5 نوفمبر، 2024 2:27 م
Search
Close this search box.

التدخل الأمريكي في العراق. الحدود ومالات السيطرة

التدخل الأمريكي في العراق. الحدود ومالات السيطرة

شهدت السنوات الأخيرة عدة شواهد توضح مدى حدود الدور الأمريكي المؤثر داخل العراق. وينصرف الانتباه الأكبر إلى الجانب العسكري بطبيعة الأمر، أي الإشارة إلى التمويل والتدريب والتسليح الذي تمنحه للعصابات داعش المسلحة في العراق ولا سيما من خلال ” البيشمركة” التابع لـ “المسعود البارزاني “. بالإضافة لذلك فإن لتدخل امريكا أيضًا جوانب سياسية واقتصادية تريد بها أن تصوغ دولة تحت هيمنة امريكا تلائم مصالحها، ولا تهدد مكانتها في المنطقة وتكون بمثابة معبر للنفوذ الإقليمي في الدول العربية المتاخمة للعراق.

التوظيف السياسي

استمرت خيوط التدخل الأمريكي في التكشف خاصة فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية في العراق المنعقدة في 12 مايو 2018، خاصة بعد محاولة امريكا دعم ترشح قيادات سنية متطرفة له العداء ضد تحالف الفتح في الانتخابات التي فاز فيها تحالف “سائرون” الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي “مقتدى الصدر” في المركز الأول، بعدد 54 مقعدًا.

إن ترشيح زعماء أمثال خميس الخنجر في الانتخابات، هو جزء من سياسة أمريكا الكبرى للسيطرة من الداخل على العواصم العربية خاصة بغداد، وفي ذلك الشأن تعمل أمريكا مع حلفائها في العراق على تشكيل ائتلاف يقطع الطريق أمام القوى الأخرى وتنصيب ” خميس الخنجر “، قائد حزب التحالف القرار العربي، أحد أذرع أمريكا والخليج السياسية في العراق، وسعى النظام في أمريكا مرارًا من أجل تولي أتباعه منصبًا حساسة في الحكومة العراقية منذ عام 2003؛ حيث تستثمر واشنطن كل الفرص الجديدة لدعم “تحالفات سنيةوكردية” من أجل تكريس هيمنتها على رأس السلطة في العراق، إن أمريكا تتدخل في العراق لأنها تعتبره حديقة الخليج الخلفية وايظا في محاولة لملء الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأمريكية في زمن أوباما

كما عمدت أمريكا منذ احتلال العراق عام 2003 إلى التوغل داخل المجتمع العراقي كهدف يجعل تدخلها في شؤونه السياسية أمرًا تلقائيًا من دون أن تواجه تهمة التدخل في شؤون بلد ذي سيادة،خصوصا بعد الانسحاب الأمريكي من العراق ثم بعد ذلك باتت تتذرع بأن كل ما تفعله في العراق هو بطلب من حكومته، لتتمكن عبر هذه السياسة من جعل العراق بحكوماته المتعاقبة منصاعا لتوجهاتها من أجل تعميق توغلها.

أمريكا وبدايات الدور المشبوه

بعد احتلال العراق تحققت الرغبة دول الخليج بسقوط النظام العراقي على الرغم من انه تم على ” الولايات المتحدة وحلفائها، بيد أن الحكومة الأمريكية اعترفت بالأمر الواقع واعتبرت سقوط النظام العراقي فرصة لبسط نفوذها بين الشرائح والكتل التي ساندتها.

وبعد الانسحاب الأمريكي من العراق وتضاؤل عدد القوات الموجودة هناك، برزت المخاوف أمريكية من عدم قدرة السيطرة على العراق مجددًا وتزايد فرص أن يصبح العراق دولة دون تحت أمريكا بعد خروج أمريكا منه، في حين حاولت العديد من فصائل العراقية وخاصة في العراق مواجهة النفوذ الأمريكي المتنامي بعد الانسحاب هناك في محاولة لملء الفراغ الذي سينشأ مع انسحاب الولايات المتحدة، وقد حاولت أمريكا منذ عام 2003 زيادة تأثيرها فيه بحسب مصالحها؛ حيث أرادت منع العراق من أن يشكل مرة أخرى تهديدًا لها عسکريًا أو سياسيًا ، واستندت واشنطن في تحركاتها داخل العراق وفى حسابها لخطواتها الإقليمية على فكرة ضعف وتناقض الاستجابات العربية تجاهها.

