لا زالت عالقة في ذاكرتي لليوم ومنذ الطفولة, تلك الفجوات المظلمة ذات الإيقاع المنتظم “المثيرة للرعب” يزيدها رعبًا أكثر هذا الانتظام! في تلك السنوات الأولى من عمري ,والمثيرة للفزع بما تجمّعه منها نظراتي البريئة المستفزّة من أيّ مبهم ,وبالأخص عندما كان يدفعني الفضول لأحدّق من بعيد بذلك السكون المخيف الّذي تحويه تلك الفجوات ,تلك الفجوات المختلفة الحجوم الّتي تسكنها تلك الفراغات المتوزّعة خارج وداخل مقامات “الأئمّة” والأضرحة وما تتركه في نفسي مع كلّ زيارة يتمّ اصطحابي إليها في تلك السنوات البعيدة من العمر سيول من الوساوس ومن الهواجس المقلقة جدًّا لعمر غضّ ,ودائمًا ما يعقبها بعد أن تهدأ لديّ تلك المُقلقات النفسيّة عدّة استفسارات أكثرها إلحاحًا ذلك الصمت الّذي يسود ذلك “المكان الرهيب” المعبّأ بالتجاويف المختلفة الحجوم والأشكال الممتلأ بوخمة إفرازات من أنفاس وعرق تنزّ من ملابس “الزوّار” ومن وخم المكان, ذلك السكون الّذي يملأ ذلك المكان “المتمتم” المستطيل الأضلاع الّذي تحيط بفراغه المسكون بالهواجس داخل تجويف مستطيل الشكل هو الآخر “موحش” و “مخيف” مستطيل أيضًا, لا يقطع صمته المسكون سوى هزّات ريَش مراوح الضريح السقفيّة وونين ماكنتها المحرّكة لها وصدى دعوات الاستغاثة بين آونة وأخرى ودعوات “الگيّم” بصوته الجهوري يصيح بين آونة وأخرى أيضًا: “رحمللّه والديه الزار وخفّف” ..لم أجد لتلك الاستفسارات طيلة سنوات عمري جوابًا واحدًا شافيًا لذلك السكون المفتعل المحفوظ بين جدران المقام وبين أجساد الزوّار المتراصّة؛ والّذي كثيرًا ما يترك آثار مدمّرة تسكن حيّزًا واسعًا من ذهني المتعب بوساوسها تتجمهر في داخله كشيء أشبه بزحام مضطرب رماديّ اللون يطوّقني عند أوقات النوم يقلّبني على سريري ذات الشمال وذات اليمين ..
وساوس تترى تشتبك مع صور لتلك التجاويف المقبّبة بذلك المكان “المفزع” ما بين تجويف القبر “الضريح” وما بين تجويفات القباب وتجويفات المقرنصات الصغيرة المزجّجة المشاكسة لانعكاسات ضوء مصابيح وثريّات الممرّ الواسع حول الضريح يلهب حماسي للفرار من السرير مستنجدًا من ضغوط شديدة لهستيريا تثير خيالي بمخلوقات قد تكن لها علاقة بعالم غيبي ربّما تعايشت معه قبل إتمام تخلّقي وأنا لا زلت داخل الرحم! لا زال يلازمني بسنوات عمري الطفولي ذاك ,خيال ملحّ لا قدرة لي فيه لتفسير تلك الفراغات الموحشة المعتمة تكاد تبتلع المكان ليسكن وسط تلك التجاويف صغيرها وكبيرها المفترض مقتطعة أشكالها من شكل سماء ابن الصحراء بقبّته الشاسعة يحدّد بُعد أفقها الدائريّ المترامي الأطراف مدى رؤية العين المجرّدة ؛حشود من شاكلة أولئك الزوّار وقد ملئوا جميع تلك التجاويف بهيئاتهم المزدحمة يتشكّلون بحسب مساحة كلّ نوع تجويف من تلك التجاويف يحشرون فيه, فإن كان تجويف صغير لمقرنصة فسيبدون داخله كنَمَش لأشكال مزدحمة متفاوتة حجم الدقّة كجسد أثيري بدا يتكثّف, وإن كان التجويف كبير بحجم قبّة الضريح فيكبرون بحجمه! تشويهات لا نهاية لها ,أفسّرها الآن على أنّها هي المكوّن الرئيسي للوساوس تبدأ مع مراحل الطفولة في مجتمعات تحمل منبتات هذا الموروث المصنّع داخل مصانع التخويف والإرهاب, أو هي ملازمة عند ابن الصحراء الّذي لابدّ وكان يعاني “قبل الإسلام في لا وعيه بما تركت آثارها على معماره بعد الإسلام” من تجويف كبير من الوساوس هي قبّة الصحراء الطبيعيّة الّتي لا تنتهي داخل سقفها أعداد من نثّار من نجوم لا تنتهي دقيقها وكبيرها تبدو أحيانًا وسط قبّة الصحراء السوداء كأنّها عمليّة تكوّن لشكل ما بدا هو الآخر يتكثّف!, قد يكون عمليّة تكثّف لجسد الإله أو لآلهة؟ هكذا لابدّ ويخرج عابر الصحراء مستنتجًا بمثل هذا الانطباع ,يجلس الموسوس يستريح لينام يتوسّع التجويف ,ينهض مفزوعًا يصغر التجويف! ..برأيي جميع الزوّار وجميع المتديّنون, وإن كابروا وإن أنكروا ,يسكنهم ذات الهواجس الطفوليّة لتلك التجاويف من الّتي نقل صورها حتمًا الأجداد سجّلوها من حيث لا يشعرون انعكاسات نفسيّة “تقرنصت” مع مرور الزمن.. دفعني لاستفزاز ذاكرتي بهذا الكمّ من الزخّ المسجّل للماضي البعيد أستعرضه بكلّ آلامه المتنافرة الألوان الّتي أصبحت ألوانها أشبه بلون رماد ,ما فاجأ الكثيرون مؤخّرًا عن تقرير ظهر قبل ثلاثة أيّام ,مقتضب ومصوّر ,يظهر فيه قبّة كبيرة الحجم مذهّبة وواسعة خمّنت من هذه الصور مساحة نصف قطرها من أسفل محيطها بما لا يقلّ عن ثلاثون مترًا, يحيط بها من أربعة أركان أربعة مآذن بمسافات متباعدة تفوق بين مئذنتين المئة متر وبين مأذنة وأخرى بخمسة وسبعون مترًا طُليت القبّة من خارجها وكذلك المآذن بماء الذهب كما هو واضح ,وبمعمار يجمع ما بين طرازين معماريين, الطراز السلجوقي وبين الطراز الصفوي وبمساحة مستطيلة لصحن واسع لا تقلّ أبعاده عن أربعمائة متر مضروبة بثلاثمائة متر ..لا أطيل.. المفاجئ في الأمر كلّه أنّ هذا البناء الضخم والغاية في الفخامة من داخله ومن خارجه هو ضريح “الإمام الخميني” وبتكلفة ملياري دولار فقط!.. يا ترى كم من الّذين يلازمهم الجوع من المسلمين لم ينالهم شيء من هذين المليارين من الدولارات أنفقت بفتوى من دين لأجل طمي جسد من طين جوهره جاء لسدّ جوع الفقرا؟ ..وكم من الملايين هم أولئك الّذين سيلازمهم الفزع من الأطفال من تردادهم على مثل هذه الأضرحة الباذخة! أفواجًا أفواجًا من طاقات معطّلة مليئة بالوساوس تتخرّج كلّ عام جاهزة للتعبّة الدمويّة!..