مجتمعاتنا تتدحرج بتعجيل متسارع نحو الأسوأ , ولا تمتلك القدرة على الخروج من دوامة الدوائر السيئة المفرغة الدوران , فاللاحق يجب أن يكون أسوأ من السابق , وهكذا دواليك , ولابد من التحرر من هذا السلوك الإتلافي المدمر للنسل والحرث , والماحق للبلاد والعباد , وإعتبار كل شيئ في ترابنا وفوقه غنيمة مشاعة للطامعين , بعد أن تأنفلت مقدراتنا , وتغلغل السوء في أحشائنا , وهيمن على أدمغتنا , وصادر قدراتنا النفسية والروحية , وحولنا إلى أجيج لا يعرف الحياة , ويسعى لصناعة الدخان والتحول إلى رماد.
مسيرة قرن وربع تبرهن على طاقة التدحرج الكامنة فينا , والتي تقودنا من معضلة إلى أعقد منها , وما تمكنت أنظمة حكمنا من حل مشكلة من مشاكلها , ففتحت الأبواب للأغراب للإستثمار فيها وتضخيمها وتوليدها مشكلات لا تنتهي , لتأمين مصالحهم وتحقيق أهدافهم وتطويرها.
منذ سقوط بغداد عام 1258 وإلى اليوم , والأمة بكياناتها المتنوعة في مسيرات إنكسار وتداعيات ما إستطاعت الإنتصار عليها , وكأنها عقد وانفرطت حباته , وتحولت إلى نثار , لا يعرف التقارب والإنتظام في خيط إعتصام جامع , يقيها من النكبات.
لا تزال تلك المأساة لها آثارها ومعطياتها السلبية على حياة الأجيال التي تجترها بألم وحسرة , وتنوء بثقل تأثيرها الماحق على وجودها , وحقيقة جوهرها الحضاري والإنساني.
الأمة تمزقت وما إلتأمت , واستثمر الطامعون بما تعانيه , ودرسوا نفسها وعرفوا مواطن ضعفها , وما يستوجب عليهم القيام به لإدامة إفتراسها وتقطيعها إربا إربا.
والمشكلة أن سياسات تغفيل الأجيال وتنويمهم تأتي أوكلها , وتساهم في الخداع والتضليل والتمكن من القبض على المصير , ومصادرة الحاضر والمستقبل , ودفع المواطنين إلى السجير.
فهل سيأتي جيل قادر على إستنهاض الأمة , وإشاعة اليقظة وتنبيه الناس على أن مصيرهم في خطر وأمتهم تنتظر الأمَر , من المآسي وما يفعل فيها ضعف البصيرة وقصر النظر؟
مزّقوها أمة في محتضرْ
كلّ ما فيها كلامٌ مختصرْ
فعلها صمتٌ عجيبٌ ما أضرْ
فلماذا لا يوافيها الخطرْ
قطعوا رأس وجودٍ زاهرٍ
فأناختْ تحتَ أحمالِ الحجرْ