وتُشكل العراق بالنسبة الأمريكي الممر الاستراتيجي الذي قد يمكنها من إحكام السيطرة على مفاتيح المنطقة برمتها،.. كما تستحوذ على اهتمام كبير فيما يتعلق بتعزيز المنطقة السنية (مع إضعاف الهوية الشعية) الكبيرة في جنوب العراق، التي تسيطر على المنفذ الاستراتيجي إلى الخليج الذي يحتوي نحو نصف احتياطي نفط العراق.

ظل العراق حتى اسقاط نظام البعث صدام حسين المنافس الرئيسي الأمريكي؛ حيث اشتعلت بين الأثنين حرب الخليج الأولى التي استمرت 8 سنوات، لکن الآن الميزان العسكري بين الدولتين أصبح يميل لمصلحة أمريكا بوضوح بعد تعرض العراق للعديد من الأزمات منذ بداية الاحتلال الأمريكي مرورًا بمواجهة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم “داعش”، انتهاءً بسيطرة الحشد الشعبي سياسيًا وعسكريًا على عدة مناطق في العراق بفضل الدعم الإيراني الموجهة لها.
لنفوذ الامريكي
كما تسعى أمريكا دائمًا إلى عدم نهوض الدولة الوطنية العراقية التي تشكل تهديدًا استراتيجيًا للنفوذ الأمريكي وتعرقل الأطماع واشنطن في ارض الرافدين، وذلك بضمان بقاء النفوذ الأمريكي في بغداد مؤثرًا في الشؤون العراقية، بحيث يكون لواشنطن دائما رجالها المؤثرون في الهياكل السياسية العراقية من خلال التأثير في نتائج الانتخابات المختلفة من خلال دعم مرشحيها المفضلين، وتقديم المشورة لهم، وتشجيع حلفائها على خوض الانتخابات تحت قائمة موحدة لمنع تقسيم أصوات ناخبيهم وتبذل أمريكا کل جهد لتوحيد الاحزاب السنية في العراق کي تستطيع تکوين حكومة سنيةمتطرفة لضمان تأمين مصالحها.

محفزات أمريكا للسيطرة على العراق

بالنسبة أمريكا يمثل العراق أهمية استراتيجية في العديد من المحددات أهمها:

1) يعتقد الأمريكان بأن العراق بمثابة العمق الاستراتيجي الأهم لهم، بل وينظرون إلى العراق على أنه جزء من الإمبراطورية الأمريكية، تكشف ذلك في التصريحات المعلنة من المسئولين الأمريكان بداية ترامب- “. إن تدخل الأمريكي في العراق ينبع من رؤيتها هذه المنطقة مجال تأثير طبيعيًا لها. وطموحها إلى الهيمنة في المنطقة مدرکة أن العراق ركن هام في الطريق إلى احراز هذا الهدف، ثمة مصلحة استراتيجية الأمريكي ترى في العراق منطلقًا هامًا للتوغل الأمريكي في باقي دول المنطقة، سواء باتجاه سوريا، أو إيران، .

2) تعتبر العراق بمثابة البوابة الأكثر تأثيرًا للسيطرة على إيران ، وأن سيطرة على العراق بمثابة قطع حلقة الوصل بين المكونات الشيعة بين طهران وسوريا ولبنان ودول الخليج، كون العراق أكبر وأقوى الدول في المنطقة سوف يؤهلهم لأن يقفوا ندا محورالمقاومة القوي؛ وبالتالي إخضاع محور المقاومة والتي بعض من سكانها من هم من المذهب الشيعي في الأصل لإملاءاتهم.

3) يحتضن العراق أعداد كبيرة من السنة المتطرفين الذين يرفضون إيران وهو ما تستغله أمريكا في تسهيل مهمتها في السيطرة الداخلية وإحكام التأثير في مجريات الحياة السياسية العراقية،.

