5 نوفمبر، 2024 10:37 م
Search
Close this search box.

التدخل الأجنبي في تاخير تشكيل الحكومة وتأثيرتها الاقتصادية على العراق

التدخل الأجنبي في تاخير تشكيل الحكومة وتأثيرتها الاقتصادية على العراق

في2018/5/12، توجه الجمهور العراقي للتصويت في الانتخابات البرلمانية في جميع أنحاء البلاد، وتم لاختيار أعضاء “مجلس النواب” الذي يضم 328 مقعداً لفترة الأربع سنوات المقبلة. أسفر عنها ما حدث من إعلان إعادة الفرز اليدوي لنحو 10% من أصوات الناخبين، وذلك بعد قبول المحكمة الاتحادية التعديل الثالث لقانون الانتخابات الذي أقره البرلمان العراقي، كنتيجة لطعن عدد من النواب على الانتخابات.

وفي هذا الإطار، أعلن مجلس المفوضين المنتدب في البلاد يوم الخميس الموافق 10 أغسطس 2018 قيامه بإرسال النتائج النهائية إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليه بعد الانتهاء من النظر في الطعون المقدمة، وجاءت نتائج إعادة الفرز في 13 محافظة متطابقة مع مثيلاتها الإلكترونية، ولم يحدث تغيير سوى بحق 3 من المرشحين داخل جهة سياسية واحدة، إلى جانب تغيير واحد في مقاعد بغداد، انتقل على إثره مُرشح من تحالف بغداد إلى تحالف الفتح.

ويعني ما سبق أن الكتل السياسية الفائزة احتفظت بمقاعدها، فتحالف سائرون بقيادة مقتدى الصدر لايزال مُتصدر المشهد بنحو 54 من المقاعد، ثم ائتلاف الفتح بقيادة هادي العامري في المرتبة الثانية بحوالي 48 مقعداً، تلاه كتلة النصر بزعامة حيدر العبادي بنحو 42 مقعداً، ثم تيار الحكمة بحوالي 20 مقعد

وبعد ذلك بداية عملية مساومات لها نفس القدر من التأثير والتبعات، وهي أخذ تشكيل الحكومة القادمة بعيداً عن أعين الجمهور وتجميعها خلف الأبواب المغلقة. وقد يكون دور واشنطن في عملية تشكيل الحكومة بنفس القدر من البناء والفعالية، لكنه يمثل تحدياً أكثر صعوبة بكثير. وفي الواقع أن طريقة استجابة التدخل الأجنبي عقب الانتخابات يمكن أن تضع الأساس لشكل العلاقات الثنائية طوال فترة ولاية الحكومة المقبلة.

إن عملية تشكيل الحكومات في العراق أصبحت مطولة ويكتنفها التعقيد. فقد استغرق اعتماد نتائج الانتخابات ثمانية أسابيع في عام2018 .
واليوم، بعض الكتل العراقية عمدة الىً مطالبة تأجيل الجلسة الافتتاحية للبرلمان “مفتوحة” من الناحية الفنية لعدة أسابيع التي دعا إليه معصوم من أجل كسب الوقت للتفاوض. . وفي كلتا الحالتين، فإن قِطع الدومينو التي تم تنظيمها بشق الأنفس سقطت في تتابع سريع، بما في ذلك التصديق البطيئ لنتائج الإنتخابات.

تشكيل الكتل الأكبر

ويمكن أن يمضي اختيار رئيس الوزراء بواحدة من طريقتين عقب انتخابات جلسة31/8/2018 ، سوف تجتمع الأحزاب الشيعية سراً للتفاوض على من سيصبح رئيس الوزراء المقبل، مع معاملة الكتل الأخرى على أنها أطراف ثانوية في اختيار رئيس الوزراء يمكن دمجها في الاتفاق بعد التوصل إليه. وكبديل لذلك، يستطيع رئيس الوزراء الحالي حيدرالعبادي وخصومه من الشيعة السعي إلى حشد أكبر عدد ممكن من المقاعد من التكتلات غير الشيعية من أجل خلق مركز الدعم الأكبر قبل قيام زعماء الكتلة الاكبر بتسمية رئيس الوزراء المكلف. وسوف يمثِّل هذا المسار الثاني نقطة تراجع تاريخية في التضامن الشيعي الكُلي، وهي نتيجة عملت الأحزاب الشيعية والمؤسسة الدينية الشيعية بجد من أجل تجنبها منذ عام 2003.، ويؤكد تحالف “سائرون” – الحاصل على أكبر عدد من المقاعد وإن لم تكن أغلبية – أنه متمسك بالنقاط الأربعين التي وردت في بيان مقتدى الصدر، والمتعلقة بطبيعة عمل برنامج الحكومة، منها أن يكون رئيس الوزراء المُكلف مستقل في قرارته، وتتكون الحكومة من وزراء تكنوقراط، ولا يتم تحديد المناصب الحكومية على أساس المحاصصة، ومحاربة الفاسد القابع في كل أرجاء الدولة.

