آلية متّبعة للتحكم بالبشر وإستعباده وإمتهانه ومصادرة مصيره والإستحواذ على حقوقه وما يتصل به , وهي ليست جديدة لكنها سخرّت العلوم والتقنيات الحديثة للتعبير عنها , وترجمتها بأساليب معقدة يغفلها البشر ويكون ضحية سهلة لموادها المذوبة المتنوعة , خصوصا وقد تطورت وسائل الإتصال وتعاظمت إمبراطوريات الإعلام والإظلام.
فالبشر مادة مذابة في سوائل متنوعة ومنه يمكن صنع المحاليل العديدة اللازمة للوصول إلى غاية ما بواسطة البشر المذاب.
والمذيبات البشرية عبارة عن أفكار ومواقف وبيئات يوفرها البشر لإستعباد البشر , ومنها ضياع الأمان وإنتشار الرعب والخوف والقهر بالحاجات والأزمات والصراعات والحروب , والعمل بالحرمان وتأكيد الفساد والإفساد , وزعزعة القيم والأخلاق والمبادئ والمعتقدات , وتحويل البشر إلى حالات مرعوبة قلقة سهلة الإنقياد والإنهيار.
وعندما يكون البشر في محنة قاهرة فأنه يتوقد إنفعاليا ويتأجج عاطفيا ويتحول إلى كتلة ملتهبة ذات دخان كثيف يعمي بصره وبصيرته , فيكون من السهل الإيقاع به وإسقاطه في حبائل الإهلاك والترويع والإمتلاك وهتك المصير.
فالبشر المرهون بالحاجات يكون مذابا ومعدوم الملامح والقدرات والمميزات , ومتهالكا للقبول بأي خيار يساهم في تخفيف وطئة الركض وراء المتطلبات اليومية , التي يعجز عن الحصول عليها إلا بشق الأنفس.
وفي الواقع العربي فأن معظم البشر مذاب في متواليات من التحديات والتهديدات , وتخيم على وجوده عواصف التخويف والقلق والتهديد بأنواع الويلات والإتهامات , ووفقا لمسميات ومواد مروعة في قوانين إستبدادية فتاكة.
ووفقا لما هو فيه يكون بلا قدرة على الفعل والتأثير في الواقع , ويمضي مستسلما خاويا مفرّغا من القوة والإرادة , وخاليا من الإحساس بطعم الحياة وقيمتها ودوره فيها , مما يؤهله لكي يكون صيدا ثمينا للذين يريدونه مستلطفا للوجيع كثمن لبلوغ الجنة الموعودة.
والبشر المذاب لا يساوي شيئا لأنه سيُسكب فوق رمال الرغبات والأمنيات الدفاقة , التي يلهث وراءها الذين أذابوه بما فيه وما حوله , وجردوه من كونه إنسان.
فإلى متى سيبقى البشر في حالة ذوبان وبهتان؟!!