لا زال موضوع التربية الجنسية يحمل في طياته الكثير من التناقضات الجمة التي تعكس صورة واضحة للتصادم بين التعاليم الدينية المنزلة من جهة والمدلولات العملية – التطبيقية من جهة أخرى . ونحن هنا نتحدث عن التربية الجنسية في المجتمعات الإسلامية بالتحديد فما زالت هذه التناقضات تشكل أمامنا ثغرات عجز الكثير من رجال الدين والفقهاء عن حلها, خصوصا وان الكثير من آيات القرآن لا تتفق على تفاسير واحدة بسبب تأثير “التناقض الزمني” الذي لا يمكن لأحد بطبيعة الحال ان ينكره . فمثلا لو نستعرض بعض الآيات التي نزلت في زمنها ونجري مقارنة إسقاطية على زمننا لوجدنا الكثير من الأمور المستعصية التي تندرج ضمن هذه التناقضات المذكورة نذكر من هذه الآيات :
“قل للمؤمنين أن يغضوا أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم أن الله خبير بما تصنعون ” النور : 30
” ولا تقربوا الزنى أنه كان فاحشة وساء سبيلا ” الإسراء : 32
” وليستعفف ألذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ” النور : 33
فسطور هذه الآيات بالرغم من إنها مختلفة في تفسيرها بعض الشيء إلا أنها تكاد تجمع على شيء واحد هو تحريم الزنى أو منع الممارسة الجنسية و كل ما يتصل بها خارج إطار الزواج مهما كانت الأسباب والظروف أو حتى المبررات . لكن المشكلة هنا تكمن أيضا في إنه ليس كل فرد يستطيع ان يخضع لتطبيق الزواج بهذه البساطة ,فكما نعلم هناك الكثير من المؤهلات والشروط التي تتعلق بهذا الجانب ومعظمها راجع الى العامل المادي وربما يليه الاستعداد النفسي أو ما شابه … ومن هنا تأتي الآية التي يجب ان نقف قليلا على تفسيرها والتي تقول :
“والذين لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فأنهم غير ملومين ” المؤمنون : 6
فيجب علينا ان نقف قليلا وندقق في سطور هذه الآية كما ذكرنا حتى لا يفهم القارىء أننا نسيء الى آيات القرآن الكريم بقدر ما ندحض الكثر من التأويلات التي أفرزتها عقول أفراد (المؤسسة الدينية البابوية ), التي ما زالت تفرض على
مجتمعاتها الخضوع القسري لتأويلاتها دون إحكام العقل والمنطق بل التسليم بسوابق الأحكام وحتمية ما هو كائن ويكون !.
لنعد الى الآية السابقة في سورة المؤمنون ونتمعن بكلماتها قليلا سيكتشف خاطرنا ان (أو) التي تسبق (ما ملكت أيمانهم) هي لفظية بالمعنى غير “الواو” العطفية وهذا يعني ان أو هي قابلة للتبديل وليست مكملة للجملة كما يظن الكثير, أما المعنى الإصطلاحي لها قد يكون الاستملاك دون شرط الرجوع الى الزواج والله أعلم طبعا … وهذا التفسير قد يقترب بالمعنى من نظام (الجواري) الذي كان سائدا في عصر الإسلام وما قبله, لكن الأمر هنا يتعلق أيضا بكيفية بتطبيق هذا النظام في عصرنا الراهن لأنه بالتأكيد سيواجه بالرفض وهنا لب المشكلة, لأن القياس الحقيقي لهذا الرفض ينطلق من قاعدة اجتماعية –بيئية وليس له من الدين سوى الشيء اليسير الذي قد لا يتعدى الدلالة الحرفية والعنوان الإسمي .
أما الآيتان القائلتان :
“فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ” النساء: 24
“نساؤكم حرث لكم فآتوا حرثكم أنا شئتم ” البقرة : 223
فهنا سنقع في مشكلة أخرى مكملة لموضوع التربية الجنسية الذي نتحدث عنه لأن تفسير الآتين هنا كأنه ينادي باستمتاع الرجل الكامل دون مراعاة للمرأة التي تعتبر طرفا مقابلا له حقه في هذا الاستمتاع, وهذا يعني أيضا عدم مراعاة مزاجها النفسي واستعدادها … الخ .
ومن الطريف هناك مقولة تنادي بأحقية استمتاع الرجل العربي –المسلم بزوجته في أي مكان وتحت أي ظرف حتى وان كانا على ظهر بعير (كان الله في عون البعير اذا صح هذا القول ) !.
بعد ان استعرضنا الآيات القرآنية ووقفنا على تأويلها بشيء من الإسهاب وهنا نعيد ونقول غرضنا ليس الإساءة للدين بقدر التبيان نصل الى خلاصة الموضوع ونحن هنا مسؤولون علما قلناه للقارىء الكريم .
فالكتاب السماوي عندما نزل كان نزوله في إطار زمني محدد وفي مجتمع غير هذا المجتمع بالرغم من وجود بعض المشتركات التاريخية لكنها لا يمكن ان نسلم بها بشكل مطلق استنادا للعامل النسبي الذي يلعب دوره أكثر في صيرورة و تغير المجتمعات .
والأهم من ذلك كله ان القرآن (أو أي كتاب سماوي آخر…) ليس مغزاه يكمن في نصوصه السماوية فقط بقدر مدى عملية فهم واستيعاب هذه النصوص من قبل القارىء, فليس جميع القراء مجمعون على تفسير واحد وذلك بسبب تباين الطبقات
الاجتماعية التي ينبثقون منها خصوصا وان هذه الطبقات لها محيطها وخصوصيتها التي تميزها عن مثيلتها وهكذا …
مما يؤثر فيما بعد على عملية التفسير والفهم اللتان تدوران في فلك هذه الطبقات بالتأكيد . ولهذا رأينا ظهور ما يسمى بالفقه وتشعباته التي بدأت تطفو على السطح في العصور المتأخرة وظهور اكثر من رجل دين يدعي لديه التفسير الصحيح وهكذا …
وهذا يعني في النهاية ان الكتاب السماوي نزل على مجتمع له قوانينه وأنظمته السوسيولوجية ولم ينزل بقوانين من عالم آخر كما ما يزال يتصور “أنصار الميتافيزيقيا الدينية ” !.