22 نوفمبر، 2024 10:51 م
Search
Close this search box.

التسوية، آخر الحلول

بعد سقوط نظام البعث عام ٢٠٠٣، استبشر العراقيون خيرا، ومخيلاتهم كانت مملؤة بالأمنيات المشروعة. خصوصاً بعدما عاشوا جحيم صدام، بنزواتهِ الوضيعة، وحروبه المدمرة. لكن سرعان ماتلاشت إمالهم، وتاهت سفينة تطلعاتهم، في فوضئ الصرعات السياسية و الاحتقانات المذهبية،فصبغت احلامهم الوردية بالون الاحمر من مفخخات الارهاب، ودعاة الطائفية.
أتسم الوضع العراقي بعد الاحتلال الامريكي، بالازمات المعقدة بين الكتل السياسيّة وغياب الحلول، بالاضافة لتدخل الاطراف الخارجية المباشر او عبر اذرعتها في المعترك العراقي، للفرض ارادتها وتحقيق مصالحها. فأستحوذ على المناصب السيادية في الدولة من اغلب المكونات، الفاسدين و الطائفين والفاشلين ذو الاجندات الخارجية، وعُزل اصحاب المواقف الوطنية المعتدلة، والحلول الناجعة للمشاكل الكبيرة التي يعيشها العراق، وسلطت على هولاء  أشرس وسائل التسقيط، واكيلت لهم مختلف التهم الباطلة  بسبب مواقفم الوطنية.
أدت هذه العوامل الى انهيار الوضع الامني و السياسي، واستنزاف هائل لموارد البلد الاقتصادية و البشرية . وتمزيق اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي. وتغلغل الفساد الاداري و المالي في معظم مفاصل الدولة، اما الأحتقان الطائفي قد وصلة الى ذروته بين مكونات الشعب الواحد. قدمت هذه الاوضاع المتأزمة فرصة ذهبية، للجماعات الارهابية والدول المعادية للتجربة العراقية، وعلى رأسها تنظيم داعش الارهابي، الذي اشتاح ثلاث محافظات ونصف في غضون ساعات. ولولا تدخل المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف. وتسابق العراقيون للدفاع عن وطنهم، لدخلت هذه العصابات الى بغداد العاصمة!.
أشترك العراقيون جميعاً بتحرير اراضيهم من رجس مرتزقة الأرض، والآن يقاتلون جنباً الى جنب، للتحرير آخر معقل للداعش في العراق وهي محافظة نينوى. ان هذا التوحد للفسيفساء العراقي في جبهات النصر والكرامة. ألقى بعبىء كبير على الطبقة السياسية، والتي معظمها مشترك لما آلت أليه الاوضاع الراهنه. فكان لزاماً على هذه الطبقة ترك صراع المصالح والامتيازات بينها، والتحضير لمرحلة مابعد داعش المصيرية. وذلك بالابتعاد عن المهاترات السياسية، وترك الخطاب الطائفي المتطرف لغرض تحقيق مكاسب انتخابية، وزرع روح المواطنة وحب الوطن في الاجيال الناشئة.
من هذا المنطلق، تبنى التحالف الوطني العراقي رؤية وطنية عراقية، لما بعد داعش. تحظى بشبة اجماع شيعي وموافقة كبيرة من بقية المكونات، وتلعب فيها بعثة الامم المتحدة (يونامي) دور الضامن للتنفيذ بنود هذه الوثيقة، والحصول على موافقة الاطراف الاقليمية، وتحشيد دولي داعم لهذة الوثيقة. وقد تم اقتراح عدة تسميات لهذة الوثيقه هي التسوية الوطنية، او التسوية التاريخية، او المبادرة الوطنية للسلم وبناء الدولة. وهي تسوية سياسية ومجتمعية وطنية تاريخية ترمي لعراق متعايش خال من العنف والتبعية. هدفها الحفاظ على العراق كدولة مستقلة ذات سيادة موحدة وفدرالية وديمقراقطية، تجمع كافة ابنائة ومكوناته معا.
تعتمد المبادرة على مبدأ الالتزامات المتبادلة، بين الاطراف العراقية المشاركة في العملية السياسية، او الراغبة بالاشتراك فيها. وتنص التسوية بعدم العودة والحوار مع حزب البعث، وداعش او اي تنظيم ارهابي او تكفيري او عنصري. والعمل الجاد لفك اغلال الدولة بكافة مفاصلها، من نظام المحاصصة المقيتة و المحاباة، الى نظام الاستحقاق الانتخابي، والاعتماد على معاير النزاهة و الكفاءة والمهنية في اختيار القيادات العسكرية والمدنية. لبناء دولة مؤسسات دستورية قوية، تتكافأ فيه الفرص بين كل ابناء العراق، وتضمن بناء مجتمع متجانس يسودة القانون، والتعايش السلمي بين مكوناته.
فاذا كانت غايت الاطراف المتصدية هي خدمة أبناء جلدتهم فعلاً، فأن اقرار بنود التسوية الوطنية، تعتبر اعظم هدية تُقدم لابناء شعبهم. وفي سياق لايقل اهمية تقع مسؤولية كبيرة على الطبقة المثقفة والناشطين، للقيام بحراك جماهيري وحملات داعمة للتسوية الوطنية، للضغط على الاطراف التي تحول دون تشريعها. لما تحتوية هذه الوثيقة الوطنية من حلول للخروج من دوامت الفشل والتخبط المستمر في ادارة الدولة، وضمان آليات للمحاسبة الفاسدين، والمتورطين في شلال الدم العراقي.

أحدث المقالات