22 ديسمبر، 2024 2:28 م

التراث الارهابي في المجتمعات العربية

التراث الارهابي في المجتمعات العربية

الارهاب من وجهة نظرنا هي اي جريمة اعتداء جسدي او لفظي او حسي ضد اي انسان بدوافع دينية او عرقية او اثنية او طائفية او ثقافية او حتى شخصية،هذه القضايا الاجتماعية الفطرية تعتمد اعتمادا كليا على التراث والبيئة الاجتماعية والثقافة العامة الرسمية للدولة والمجتمع،اي ان الاديان والحضارات القديمة اكدت على وجود الصراع الانساني الفطري بين الخير والشر،لهذا يعد الارهاب احد اهم قوى الشر المفرطة بالتوحش والارهاب والفوضى والتخريب المرفوض عالميا،لكن بعد ان ارتبط اسم الارهاب الدولي بالاسلام منذ بدايات الحرب الباردة الاولى،وظهور الحركات الارهابية العالمية في افغانستان(حركة طلبان وتنظيم القاعدة)،وتمكن الجماعات الارهابية الحديثة قبل اندلاع ثورات الربيع العربي،من الوصول الى الاهداف البعيدة،اي ماحصل في احداث ١١سبتمبر في الولايات المتحدة الامريكية(الارهاب الذي ضرب الابراج مراكز التجارة العالمي في امريكا٢٠٠١)
،وماحدث بعدها من الحرب الامريكية المدمرة في افغانستان والعراق،ومن ثم انتشار ظاهرة الارهاب الطائفي الداعشي في العراق وليبيا وسوريا بعد٢٠٠٣،ومع كل هذه الاحداث المتسارعة لازالت مراكز البحث والتحليل والاستنتاج الدولية والاقليمية والمحلية تتجاهل بقصد او بدونه الاسباب الحقيقية لتنامي هذه الظاهرة الارهابية العابرة للحدود، التي ادت الى تصاعدة حدة ووتيرة الارهاب السلفي في المنطقة،لعل الشرح بحاجة الى بحوث ودراسات مطولة ،لكننا نكتفي بالاستعراض التحليلي المختصر لايصال الفكرة حول اسباب تلك الازمة الاخلاقية والدينية والانسانية ،التي اشتركت قيها جميع دول العالم تقريبا،فبالإضافة الى العوامل التراثية الاجتماعية التي ركز عليها الاعلام العربي الرسمي في العلاقة بين الدولة والمواطن،وبالاخص في شبه الجزيرة العربية(علاقة شيخ القبيلة او الملك او الامير بالرعية كعلاقة السيد بالعبد)
ذات الطبيعة الاجتماعية البدوية،حيث انتقل تراثها البدوي هذا بالتدريج الى الانظمة السياسية الحاكمة ،ومناهجها التربوية ،وثقافتها الرسمية،والملاحظ هناك عملية اصرار متعمدة لابراز التراث الفني القبلي عبر ابقاء الدراما البدوية طاغية في الخليج العربي، كأحد اهم الوسائل القادرة على ابقاء التراث البدوي حيا في المنطقة،فوق كل هذا انتقلت المؤامرة الدولية التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي على مواجهة روسيا والصين وايران الى ارض العراق وسوريا،مستخدمة الاذرع المتحالفة معها من دول الخليج التي قامت بأحياء الاسلوب والنموذج الارهابي الافغاني من جديد في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن وفي مختلف دول العالم،بغية اعطاء شرعية رسمية لعملية التورط الدولي في المحيطات المحلية البعيدة عن سيطرة وهيمنة القوى العظمى الامبريالية،
من هنا نود ان نحدد الاسباب الايديولوجية او التراثية التي ساعدت على انتشار ظاهرة العنف في المجتمعات العربية المسمى بالارهاب(انظر مقالنا السابق اشاعة ثقافة التوحش.ابي بكر ناجي.المبادئ الارهابية لخوارج العصر موقع كتابات اوصحيفة المثقف الالكترونيتين)، اهم تلك العوامل:
اولا:التراث الديني القديم المتمثل بالعصرين الاموي والعباسي
ثانيا:التراث الديني الحديث ،ثقافة وتركة الامبراطورية العثمانية،التي تمتاز بالادارة المتوحشة للاقاليم والولايات التابعة لها
ثالثا:العنف الاجتماعي القبلي والعشائري
رابعا:استبداد الانظمة العربية الشمولية بعد رحيل الاستعمار
خامسا: النظام الاسرائيلي والقوى الامبريالية الاستعمارية والانظمة العربية المتحالفة معه،الصراع العربي الاسرائيلي
