نشر الموقع الالكتروني لوزارة التربية العراقية جداول تتضمن مواعيد الامتحانات النهائية للدور الثاني للعام الدراسي الحالي للدراستين المتوسطة والإعدادية ، وقد ورد فيها إن موعد بداية امتحانات السادس الإعدادي بفروعه ولغاته كافة سيبدأ يوم السبت المصادف 26/ 8 / 2017 وينتهي بتاريخ 9 / 9 / 2017 حيث سيتخلله توقف بسبب عطلة عيد الأضحى المبارك للمدة 1- 6 / 9 / 2017 ، ورغم إن هناك ملاحظات عديدة عن هذه الجداول ومنها التسلسل في مواد الامتحانات وعدم إعطاء استراحة خلال أدائها إلا إنها تشكوا من عيب كبير ، وهو الإعلان عن مواعيد أداء امتحانات الدور الثاني رغم إن نتائج امتحانات الدور الأول لم تظهر حتى ساعة نشر هذه المقالة ، وإذا كانت هناك آراء متفائلة حول إعلانها فأن إجراءاتها ستستغرق أكثر من أسبوعين ، فبعد إعلانها في وزارة التربية وعقد مؤتمر صحفي بمعطياتها كما جرت العادة في نهاية كل عام ، بجري توزيعها على مديريات التربية في بغداد والمحافظات ثم تسليمها إلى إدارات المدارس ونشرها في المواقع الالكترونية ، وهي نتائج غير نهائية بالطبع إذ يحق للطلبة الاعتراض عليها لغرض تدقيقها بالشكل النهائي لتكون معتمدة وبدرجة المعولية المعتمدة في التربية ، وعلى فرض إن النتائج ستصل للطالب في الخامس من الشهر الحالي وان الاعتراض سيستغرق أسبوعين فان الطالب سيقتنع بنتيجته ( إن اقتنع فعلا ) بتاريخ 20 آب الحالي ، أي إن ما يفصله عن أداء الامتحانات هي ستة أيام فحسب فهل هي كافية لكي يستعد الطالب لامتحان يقرر مصيره المستقبلي ؟ ، باعتبار إن نتائج امتحانات البكالوريا في السادس الإعدادي هي من ستقرر ما سيكون عليه المستقبل المهني والعلمي للطالب بانتقاله للدراسة الجامعية ، وثمة من يعترض على هذا الكلام ويقول إن الطالب يعرف نتيجته مسبقا من خلال إجاباته وكان عليه استثمار الوقت دون حاجة لهذا الانتظار وان إعلان جداول الامتحانات قبل ظهور النتائج هو لتأكيد هذه الحقيقة ، ونحن نؤيد ذلك في حالات محددة وهي إذا كانت إجابة الطالب ميؤوس منها أو عندما يكون الطالب مؤجلا لمادة امتحانية أو أكثر ، والأمر لا ينطبق على نسبة مهمة من الطلبة بدليل إن نسب النجاح في الدور الأول للسنوات الدراسية السابقة لم تصل إلى 40% وان نسبة النجاح للدراسة المتوسطة للعام الدراسي الحالي بلغت 37% ، كما إن هناك إحصاءات تشير إلى إن نسبة الطلبة الناجحين في الدورين الأول والثاني للدراسة الإعدادية ممن تقل معدلاتهم عن 60% مرتفعة منذ سنوات ، مما قد يعني بالضرورة إن اغلب الطلبة ينتظرون نتائج الامتحانات لغرض أداء الدور الثاني في الدروس التي رسبوا بها أو لترتيب خياراتهم بضوء المعدلات ، وفي كل الأحوال كان من المفترض أن تقوم التربية بتحديد الهدف من إعلان جداول الامتحانات باعتبار إن ما حصل حالة غير مألوفة عندما تظهر جداول الامتحانات قبل إعلان نتائج الدور الأول .