على صعيد أخر، تتزايد التفاهمات بين “سائرون” وتيار “الحكمة” والوطنية” و”النصر”، في ضوء تقارب وجهات النظر بينهم، وهو ما تأكد في تصريحات عدد من قيادات تلك الأطراف أن تشكيل الكتلة الأكبر سيكون من بينهم، بشرط الالتزام بالنقاط التي وضعها الصدر، وإلا ستتحول سائرون صوب المعارضة.

بالإضافة إلى ذلك، نجد أن زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي عقد اجتماع مع زعيمي “القرار العراقي” أسامة النجيفي ثم تحالف “الفتح” هادي العامري للتشاور حول تشكيل الكتلة الكبرى، إلى جانب التقارب الملحوظ بين المالكي وفالح الفياض عضو ائتلاف “النصر”، بما يُشير إلى حدوث انقسامات داخل “النصر”.

ما سبق يُشير إلى وجود معسكرين كبيرين داخل البيت الشيعي العراقي يتنافسان على تكوين الكتلة الكبرى داخل البرلمان للظفر بمقعد رئيس الحكومة، أحدهما يتزعمه المالكي والعامري، والأخر مقتدى الصدر والعبادي وعمار الحكيم، ويتوقف مستقبل كلا التحالفين على قدرتهم لجذب أكبر عدد من الكتل الأخرى كالأحزاب السنية والكردية، فضلاً عن قدرتهم لمنع حدوث انشقاقات داخلهم، في ضوء تصاعد الحديث عن حدوث صفقة بين معسكر المالكي والفياض، تقتضي انسحاب الفياض من ائتلاف العبادي وانضمامه لتكتل المالكي، في مقابل حصوله على منصب رئيس الوزراء
ويتزامن ذلك المخاض العسر للحكومة الجديدة مع أجواء مضطربة تعيشها العراق داخلياً وخارجياً، فلاتزال تظاهرات الجنوب العراقي التي اندلعت في البصرة يوليو الماضي للمطالبة بتحسين الخدمات والمرافق مستمرة، وبالرغم من تعهد الحكومة بالقيام بمجموعة من الاصلاحات لحل الأزمة، فإن أي منها لم يحدث. وهو ما دفع زعيم سائرون مقتدى الصدر للتهديد باللجوء للمعارضة في حال لم تتحقق مطالب المتظاهرين

ليس خفياٌ عن الأنظار أن العامل الخارجي يلعب دوراً هاماً في السياسة العراقية، وأزمة تشكيل الحكومة العراقية الحالية ليست إلا نقطة كاشفة عن عمق التدخلات الأجنبية في هذا البلد، أو بمعني أدق أن الساحة العراقية ما هي إلا مجال للصراع بين القوى الاقليمية والدولية وعلى رأسها بعض القوى الإقليمية وواشنطن.
.