يقول الكاتب عبد الباري عطوان في مقدمة كتابه الدولة الاسلامية(الجذور،التوحش،المستقبل.طبعة دار الساقي بيروت)،”فسياسات القهر والاقصاء والتهميش والإذلال التي مورست على ابناء الطائفة السنية في العراق اثناء فترة الاحتلال التي امتدت اكثر من١١عاما هيأت البيئة الملائمة لنمو بذرة الدولة الاسلامية وترعرعها وامتدادها وتكوين النموذج الذي يجذب عشرات الالاف من الشباب الاسلامي المحبط في مختلف انحاء العالم”،ثم يعود في(ص٣٦)ليقول ان نوري المالكي كان في الواقع جزءا من المشكلة،فسياساته المذهبية المثيرة للانقسام وتهميشه للسنة العراقيين اوجدتا نزاعا مدنيا في البلد سمح لداعش(يطلق عليها الدولة الاسلامية في العراق والشام) ليس فقط بأن تنتعش بل ان تكون موضع ترحيب واسع في العديد من المدن والقرى السنية،
بينما نجده يتنافض سريعا وفي نفس مقدمة كتابه خيث يعود للقول”ربما لانبالغ اذا قلنا ان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هو الذي بدأ في التمهيد العملي والعقائدي واللوجستي للدولة الاسلامية،جاء ذلك بمحض الصدفة او نتيجة خطة محكمة…….قرر اي صدام التحول الى الله وتبني الهوية الاسلامية والجهاد الاسلامي خصوصا كعقيدة لمواجهة الاحتلال المتوقع اي قصد حرب الاسقاط عام٢٠٠٣…الخ.
نموذج عطوان (الذي يخاطب الارهابي البغدادي في كتابه وفي اكثر من موضع بالسيد ابوبكر البغدادي)في التناقض بين خلط الحقاىق والتمويه حول الاسباب الحقيقية المنتجة لداعش،هي نفسها الظاهرة الاستعلائية الفارغة العامة التي ينظر بها الى التراث العربي المليء بالاشكالات والازمات والتناقضات الدينية والاجتماعية،اي لاتريد الدولة او مؤسساتها الثقافية اوالدينية ولاحتى المؤسسات المدنية ان تراجع التراث بطريقة حيادية،لابعاد الثقافة السلبية المنتجة للعنف الاجتماعي،الكل ينظر اليه على انه جبل مقدس لايمكن تحريكه،تماما كحالة الالتباس والارباك والخلل الذي وقع فيه عطوان الذي يؤكد في كتابه على ان اغلب قادة داعش هم من ازلام نظام صدام(اجهزته الامنية والحزبية المنحلة والحرس الخاص والحرس الجمهوري وفدائيي صدام والعشائر المتحالفة معهم وليس شماعة التهميش والاقصاء)،كما ذكرنا سابقا وحددنا بأختصار الاسباب المؤدية الى انتشار الارهاب الوهابي في العالم،لابد ان يعرف الجميع ان الاحداث التي جرت بعد اندلاع ثورات الربيع العربي او مايسمى في البيت الابيض مشروع الشرق الاوسط الجديد،هي صناعة امريكية خليجية تركية،ولعل الازمة الخليجية القطرية الاخيرة خير دليل على ماكان يحدث من ارهاب وفوضى عارمة في المنطقة، لاعادة ترتيب جغرافيتها السياسية والاثنية والاجتماعية،ماحدث في العراق من انتفاضة سنية عارمة ضد النظام الديمقراطي التوافقي الحديث،ليست انتفاضة شريحة اجتماعية مظلومة او مهمشة،فوفقا لنظام المحاصصة تخلى الشيعة عن العديد من حقوقهم الديمقراطية للاقليات الاخرى من اجل انجاح عملية تشكيل الحكومة واعادة بناء الدولة المنهارة بفعل قرار الاحتلال الامريكي البريطاني،بل بات السياسيين الشيعة ينعتون في الاوساط الشعبية الشيعية بالانبطاحيين،لكثرة التنازلات المقدمة من قبل الاحزاب والحركات الشيعية لبقية المكونات،ماحصل ببساط هو امر معروف قديم متجدد،فيتو ارهابي عربي سني مفروض على الشيعة العرب في بلدانهم، وفي العراق ايضا(على اعتبار ان الشيعة فيه هم المكون الاكبر ومن المحتمل ان يتأثر بهم شيعة البحرين والسعودية واليمن وقد يشكلون مع ايران وسوريا ولبنان مايسمى بالهلال الشيعي)،تأثر بهم من استفاد من العفو والتسامح الشعبي والقضائي مع اجهزة صدام القمعية الامنية والحزبية بعد سقوط نظام صدام الارهابي،فأصبحت تجارة خيانة الوطن والتأمر عليه رائجة في اسواق بيع الضمائر،