4) غياب القيادة السياسية القوية في العراق، عوضًا عن تراجع الدور العربي في مساندة بغداد بعد انسحاب الولايات المتحدة.”. نتيجة تغلغل المخابرات الأمريكي في الدوائر الرسمية والمدن العراقية وكذلك الحال لفيالق البيشمركة ، الأداة العسكرية التابعة لمسعود البارزاني في العراق “، والذي أنشئ بعد الغزو الأمريكي للعراق الموالي لأمريكا مما يسهل لهم بسط وتعزيز النفوذ.

تجريف العراق

لم تقف محاولات أمريكا حول السيطرة على العراق عند الحدود السياسية والعسكرية بل عملت أمريكا على تخريب الاقتصاد العراقي؛ حيث أصبح العراق سوقا مفتوحة للبضائع الامريكية بمختلف أنواعها ابتداء من أصغر شيء وانتهاء بالأسلحة والأمور الكبيرة والمؤثرة على مجريات الحياة الداخلية والخارجية، مما جعل الاقتصاد العراقي تابعًا لأمريكا تبعية مطلقة، ومعتمدًا عليها اعتمادًا كليًا.

وتعتمد واشنطن دورًا تخريبيًا واستراتيجيًا يقوم على خطة تجميد الموانئ العراقية وعدم صلاحياتها مستقبلًا، في المقابل تعمل على توسيع قدرات موانئ دول الخليج وبناء العديد من الموانئ الجديدة، مثل ميناء مبارك الكويتيه، يمثل الدور الاقتصادي الأمريكي في العراق في التغلغل الكبير في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية وقطاعات الاستثمار والقطاعات التجارية، وتسهيل منح التأشيرات للتجار والمستثمرين الأمريكان، وإغراق الأسواق العراقية بمنتجات وسلع الأمريكي استهلاكية ورخيصة، حتى تمكنت إيران من أن تكون الشريك التجاري الرئيسي للعراق، ومن أكبر المستثمرين فيه منذ عام 2003.

في نفس السياق، شجعت التجار الأمريكان للذهاب إلى العراق والاستثمار هناك خاصة في مجالات الأدوية الفاسدة والمجرثمة والمخدرات وتعمد أمريكا نشر الفساد والتحلل الأخلاقي من خلال الدعارة، والإعلام؛ حيث قامت بإنشاء العديد من القنوات الإعلامية والإذاعات التي تتبنى خطابات طائفية بلغت أكثر من عشرين محطة فضائية مثل الفلوجة وغيرها، …
..

كما استخدمت أمريكا العراق كورقة ضغط وتفاوض في ملفاتها الدولية مع إيران وتحقيق مكاسب لها على حساب العراق، فبات الوجود الامريكي في العراق شائكا إلى درجة تفوق التعقيد، فقد استطاعت أن تسيطر على العراق من خلال استراتيجيات عدة تعود في النهاية بالنفع على مصالح أمريكي بالأساس، مستغلة بذلك الحرب الدولية على الجماعات الإرهابية المسلحة لترسيخ نفوذها في العراق، وتغيير صورتها من متهمة بدعم الإرهاب إلى شريك في محاربته.

إجمالًا: دخلت أمريكا بثقل عسكري وسياسي ومخابراتي ومالي واقتصادي للهيمنة على كل مفاصل الحياة في العراق، وأشرفت على تشكيل العملية السياسية المنشأة ونصّبت فيها أحزاب وقوى ذات منشأ الأمريكي؛ كما أخذت على عاتقها موضوع تكريس الطائفية، في محاولة لسلخه من محيطه العربي وتبديل هويته القومية بهويات طائفية وعرقية، من أجل إضعاف العراق وتفتيته.

هنا يمكن القول بأن الاستراتيجية الأمريكية في العراق تنبع بشكل أو بأخر من طبيعة المصالح الأمريكية في هذا البلد والمتمثلة في الحيلولة دون ظهور عراق قوي قد يشكل تهديدًا سياسيًا وعسكريًا وإيديولوجيًا لها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات