منذ اكثر من اسبوع والتركمان يتعرضون لنوع جديد من الارهاب، ومثلما كان التركمان هم اول ضحايا ارهاب داعش في العراق عندما استباح الدم التركماني في تلعفر وسبى النساء واحراق الكثيرين احيائا، هاهم مرة اخرى اول ضحايا داعش الكيمياوي ، ها هي اجساد الاطفال والنساء التركمان تحرق باسلحة داعش الكيمياوية، وها هي الامم المتحدة وادواتها الدبلوماسية مرة اخرى تتخذ موقف المتفرج ومكينتها الاعلامية خارج الخدمة لان الامر يخص التركمان! بل فرض لفاجعتهم التعتيم الاعلامي الغير المسبوق.
استشهد اثنان من المصابين بالغازات السامة جراء القصف باسحلة محرمة دوليا تعرضت لها ناحية تازة خورماتو منذ عدة ايام من قبل عصابات داعش الاجرامية. بعض المصادر تقول ان غازات الكلور والخردل قد استخدمت في الهجوم، في حين يقول وزير الدفاع العراقي ان داعش لايملك اسلحة كيمياوية بل اسلحة سامة!
بعد استشهاد الطفلة فاطمة سمير بالمستشفى صباحا، التحقت اليها الطفلة زينب سمين، اسلمتا روحيهما الطاهرتين بقوة صواريخ كاتيوشا المحملة بالمواد السامة والتي اطلقت من مناطق تركمانية مغتصبة بغرب كركوك حيث استهدفت الزمر الارهابية الأحياء السكنية داخل الناحية، وقد نقل على اثر الهجوم اكثر من ستمائة من المواطنين الابرياء الى مختلف مستشفيات كركوك وبغداد.
حوادث مشابهة اقل حدة تعرضت لها مناطق في العراق في اوقات سابقة تحركت حينها الامم المتحدة وتفاعلت المنظمات الدولية معها بمهنية عالية، في وقت كان هناك قتل جماعي للتركمان في مدنهم بالسيارات المفخخة تارة والاحزمة الناسفة تارة اخرى. ولكن الامم المتحدة ونفس تلك المنظمات كانت ولا زالت تلتزم الصمت عندما يتعلق الامر بالتركمان. لقد راينا كيف ان احراق داعش لأحد الطيارين الاردنيين جعل تلك المنظمات والكثير من الحكومات تعلن تنديدها وتضامنها مع الاردنيين، في حين لم يحرك اولئك ساكنا عندما احرقت النساء التركمانيات في تلعفر وبشير بالجملة، بل ان ما يثير الدهشة والاسف أن تقارير الام المتحدة المهتمة بحقوق الانسان في العراق والمنشورة بتوقيع ممثلها في العراق لم تحوي اية جملة او حتى تنويها لما يتعرض له التركمان من ابادة، هنا تساؤلات كثيرة تطرح نفسها بقوة، وعلامات استفهام حول مايحصل، ياترى لماذا هذا التمييز؟
في الوقت الذي ندين فيه بشدة الموقف السلبي الصامت والمتهاون للأمم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليمية والمحلية تجاه ما يتعرض له التركمان، نلخص هنا بعض النقاط التي نرى انها تمثل السبب الاساسي لكل المأسي التي يتعرض لها التركمان خاصة، وتوضح ايضا مواقف جميع الاطراف التي التزمت وتلتزم الصمت تجاه تلك الماسي:
اولا: نقمة الجغرافية، اذ يعيش التركمان بمنطقة جغرافية غنية وهي تقع في قلب المنطقة التي تتقاسمها اطماع دول وجهات اقليمية تنتظر حصتها بولادة دولة قد اتفق مسبقا على توزيع الثروات التي ستقع تحت سيطرتها وفق المصالح المشتركة. ان وجود التركمان في هذه المناطق بكثافة ستخلق وبلا شك لاصحاب تلك المصالح مشاكل اقتصادية وجيوسياسية مستقبلية تقف عائقا امام طموحاتهم.