فالوهابية منذ ان تحالفت مع ملوك وامراء البترول الخليجي برعاية الاستعمار البريطاني الامريكي اصبح اخطر فكر شيطاني عرفته البشرية بعد المغول والبرابرة(مع ان السيد عطوان يستنتج في كتابه في باب جوهر القوة الوهابية،السعودية،امريكا والدولة الاسلامية،ان السعودية تحاول حاليا وفي شكل يائس التصدي للوحش الذي خلقته…ويقول افاقت متأخرة على ظاهرة انخراط شبابها في الجهاد في سوريا والعراق)
،هي من دفعت بعض الطائفيين في المناطق الغربية من التحالف معهم لنيل المكاسب ولاعادة فكرة”سجادة كنا ندوس عليها كيف نلبسها او نتغطى بها”،نظرة ساقطة لجبناء حكموا البلاد بلغة بدوية متخلفة، لم تبني وطن ،ولم تؤسس لاي بنية تحتية قادرة للبقاء،لكننا نؤكد ان الارهاب الطائفي الذي انتج داعش واستقطب الجهلة والمشردين والفاشلين من الشباب المسلم ،هو وليد التراث الاسلامي السني ،وليس التهميش الشيعي للسنة في العراق،
فالذين انتقدوا فتوى الجهاد الكفائي في بداياتها ينظرون ثمار ونتائج تلك الثورة الاخلاقية الاسلامية الحقيقية، انقذت الابرياء من اهالي المناطق الغربية من الاخوة العرب السنة،وهم يشاهدون كيف يستهدف القناص الداعشي الابرياء الهاربين من جحيم الحرب،لافرق عندهم بين طفل او شيخ او امرأة او حتى معاق،وكيف يستقبلهم الجيش والحشد الشعبي وينقذهم من الموت الارهابي للدواعش(بدعوة ان المدنيين يتركون ارض الخلافة الى ارض الكفر)،المسألة اكثر من قضية تحميل مسؤولية لطائفة او نظام سياسي استبدادي فقط،انما هي مجموعة عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وطائفية ودينية،اهمل التعامل معها على انها مصادر خاملة لكنها ليست ميتة قادر على احياء نفسها كالبكتريا الخطرة،لتعيد العنف الى الشارع اذا توفرت لها الظروف الفوضوية الداخلية او الخارجية.
ثقافة التطبع هي مصنع البيئات القابلة للتنفيذ في اي وقت كالعبث الاجرامي للنفوس المريضة،فالاعلام التقني والفضائي والثورة الالكترونية عموما ،اصبحت مدارس فاعلة لثقافة المجتمع،فمانراه حاليا في لندن على سبيل المثال (وعموم اوربا وكذلك امريكا) من رد فعل عنصري تجاه الابرياء المسلمين من قبل متطرفيين اجانب غير مسلمين(كعمليات الدهس واطلاق النار ورمي المواد الحارقة)،هو نتيجة طبيعية لانتشار ثقافة العنف عالميا،اي ان ثقافة العنف التي تبدا من العبارات الى التهديدات والاقوال والافعال المباشرة،ثم تغلف تلك المفاهيم الشريرة بغلاف الدين او الطائفة او العرق فتتحول بمرور الوقت الى ظاهرة اجتماعية يصعب السيطرة عليها.
العنف في العراق بدأ سنيا ثم صار شاملا ،اي اصبحت جميع الطوائف والاثنيات تقريبا
( ولو بشكل متفاوت )مرتع للعديد من الاحداث والمشاكل والجرائم المنظمة،فالمجتمعات العربية لازالت مرتبطة ارتباط وثيق بالتراث القديم ،المتداخل مع الثقافة الحديثة للانظمة المستبدة(بما فيه التراث الجاهلي والقبلي والعشائري والبدوي،وظاهرة الاسلام السياسي الذي ظهر بعد انتشار المد الشيوعي والماركسي في العالم والبلدان الاسلامية)،هي بيئات تراثية موبوءة بحاجة الى معالجة جذرية عبر نشر ثقافة الاحترام المتبادل بين الافراد بغض النظر عن انتماءهم او دينهم او مظهرهم او معتقداتهم الشخصية،
بالوعي الثقافي الاخلاقي والانساني البعيد كل البعد عن مظاهر العنف الاجتماعي او السياسي،الذي يمكنه ان يخترق العنف الديني بالعقل والمنطق السليم،لاعادة صياغة مفهوم فطري مثبت في جميع الاديان السماوية وهي كرامة الانسان وحرمة دمه،اذ لايمكن للمجتمعات الاسلامية في القرن الواحد والعشرين ان تقبل بأي تأويل ديني يدعوا للتطرف والعنف داخل الوطن او خارجه،وان تحترم جميع الابداعات الانسانية الحقيقية المتمثلة بالثقافة الادبية والفنية والعلمية……………الخ.