لقد سعت بعض الأحزاب العراقية السنية عادة إلى استجداء القوى الخارجية – مثل الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج – لدعم فرصها أثناء تشكيل الحكومة. وفي هذا الصدد فإن الفترات مابعد انتخابات 2018 توفر الكثير من الدروس التي يمكن أن تساعد واشنطن على تعظيم آمالها في المشاركة البناءة بعد الانتخابات المقبلة.
. ، لعب مبعوث الأمريكي دوراً محورياً في اختيار ودعم العبادي بصفته مرشح الكتلة الشيعية ليصبح رئيس الوزراء، وتتزايد احتمالات صحة الأنباء التي ترددت حول ترشح فالح الفياض لمنصب رئاسة الوزراء اعتماداً على تفاهمات بين ائتلاف دولة القانون والفتح ، خاصة أن إيران ترفض ترشح العبادي لولاية ثانية بعد موقفه من الالتزام بالعقوبات الأمريكية عليها، وتشترط بعض الأطراف السنية والكردية للموافقة على ذلك ضمان حصول مرشحيهما على منصبي رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، مع توزيع الحقائب الوزارية فيما بينهم. وضع أمريكا باعتبارها قوة استشاري الأساسية. وكانت واشنطن ، حيث انتظرت نتيجة المفاوضات بين الكتل الشيعية التي لم يبرز منها أي بديل للعبادي . وقد ركّز المسوؤلون الأمريكيون على السعي إلى تحقيق نذر يسير من الشمولية في تشكيل الحكومة. ، بدت واشنطن وكأنها لاتتخلى عن العبادي، بخلقها انطباعاً دائماً بأن الحكومة الأمريكية تدعمه بشكل ثابت لا يتأرجح.

واشنطن على الأرجح القوة الخارجية الأكثر تأثيراً أثناء تشكيل الحكومة ونقاط الارتكاز الأخرى في التاريخ السياسي الحديث للعراق. على سبيل المثال، أدى التأثير الأمريكي على الكتل السياسية إلى تقويض محاولة حيدر العبادي الاحتفاظ برئاسة الوزراء ووضع الأساس لإعادة تعيين العبادي من جديد شجعت واشنطن من اجل إعادة تعيين الرئيس جمهورية كردي أثناء تجمع الكتل الشيعية عراقية في إيران ؛ وقد حصدت لاحقاً نتيجة ذلك من خلال توجيه الكردي بأن يعمل على تعطيل التصويت بعدم الثقة ضد مرشح أمريكي المفضل العبادي في تحديد الجلسة البرلمان القادمة.

بيد أن قدرة واشنطن فقدت درجة من النفوذ على زعماء السياسين الشيعة رئيسي في تلك المرحلة. وفي المفاوضات الأخيرة بشأن التشكيل الذي تأخر كثيراً لـ “حكومة إقليم كردستان”، يبدو أن وواشنطن فشلت في كسب دور أكبر لفصيلها المفضل، “الاتحاد الوطني الكردستاني”. ولا يزال دور أمريكا قوياً إلا أن الأحداث الجارية في سوريا وارتباط أمريكا القوي بالعبادي قد أضعفه، لذا فإن تأثير الجمهورية إيران الإسلامية على تشكيل قيادة العراق المقبلة قد يواجه صراعاً أكثر حدة وصعوبة عما كان عليه الوضع في الماضي. تاثير الخليحي عندما يتعلق الأمر بالتأثير على الشؤون السياسية العراقية، فإن دور الدول ذات الأغلبية السنية يقتصر على المسائل الثانوية المتمثلة في الشؤون السياسية بين فصائل السنة والأكراد. ، زعماء الكتل السنية” القومية ذات الأغلبية السُنية، المفضلة على تركيا، على قدم المساواة مع “ائتلاف النصر” بقيادة العبادي إلى حين توطد دعم الشيعة للعبادي. وقد سعت أنقرة بجد وفشلت في تقويض إعادة تعيين العبادي، مما أفسد العلاقات مع الحكومة العراقية الجديدة. ويمثل ذلك الإخفاق رسالة تحذير واضحة ضد محاولة اختيار فائز في ظل غياب سيطرة قوية على النتيجة.

انتخابات الحالي التي هي أول انتخابات وطنية بعد داعش في العراق – اختباراً حساساً ليس فقط للديمقراطية العراقية، ولكن للعلاقات بين الولايات المتحدة والعراق أيضاً. لقد تجنبت واشنطن بشكل واضح مساندة أي مرشح حتى الآن، ويجب أن تجعل هذا الموقف جلياً للعيان لأن النوايا والأفعال بل وعدم الأفعال الأمريكية عُرضة للتفسيرات الخاطئة.

