جاء في العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي ج7 ص16 :
” غنّى رجل في المسجد الحرام وهو مُسْتَلْقٍ على قفاهُ صوتاً ، ورجلٌ من قريش يصلي في جواره ،
فسمعه خُدّام المسجد فقالوا :
ياعدو الله
تغني في المسجد الحرام !
ورفعوه الى صاحب الشرطة ، فتجوز القرشيّ في صلاته ، ثم سلم واتبعه ،فقال لصاحب الشرطة :
كذبوا عليه أصلحك الله ، انما كان يقرأ
فقال :
أتأتوني برجل قرأ القرأن ، تزعمون أنّه غنّى ،
خلو سبيله ،
فلمّا خلوه قال له القرشي :
والله لولا أنك أحسنتَ ، وأجدت ما شهدتُ لكَ ، اذهب راشداً “
من الواضح أنّ المسجد الحرام ليس مكاناً للغناء، فهو مهوى القلوب الخاشعة ، والنفوس الصافية المتبتلة ، وهو حَرَم الله الذي جعله مثابةً للناس .
ومن هنا ترى فيه الناس بين راكع وساجد ، وقائم وقاعد ، وترى المؤمنين يطوفون حول البيت ، تغمرهم أجواء الايمان ، وتملأ نفوسَهم نفحاتُه المتميزة بنكتها الفريدة …
والسؤال الآن :
ما معنى الغناء في المسجد الحرام وما هي دلالاته ؟
انه عمل شائن قبيح ،وخروج صريح على كل اللياقات والمواضعات العبادية والاجتماعية
وانه استهانة بحرمة البيت ومكانته وقدسيته ، ومن هنا سيق المغني مَخْفُوراً الى الشرطة لينال ما يستحق .
أما الذين أخذوه الى الشرطة، فهم خَدمُ في المسجد الحرام ، وعزَّ عليهم ان يخترق المغني الخطوط الحمراء كلها …
أما القرشيّ الذي سارع الى اتمام صلاته، وذهب الى صاحب الشرطة ليقول له :
كذبوا عليه ..!!
انما كان يقرأ ..!!
وصدّقه صاحب الشرطة ، فأطْلَقَ سراح المغنيّ ، ووبّخ من جاء بالمغني اليه ، فهو تماماً ،كاولئك الذين يسارعون للدفاع عن منتهكي الحرمات – وما أكثرهم في العراق الجديد – ويحولون دون ايقاع العقاب بالمفسدين .
انهم بَدَلَ ان يكونوا حماةً للقوانين والموازين ، ينطلقون من حزبيّة ضيّقة ، أو قصْدٍ سيء، لايحسب اي حساب للوطن والمواطنين ، فيدافعون عن صاحبهم المسيء ويدفعون به الى حيث يفلت من العقاب ، في اختراق صريح واضح لكل القيم والأعراف الشرعية والقانونية والاجتماعية والاخلاقية والحضارية …
هل أتاك نبأ (مستشار) رئيس الحكومة الذين سارع الى إعاقة تنفيذ أحكام الإعدام بجملة من عتاة المجرمين ؟
ثم كان بعد ذلك ما كان …؟!
بايّ حقٍ يتدخل هذا (المستشار)، في أمرّ لايحق لأحد التدخل فيه ، بعد صدور الأحكام القضائية والمراسيم الجمهورية ؟!!
أليس هذا التدخل انحيازاً لصالح الارهاب والارهابيين على حساب العدل والحق الامن الوطني ؟
ونحن لاندري ، بعد ان كُشفت القضية بكل تفاصيلها في الإعلام ، ماهو الاجراء الذي اتخذ بحقه ؟ :
هل هو حتى الآن ، يحمل صفة المستشار لرئيس الحكومة ، ويباشر مهام عمله وكأنَّ شيئاً لم يكن ؟
أم أنه أحيل الى القضاء ليقول كلمته فيه ؟
ان الموقف غامض .
ولم يصدر اي بيان حكومي حول القضية يوضح الصورة للمواطنين العراقيين ، الذين أفزعهم توالي التدخلات اللامشروعة من قبل هذا المستشار وأضرابه ….
وأخيراً :
فان الفوارق لكبيرة جداً ، بين من يخترق – لجهلٍ أو حماقة – قواعد اللياقة، من دون ان يُسبّب ازهاقاً لروح ، ولا عدوانا على انسان بعينه ، ولم ينتهب أموال الناس ، وبين من يسعى لانقاذ المجرمين السفاحين الوالِغين في الدماء من حبل المشنقة !!
وما هو سر السعيّ لانقاذهم ، أهو الاستهانة بدماء الشهداء والاستخفاف بحرمات المواطنين ؟
أم هي الضعة والانبطاح أمام اغراءات المال الحرام الذي يدفعه الأوغاد لمن يسعى لانقاذهم ؟
أم ان هناك صفقة مجهولة الأغراض والابعاد ، حملت المستشار لارتكاب هذا العار ؟
اننا في حيرة واضطراب مما آلت اليه الأوضاع في البلاد .
ولا نستطيع ان نلوذ بالصمت لان الساكت عن الحق شيطان أخرس
ألا هل بلّغت ؟
اللهم أشهد .