطط عمل للسنوات القادمة؛ هو بإقرار تسوية داخلية بين أطراف النزاع فيه يحصل فيها الكل على المقدار المعقول من المكاسب تبعاً لثقله في المجتمع العراقي، وما هو مستعد لتقديمه من تضحيات وما يتحمله من واجبات.