وبعد كل ذلك، فإن الولايات المتحدة ستحسن التصرف لو أنها أعربت عن أن دعمها القيِّم في مكافحة الإرهاب – بما في ذلك التدابير المكثفة التي تشمل تنفيذ هجمات بواسطة المروحيات – لن يكون متاحاً سوى لحكومة تمارس باتساق مخططاً لمشاركة السلطة بين الأحزاب والأعراق المختلفة على نحو يتجاوز بكثير ما حدث خلال فترة ولاية العبادي الأولى. وخلال فترة تشكيل الحكومة التي ربما تطول لفترة تتراوح من ستة إلى تسعة أشهر، سيكون أمام واشنطن مهمة لا تُحسد عليها: دعم العراق في صراع يائس مع المقاتلين المتطرفين مع تحجيم ميول حكومة تصريف الأعمال تجاه ممارسة صلاحيات طارئة قد تعيق الانتقال السلمي وتزيد من تنفير المجتمعات السُنية في العراق وجميع أنحاء المنطقة.

يجب أن تظل الولايات المتحدة أيضاً منتبهة لاحتمالية تدهور العلاقات بين بغداد و “حكومة إقليم كردستان”. فعلى مدى الأشهر الستة الماضية عملت واشنطن بجد من أجل تقريب العبادي والأكراد نحو عقد اتفاق حول مشاركة إيرادات النفط، لكن تلك العملية انهارت وتعثرت بسبب محاولات كسب جمهور الناخبين في بغداد. وفي أعقاب تصويت على ميزانية 2018، والتي تتضمن نصوصاً تبين قدرة الحكومة الفدرالية على قطع المخصصات المالية لـ “حكومة إقليم كردستان”. إن الموافقة على ميزانية من أي نوع يمثل أولوية لجميع الأحزاب العراقية العراقية، لكن استبعاد النصوص المناهضة للأكراد سوف يخلق قوة دافعة يمكن أن تستمر إلى عملية تشكيل الحكومة. ووفقاً لذلك، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين في العراق أن يركزوا جهودهم بعد الانتخابات على توجيه تدفقات النفط الكردية عبر نظام الصادرات الفيدرالي واستعادة تحويلات بغداد المالية إلى “حكومة إقليم كردستان”.

وقد مضت أسابيع مرّت على مشاورات تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات وحتى الساعة تعوق الخلافات على الحصص الوزارية تشكيلها. هذا الواقع يُعقّد وضع المالية العامّة ويُنذر بخسائر قد تصل إلى عدّة ملايين من الدولارات إضافة إلى إرتفاع عجز الموازنة.
وفي التأثير تأخير تشكيل الحكومة العراقية على الاقتصاد العراقي
تُظهر البيانات التاريخية لأسعار سندات الخزينة ، أن أسعار سندات الخزينة 5 سنوات تتأثر كثيرًا بالأحداث السياسية والتي تتأثر بشكل كبير بالأحداث السياسية. هذا يعني باللغة الإقتصادية، أن الأسواق مُستعدّة لتمويل عجز الدوّلة وحاجتها للأموال على الأمد القصير إلى المُتوسّط ولكن ليس البعيد. والمُلفت في الأمر أن سندات الخزينة سنة، تتأثر كثيراً بالأحداث التي تاخير تشكيل الحكومة 2014 .

هذا الأمر يعني أن الأسواق المالية تستخدم الحكومة وعملها كمؤشر أساسي في بلد يفرض دستوره أن تُتخّذ القرارات في مجلس الوزراء من هنا تربط الأسواق أي عمل إستثماري بمدى توافق الفرقاء السياسيين الذي يُتوّج عادة بعمل حكومي مُنتظم وخال من العراقيل.

يعمد الكثيرون إلى مزج البيئة الإقتصادية مع البيئة المالية والبيئة النقدية. هذا المزج يؤدّي إلى إستنتاجات خاطئة في ما يخصّ دراسة تداعيات تعطيل العمل الحكومي إن من خلال عدم القدرة على تشكيل الحكومة أو من خلال الخلافات التي قد تطال عملها.

البيئة الإقتصادية العراقية تحوي النشاط الإقتصادي من عمليات تجارية وكل ما يدور في فلكها، في حين أن البيئة المالية تحوي المالية العامّة وما يواكبها من عجز ودين عام. أما البيئة النقدية فأنها تحوي الشق المُتعلّق بالعملة من سعر صرف، سعر فائدة، إحتياط ونظام البنكي
هذه البيئات تعمل بشكل مُستقل ولكن هناك قنوات تؤثر من خلالها كل بيئة على البيئتين الأخريين. هذه القنوات عددها ثلاثة وهي: ميزان المدفوعات، عجز الموازنة، وسعر الفائدة.