إن الظروف التي يمر بها بلدنا العزيز من حيث الأمن والفقر والقصور في الخدمات وارتفاع درجات الحرارة وزيادة عدد الأرامل والأيتام وارتفاع نسب التضخم ، تستلزم منا جميعا توفير التسهيلات اللازمة لفئة الشباب ومنهم الطلبة في مختلف المراحل الدراسية ومنع انتقال اليأس في نفوسهم من خلال زراعة الأمل والتشبث بالحياة وان يكون لهم طموحات وأحلام ، سيما وان جهات معادية معروفة للجميع تحاول زراعة التفرقة والفتنة وإحباط الشباب كونهم يمثلون القوة التي يعول عليهم البلد في الأعمار والبناء والدفاع عن الوطن في الملمات ، وان تعقيد ظروف الطالب في التهيئة للدراسة وأداء الامتحانات من شأنه أن يضعف الرغبة في الأداء وانخفاض دافعية الانجاز وهذا لا يرضي الخيرين لان الشباب هم أبنائنا وإخواننا وأبناء بلدنا ويجب السعي لكي ينعموا بالخير ويحققوا أعلى درجات العطاء ، ولم يكن العام الدراسي الحالي سهلا فقد شهد معارك التحرير التي طردت الدواعش من مساحات مهمة من بلدنا العزيز ، ولم تكن انتصارات شعبنا سهلة المنال فقد رافقتها عمليات النزوح لأكثر من مليون مواطن كما تطلبت التضحيات فسالت دماء غزيرة للقوات الأمنية والحشد الشعبي وأبناء العشائر وبقية المقاتلين ، كما رافق ذلك سقوط جرحى أعزاء على القلوب وحصول تضحيات في صفوف الأجهزة الساندة والمدنيين ، وقد تزامنت امتحانات الدور الأول مع حلول شهر رمضان المبارك وعيد الفطر والارتفاع غير المسبوق بدرجات الحرارة والعجز عن تغطية الاحتياجات الفعلية من الكهرباء ، واضطر بعض الطلبة لأداء امتحاناتهم في مواقع بعض الكليات والمعاهد باعتبار إنها تحتوي على خدمات أفضل من أبنية بعض المدارس مما يعني إن بعض الطلبة كانوا يضطرون للتنقل إلى مراكزهم الامتحانية التي تبعد عن محلات سكناهم ، ولا ننكر حصول بعض الأخطاء غير المقصودة لبعض الحالات في أسئلة الامتحانات التي اضطرت الأجهزة المعنية في وزارة التربية لإجراء بعض التصويبات أثناء أداء الامتحانات ، وإذا ذهبنا بعيدا بقليل فان العام الدراسي الحالي لم يكن مثاليا أو ضمن الحد المقبول من المعايير ، إذ تم اللجوء إلى المدارس الكرفانية والاضطرار لإشغال أبنية غير صالحة لنقص الأبنية المدرسية ، ناهيك عن شحة التخصيصات المالية التي أخرت طبع المناهج والكتب المدرسية رغم إدخال مفردات جديدة وضعف تدريب الملاك التدريسي لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا بالتفاصيل ، وقد أضيفت صعوبة أخرى تتعلق بتأخر ظهور نتائج امتحانات البكالوريا لحد الآن ، ومن الغريب أن كل ما ذكرناه يرافقه ظهور أصوات ( حريصة ) تدعوا للتشدد مع الطلبة وتعتبر احتساب العام الدراسي عدم رسوب أو منح دور ثالث لتجديد الأمل أو اعتبار العام الدراسي الحالي عام عدم رسوب بمثابة خيانة عظمى للبلاد .
وليس القصد هنا هو التساهل غير الموضوعي مع الطلبة والتأثير على الرصانة العلمية في قطاعي التربية والتعليم قط وإنما تعويض الطلبة عن القصور والتقصير الناشئ من أداء الأجهزة المعنية أو ضغوطات البيئة المحيطة والتي يكون من ضحاياها الطالب وتنعكس عليه في نتائج الامتحانات ، وهي مسألة تدخل ضمن مفاهيم العدالة إذ تشير اغلب الإحصاءات والدراسات إلى إن المدارس التي تتوفر فيها ظروف ( مثالية ) ترتفع فيها نسب النجاح وتظهر فيها أعلى المعدلات كمدارس المتميزين وبعض المدارس الأهلية ، وقد يعتقد البعض إن السبب هو الطالب ولكن هناك أدلة تشير إلى إن العملية مشتركة وتفاعلية وللطالب حصة معينة من النتائج إلى جانب الأبنية وخدماتها من المختبرات وغيرها والإدارة والهيئة التدريسية وتطبيق الأنظمة والتعليمات والتعاون بين الإدارة والعائلة وغيرها من العوامل ، فالطالب الحريص لا يتواجد في مدارس المتميزين فقط بل في كل المدارس ونتائجه الايجابية تظهر بعد الامتحانات بتأثير جهوده والتشجيع وتوفير ما يحتاجه من متطلبات ومستلزمات ، وعندما تحين الفرصة لتطبيق معايير الجودة بشكلها الصحيح ستظهر العديد من الملاحظات والمؤشرات التي تحتاج إلى إعادة التخطيط والتنظيم والرقابة والتوجيه ، فالتعليم نظام متكامل يحتوي على مدخلات وعمليات ومخرجات ويجب التعامل معه على أساس نظمي وليس من خلال الترقيع ، وقد يستغرب البعض إن أساليب الترقيع المتبعة سابقا قد تم هجرها بشكل شبه تام حيث غابت دورات التقوية التي كانت تقام للطلبة الضعفاء ولبعض الدروس التي ترتفع بها نسب الرسوب ، كما غابت الساعات والأيام الإضافية لتعويض التوقفات لان المدارس مزدوجة وثلاثية والتربية لا تمتلك التخصيصات المالية لصرف أجور المحاضرات لهذه الحالات ، كما إن هناك أبعادا تخطيطية يجري تغييبها من خلال اللجوء إلى التكرار والتقديرات ، فجداول امتحانات السادس الإعدادي للدور الثاني التي أعلنتها التربية مؤخرا تم وضعها دون النظر لنتائج الدور الأول ، بمعنى إن صياغتها من حيث التسلسل والمواعيد وتخصيص الوقت لم يستند إلى نسب النجاح والرسوب المتحققة في الدور الأول لإعطاء خصوصيات لبعض الدروس التي فيها نسب رسوب مرتفعة على سبيل المثال ، ورغم إن ذلك يعطي تأثير محدود إلا إننا يجب أن نكون مع الطالب لإعانته على انجاز مهامه من باب الدعم المطلوب وليس التعاطف والمحاباة ، فالفشل في الدراسة والرسوب آفة قد تتحول إلى تفاعلات وانفعالات واتخاذ قرارات بعيدة عن الوطنية والسلوك الايجابي الصحيح في وقت تفقس فيه بيوض من حشرات وحيوانات هدفها إلحاق الضرر بالعراق .