13 أغسطس، 2025 10:00 م

التدقيق اللغوي: حِرْفة في عالم الكلمات

التدقيق اللغوي: حِرْفة في عالم الكلمات

تُعَدُّ مهنة التدقيق اللغوي، واحدة من أكثر المهن غرابةً وجاذبيةً، فهي لا تعتمد على مؤهلات تعليمية رسمية، ولا توجد دروس أو ورش تعليمية تؤهل المرء لممارستها بكفاءة.
في خضمّ عملية التدقيق، يواجه المدقق أنواعًا متعددة من الأخطاء، مما يستدعي منه يقظةً مستمرة وذهنًا متوقدًا، ومن الجدير بالذكر أنّ المصحح اللغوي المتمكن قد لا يكون بالضرورة أكاديميًا عميق الاطلاع في تفاصيل اللغة، لكنه يجب أن يكون بارعًا في رصد الأخطاء،حاذقًا في ملاحظة ما يعتري النص من زلات، يدركها حتى وإن لم يستوعب أسباب وقوعها، فهو يتجنب الوقوع في فخاخ الأخطاء التي يعتاد الآخرون على تجاهلها، ويقرأ النص كما هو مكتوب، بعيدًا عن الصورة التي خزنتها ذاكرته.
كم من قارئ مرّ أمام عينيه خطأً، فقرأ الصواب دون أن يدرك الخلل، فالأخطاء تتنوع أشكالها وأنواعها، حيث تتباين وفق معايير الكتابة وقواعدها؛ بعضها يتعلق بالبصر، وبعضها بالإملاء، وبعضها بعلامات الترقيم، والبعض الآخر بالنحو والصرف، بينما تنتمي أخرى إلى الأخطاء الشائعة أو إلى قضايا الصياغة والتحرير، فضلاً عن بعض المسائل الخلافية في اللغة.
إنّ مهنة المصحح اللغوي تحتاج إلى موهبة فطرية في اكتشاف الأخطاء، وعين قادرة على رصد الهمزة الناقصة أو المكتوبة في غير موضعها، أو على الحرفين الموضوعين في موضع الآخر، أو على علامة التنصيص التي بدأت الكلام دون أن تُوضَع علامة مقابلة لها لتختمه.
ويمكن أن يكون المصحح اللغوي متخرجًا في مجالات متنوعة، كالهندسة، الطب، العلوم، الفنون الجميلة، أو التجارة، لكنه يتقن مهنة التدقيق اللغوي بفضل استيعابه لقواعد اللغة والإملاء، فالموهبة في التصحيح اللغوي لا تتطلب تخصصًا في اللغة، بل تحتاج إلى ملكة تتابع الألفاظ وتدققها.
وفي عصور سابقة، كان الكُتّاب أساتذة في اللغة العربية، يُجيدون الكتابة والإملاء والنحو والصرف بغضّ النظر عن مجالات كتابتهم، أما في العصر الحديث، فقد زاد انشغال الإنسان بتخصصه، مما جعله يبتعد عن اللغة العربية ويغوص في مجالات أخرى، فاحتاج إلى من يقوم بتدقيق ما يكتب.
ختامًا، لا يمكن اعتبار مهنة المصحح اللغوي مجرد مهنة عابرة؛ بل هي هوس يسيطر على صاحبها، فهو لا إراديًا لا يتجاهل شيئًا، سواء من كتاباته أو من كتابات الآخرين. تلحظ عيناه الأخطاء، وقد يُبلغ بها صاحبها، أو يصححها بينه وبين نفسه، لكنه أبداً لا يغض الطرف عنها، سواء على الإنترنت أو في لافتات الطريق أو في الكتب والصحف وما شابه.

أحدث المقالات

أحدث المقالات