ميزان المدفوعات هو عبارة عن معادلة حسابية تنصّ على جمع الحساب الجاري، الحساب المالي وحساب رأس المال. الحساب الجاري يحوي على التبادل التجاري بين لبنان والعالم ويشمل تبادل السلع والخدمات، ويتم حسابه من خلال الفارق بين الصادرات والواردات. ويُضاف إلى هذا الحساب الإستثمارات وتحويل الأموال ، كما وتحاويل الأموال التي تأتي من الهبات.

الحساب المالي وحساب رأس المال يحوي على تدفقات رأس المال بين البلد وباقي الدول حيث تنقسم هذه التدفقات إلى أربعة أنواع: الإستثمارات الأجنبية المباشرة، المحافظ الإستثمارية، المُشتقات المالية، والإحتياطات من الأصول الأجنبية والذهب التي هي في عهدة البنك المركزي.

الحفاظ على توازن ميزان المدفوعات (أي بقيمة صفر) هو هدف إقتصادي يجب أن يكون من صلب إهتمامات الحكومة ولكن أيضًا من إهتمامات المصرف المركزي. وبالتالي، فإن هذا المؤشر يُمكن إعتباره مؤشرا أساسيا لعمل البيئات الثلاث.

في العراق المُشكلة الأساسية هي في الحساب الجاري الذي يُسجّل عجزًا هائلًا ومُزمنًا.

وبما أنه من المفروض زيادة الإستثمارات في الآلة الإقتصادية العراقي لتعويض هذا العجز، نرى أن عجز الموازنة الناتج عن الإفراط في الإنفاق وضعف المداخيل من الضرائب على نشاط إقتصادي ضعيف، لا يسمح بتمويل أيّة إستثمارات من قبل الدوّلة. وعلى العكس ما يقوم به مصرف العراق لتعويض هذا العجز هو رفع الإحتياطي من العملات الأجنبية وجذب رؤوس الأموال من الخارج
هذا الوضع غير الطبيعي لا يُمكن الإستمرار به والسبب يعود إلى العوامل زيادة الدين العام الناتج عن العجز المُزمن في الموازنة والذي بدأ يتحوّل ميكانيكيًا إلى دين عام. هذه الزيادة في الدين العام ترفع من خدمته وتؤدّي إلى تراجع تصنيف العراق الإئتماني مما يعني إلزامية رفع الفائدة للإستمرار بجذب رؤوس الأموال.و عجز الموازنة يؤدّي حكما إلى تراجع قدرة الدولة على الإستثمار وبالتالي ومع الوضع الحالي فإن المداخيل من الضرائب لا تكفي لتغطية الإنفاق العام وخدمة الدين العام وذلك بحكم تراجع النشاط الإقتصادي. وحتى فرضية زيادة الضرائب كما ينصح صندوق النقد الدولي، هناك إستحالة لرفعها بدون أن يكون هناك تحفيز للنشاط الإقتصادي لأن الضرائب هي على هذا الأخير.و عجز الموازنة وكما سبق الذكر، سيؤدّي إلى تردّي تصنيف العراق الإئتماني ومعه سترتفع الفوائد بما يعني إستحالة الإستدانة بهدف الإستثمار نظرًا للكلفة التي سترتفع. أضف إلى ذلك، حاجة الدولة إلى الإستدانة في الأسواق تجعلها تتنافس والقطاع الخاص على الأموال من خلال رفع الفوائد على سندات الخزينة وهذا الأمر يحرم القطاع الخاص من الأموال بهدف الإستثمار.

من هذا المُنطلق، نرى أن الحلقة الأضعف بين البيئات الثلاث الآنفة الذكر هي البيئة المالية أي المالية العامّة والتي بتردّيها يومًا بعد يوم تُضعف معها البيئتين الأخريين. كما أن أسعار سندات الخزينة الطويلة الأمد والتي تتأثر بالتخبّط السياسي تمنع أي تمويل بهدف الإستثمار. لذا نرى أن كل تأخر في تشكيل الحكومة له تداعيات سلبية على: المالية العامّة بالدرجة الأولى ومعها تردّي في البيئتين الإقتصادية والنقدية بحكم الآليات الآنفة الذكر.والآلة الإقتصادية بحكم أن الأسواق المالية تُصنّف الحكومة وعملها كمؤشر أساسي للتمويل على الأمد البعيد وهو ما يتطلّبه الإستثمار.