ثانيا: الصراع الدولي والاقليمي المتازيد على النفوذ ساهم وبشكل فاعل في اضعاف الدور التركماني، والغاءه تماما في رسم السياسة العراقية. حيث استطاعت بعض الجهات الاقليمية والمحلية من اجهاض المشروع التركماني الوطني من الداخل، وعراقيا ساهمت تلك الجهات وبقوة على اضعاف الوجود التركماني في الحكومة الاتحادية.
ثالثا: غياب استراتيجية تركمانية واضحة ومقبولة يستند عليها التركمان في وضع خططهم ورسم خارطة تتوافق مع خارطة الشرق الاوسط الجديد وخارطة العراق الجديدة بعد 2003.
رابعا: فشل الاحزاب التركمانية في ايجاد مرجعية تركمانية تمثل تركمان العراق، وتكون لهم صوتهم الهادر المسموع الذي يوصل مطالبهم الى كل المهتمين بالشان العراقي داخليا وخارجيا، وتكون قادرة على حشد الجماهير التركمانية خلف تلك الاحزاب ليكون لمواقفها بعدا جماهيريا. ان غياب تلك المرجعية جعل ليكون الاحزاب التركمانية المشتتة غير قادرة حتى على الجلوس على طاولة واحدة لمناقشة الازمات التي تعصف بمدنهم واحداث طوزخورماتو الاخيرة تشهد.
خامسا: الانانية والتنافس الطفولي والغرور الفارغ اصبح صفة ملاصقة للكثير ممن يتعاطون السياسة في الجانب التركماني مما سهل التشتت وبالتالي ضياع الحقوق. بل ان الكثير من السياسيين التركمان كانوا عاجزين حتى عن استخدام تلك الصلاحيات التي مخولين بها من اجل تقديم الدعم للمواطن التركماني والمناطق التركمانية، ولا ندري هل كان ذلك جهالة او تواطئا او تنفيذا لأوامر معينة من جهات معينة!
اقليميا تعمل القوى الكبرى حاليا وبكل قوة على تتطبيق الخارطة المرسومة مسبقا للمنطقة، معتمدة في تنفيذ اجندتها على حلفائها من العرب والاكراد في العراق، منهم من يطبق تعليمات تلك القوى حرفيا، ومنهم من يعمل حسب المعطيات، في حين ان التركمان والذين تقع مناطقهم في قلب تلك الاحداث، ليس لديهم أي وزن في المعادلة الجديدة مثلما لم يكن لديهم اي وزن في المعادلات القديمة.
تازة خورماتو دفنت الشهيدة فاطمة سمير، والشهيدة زينب سمين لتنتقل روحيهما الطاهرتين الى جنات الفردوس، والبقية من اهلهم ينتظرون المصير ذاته مثل الكثيرين من اهالي تازة خورماتو. في حين ان الامم المتحدة وللمرة الالف تخذل التركمان وتغمض اعينها عن الجرائم التي يتعرضون لها.
فما الذي يمكن فعله لتفادي المآسي القادمة وحكومة العراق مشلولة؟ مالذي نتوقعه من النواب التركمان ممثلي الشعب! لقد تحرك قسم منهم مشكورا بانفراد كل حسب قناعته والجهة التي اختارها، وغاب اخرون ومازال البعض غائب عن المشهد وكأن الامر ومثل سابقاته لايهمه.
اليست كل هذه الماسي كافية لكي يوحد التركمان جهودهم وينقذوا ما يمكن انقاذه مما تبقى من الوجود التركماني! الم يحن الوقت ليجلس الجميع لتشكيل فريق متجانس متضامن يمثل كل التركمان ويتحرك بروح المسؤولية! ام ان ماقدمناه في العراق الجديد من الشهداء عددا، و من المهاجرين التركمان كما ونوعا، والدمار الذي طال البيوت التركمانية حجما، والاراضي التركمانية الشاسعة المصادرة مساحة، غير كاف! كم هو الثمن الذي يجب على التركمان دفعه حتى يتمكن السياسيون التركمان من تشكيل كيان قوي قادر على الدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم ياترى؟ سؤال نطرحه، ويبقى على السياسيين التركمان مسؤولية الاجابة عنه إن كانوا مهتمين بأية صورة سيذكرهم التاريخ به.