18 ديسمبر، 2024 9:20 م

التربية والاداب جوهر الانسان

التربية والاداب جوهر الانسان

ان من أهم دواعي الاهتمام بالقيم ما تتعرض له المجتمعات اليوم  قاطبة من انحرافات في السلوك والاداب واضطراب المعايير واصبحت التَّربية ضرورة هامَّة من ضرورات الحياة في الوقت الرَّاهن أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى ” رغم انها يجب ان تكون ملاصقة مع الانسان منذ النشأة الاولى له”. نظرًا لتردِّي الجانب القِيَمي لدى الأفراد على المستوى العالمي، حيث الانحلالُ الخلقي المتمثِّل في انتشارظاهرة الإلحاد والتطرف والجريمة والفسادِ، وضَعْف الضمير الإنساني،وتغليب المصلحة الخاصَّة على المصلحة العامة كما يلاحظ انتشارها بشكل واسع بين مختلف الطبقات وخاصة السياسيين منهم   ومن البديهيات التي يجب ان لاتفوت علينا و نعلم بان اي امة لم تصل الى مستوى راقي من الحضارة والتقدم مالم يكن هنالك نقد لها موضوعي وعلمي مع مراعاة الادب والاخلاق العامة في النقد لكي يكون فاعلا . لاريب ان بناء كلام أهل العلم ونقْدهم في مختلف الفنون هو وسيلة لإدراك غاية، فليس من مقاصدهم الخوض في أعراض الناس ،لذا التزموا الاعتدال في بيان الأحوال، والوزن بالقسط في إصدار الأحكام، وكانت لهم قواعد عامة في نقد القائل، وقواعد في نقد القول ، يراعى فيها كل المشاعر الانسانية الصحيحة التي تبني المجتمعات السليمة. ومن هنا كان تاسيس علوم النقد، من فنون الجدل، وآداب البحث والمناظرة، والردود، وعلم الجرح والتعديل، ونقد الرجال، ووضَعوا لكل فن أصولاً؛ فللعقائد أصول الدين، وللفقه أصول الفقه، وللحديث علم المصطلح، وللتفسير أصول التفسير، وهَلُمَّ جرًّا باقي الفنون؛ من تاريخ، ولغة، وسياسة.والتطور بصيانة العلوم، وإتقان الفنون، فمن أصول الجودة منع التقليد، ومكافحة الرديء، ومراقبة المنتج، وهذه مبادئ تسري على العلوم والفنون، فكان دأب أهل العلوم أن يقوم على كل فن أهله، يَزِنون أقواله، وينتقدون مصنَّفاته، ويختبرون أهله، فيصنفون أهل الفن ونتاجهم. ومن هنا يقول البلغاء “تعلم العلم فإنه يقومك ويسددك صغيرا، ويقدمك ويسودك كبيرا، ويصلح زيفك وفاسدك، ويرغم عدوك وحاسدك ،ويقوم عوجك وميلك، ويصحح همتك وأملك . استقامة الدنيا لا تكون إلا بالعلم .يجب ان يبقى في عقلنا إن صفاء أمور الدنيا واستقامتها لا يكون إلا بالعلم،

وإن السيادة على الأمم وبناء الحضارات لا يكون إلا بالعلم والأخذ بأسبابه، إذ هو حياة أهله، وبه يستحقون صفة الحياة ويدركون معنى الوجود، وغيرهم أموات لا يعبأ بهم ولا قيمة لهم ولهذا سمى الله تعالى الجهل موتا في غير موضع من كتابه فقال عز وجل: (أو من كان ميتا فأحييناه).
 كما سمى الله تعالى العلم حياة وروحا في قوله: (كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا). ولما كان العلم حياة، كان أهله خيار الأمة وعدولها قال صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين العلماء حراس الدين ، والحاملون للواء الهداية، وبذلك استحقوا الخلافة عن الرسل في التبليغ والصيانة، وكانوا أهلا لوراثة الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه، من المؤكد ان من مسؤولية الاباء تعليم أبنائهم “ما ينفعهم في الدنيا والآخرة ويجنبهم مزالق اللهو ومهاوي الرذيلة ويجعلهم خيرة في الدين والدنيا .لان القيم السليمة والإيجابية حينما تزرع في جوف الإنسان منذ طفولته، تحصد نتائجها وعمقها مهما اشتدت الظروف، لا تتغير ولا تتبدل، بل تصبح فعالة وقوية وقت الأزمات. يحتار الأفراد الآن كيف يزرعون القيم الإنسانية الحقيقية في عصرٍ مليء بضجيج الأنا والفوقية والسطحية، قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب الميتة بوابل السماء، يا بني اختر المجالس على عينك فإذا رأيت قوما يلتمسون العلم ويذكرون الله فاجلس معهم فإنك أن تكن عالما ينفعك علمك وإن تكن جاهلا يعلمونك ولعل الله يطلع عليهم برحمة فتصيبك معهم وإن رأيت قوما في لهو وغفلة فلا تجلس معهم فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك وإن تكن جاهلا يزيدونك غيا ولعل الله يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم. وإن أول ما يحصل به العلم إخلاص إخلاص النية لله تعالى وتطهير النفوس من كل الرذائل قال العلماء: من آداب المتعلم تطهير نفسه من ردئ الأخلاق تطهير الأرض للبذر من خبائث النبات فالطاهر لا يسكن إلا بيتا طاهرا. الله علمنا ما ينفعنا وزدنا علما. أن القيم الإنسانية الحقيقية لا تتغير على مر العصور، ربما يصيبها الضعف أو السلبية عند الأزمات، أو حتى عند الرفاهية والمادية، فيتجاهل الأفراد تلك القيم الأساسية المفترض أن تكون في عمق الإنسان، باختلاف العرق والثقافة والمكان، لأن هذه القيم إنسانية بحتة، تحافظ على كرامة الإنسان وقيمته الوجودية في هذا الكون الشاسع. نعم، تختلف القيم من مجتمع إلى أخر، وتتعدد الصور، لكن قصدت القيم الأصيلة في جوهر الإنسان القديم والحديث عبر كل تلك العصور. القيم الفاضلة في بناء الأمم ونهضتها ورقي الشعوب وتطورها وأنه مهما بلغت من تقدم علمي ومعرفي وتقني ، فإن ديمومة بقائها مرهونة بمدى محافظتها على قيمها النبيلة وتمسكها بمبادئها السامية لتواصل طريقها نحو بناء حاضرها ومستقبلها المشرق وما العلم في جوهره إلا تجسيد وإعلاء للقيم الحضارية والأخلاق الإنسانية..