وتُشير حساباتنا إلى قيمة الخسائر المُباشرة وغير المُباشرة لتأخر تشكيل الحكومة قد تصل إلى حدود الـ لملايين الدولارات أميركي إذا لم تُشكّل الحكومة قبل نهاية شهر آب.وبالتالي تشجيع الإستدانة بهدف تمويل الإستثمارات.

الخاتمة

لا تشير المعلومات المتوفرة ولا التصريحات المعلنة بان تشكيل الحكومة العراقية اصبح احتمالا قريبا، بل هناك ما ينبيء بان تشكيل هذه الحكومة العتيدة ما زال بعيدا، فهو يصطدم بعوائق كبيرة جدا، منها اختلاف الكتل حول تفسير المادة الدستورية التي تتعلق باحقية الكتلة المسؤولة عن تشكيل الحكومة، ومنها الصراع المرير بين الكتل حول مرشحها لشغل منصب رئاسة الورزاء، ومنها التطاحن بين صناع القرار السياسي داخل الكتلة الواحدة حول استحقاق ذات المنصب، فضلا عن تعارض الارادات الاقليمية في ذات الموضوع، والعراق اليوم نهب هذه الصراعات.
تأخُّر تشكيل الحكومة لا يصب في صالح العراق بشكل عام، والجميع يعلم ذلك، ولكن يبدو أن مصلحة الحزب أو الشخص أو الطائفة فوق مصلحة الجميع، المحللون يرون أن تأخُّر هذه الكتل في تشكيل الحكومة سوف يضاعف من تداعيات التجاذب الطائفي والعنصري في البلد، كما أنه سوف يقوِّي من دور العشائرية اكثر، ويرسخها أعمق، مما يساهم في ازدياد فرص ومجالات تمزيق اللحمة المدينية، حيث يضطر الناس الى اللجوء أكثر لعشائرهم لمعالجة مشاكلهم وحماية حقوقهم وفض خصوماتهم، وهو أمر طبيعي، لان غياب الحكومة يسبب فراغا امنيا وقضائيا واداريا، فيضطر المواطن لاكتشاف البديل الذي يسير له امور حياته وشؤون يومه، ومن العواقب المخيفة التي يمكن ان تترتب على هذا التاخير هو ازدياد نزعة الانفصال القومي والطائفي في البلد، فمن المعلوم أن العراق يعاني من شبه انقسام اثني وطائفي، وليس من شك أ ن غياب الحكومة يسبب مزيدا من شحن هذه النزعة ويساعد على تبلورها حاجة ماسة، تفرضها الظروف القائمة، ومن الصعب القول بأن صناع القرار السياسي العراقي لا يعرفون او يفقهون هذه الحقيقة المرة.
تأخُّر تشكيل الحكومة من شانه توسيع شقة الخلافات بين الكتل الفائزة، بل من شانه أيضا أن يخلق خلافات جديدة داخل الائتلاف الواحد، وبالتالي، تتضاعف وتتزايد التناقضات بين الكيانات السياسية وفي داخلها أيضا، أي يتوفر المزيد من فرص الفوضى السياسية، وما يمكن أن يلحق بذلك من فوضى امنية، وفوضى ادارية وفوضى اقتصادية!
الدول الاقليمية التي لها أجندة كبيرة ومؤثرة في العراق سوف تتوفر على فرص مواتية أكثر على تقوية نفوذها داخل البلد، فإن الفراغ السياسي في اي بلد يمكن الجوار من مليء هذا الفراغ، فكيف إذا كان لهذه الدول نفوذ طاغ ومؤثر مسبقا؟
ليس من شك أن تأخُّر تشكيل الحكومة يخلق علاقة سلبية بين الناس والكثير من صناع القرار السياسي، خاصة المتصدين للعملية السياسية مباشرة، أن الشعب العراقي كله يتطلع الى الاسراع في تشكيل حكومته، خاصة بعد ذلك الاقبال الجيد على الانتخابات، حيث كانت العملية محفوفة بالمخاطر الكبيرة.
ان استقرار العراق مدخل لاستقرار المنطقة، أو هو احد المداخل الى استقرار المنطقة، وتأخير تشكيل الحكومة العراقية مهما كان لونها أو نكهتها، وبناء على ذلك، يكون التعجيل بتشكيل هذه الحكومة مطلب اقليمي، مطلب كل شعوب المنطقة، فهل يعقلون؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات