23 ديسمبر، 2024 8:44 م

التخلّف الأداري ..!!

التخلّف الأداري ..!!

إعتدنا وانتابتنا حالةُ إدمانٍ على تكرارِ سماعِ مصطلح > الفساد الأداري والمالي < طوال الأحدى عشر سنةٍ الماضية , وهذان الأعتياد والأدمان أدّيا لتعرّض وإصابة المسامع بالمللِ والقرفِ لهذه الحالة التي تستفحل وتستشري , والتي تبدو وكأنها شبه مستحيلة التوقّف او القضاء عليها … ولاريبَ ولا منْ شكٍّ أنَّ هذا الفساد الأداري والمالي يُقوّض الأمنَ من زواياً مختلفة ومتعدده , ويخرّب الأقتصاد ويهزّ اركان الدولة , بالأضافةِ الى انه يساعد ويُحفّز على إفساد الكثيرين ” او اقلّ من ذلك ” في المجتمع . ولسنا هنا بصددِ سردِ تفاصيلِ وجزئياتِ هذا الفساد وما يتضمّنه منْ عمولاتٍ مليونيةٍ , وجنيِ ارباحٍ بالحرام , والإضرار المتعمّد في اقتصاديات مؤسسات الدولة , وما يحويهِ منْ عقدِ صفقاتٍ مشبوهه , وإنشاءِ وتاسيسِ شركاتٍ وهميّه وما الى ذلك ممّا هو اكثرَ واكثرْ , فعلى الأقل فأنّهُ بلغَ حدّاً وصلَ الى التصفياتِ الجسدية …!!

وقَبلَ إنبثاقِ هذا المصطلح الفاسد والمفسد , فقد كُنّا جميعاً قد آمنّا او غدونا مرغمين لنؤمن بما وكأنّه من القضاءِ والقدر المخصّص للعراقيين في >الروتين الإداري < , وعِبرَ كافّة الحكومات اللائي تعاقبنَ على حُكمِ هذا البلد , ولربما منذ العهد الملكي … تعبيرُ او مصطلحُ ” الروتين الإداري ” هو الأقرب والأكثر التصاقاً بمفردة ” البيروقراطية ” وِفقاً للّغات المتفرّعة عن اللاّتينيّه , ولكن ليس بذات الدّقة للّغةِ العربية , وهذا ” الروتين الأداري ” هو النقيض المجسّم للتطوير والحداثة والإختزال , فضلاً عن انّه الجمود الفكري غير القابل للتفاعل مع العلوم والتقنيات ,

بل انّه صار تراثاً وكأننا لانستطيع الحياد عنه , وغدا وكأنه من المسلّمات غير القابلة للنقاش …
أمّا > التخلّف الإداري <وبقدر ما انّه القاسم المشترك بين المصطلحين السابقين , فهو ايضا التحجّر الفكري في عقولٍ تكادُ تغدو متصدّئه , وافضلُ ما يمكن توصيفه هو بعرض بعض الأمثلة الميدانية واليومية التي تهين كرامة الأنسان وتستفزّ اعصابه ومشاعره , وانّ اولى الدوائر الرسمية التي تُطبّق هذا ” التخلّف الفكري ” بكلِّ مهنيّةٍ واحتراف وبأمتنان ايضا , فهي المصارف الحكومية , فنرى المواطنين والمراجعين يصطفّون قبل الدوام الرسمي بالطابور الطويل , وما ان تبدأ لحظة الدوام ” والموظفون لمْ يكتمل عددهم بعد ” وثمّ حين يكتمل هذا النصاب .! فلا يُسمح لأيّ مواطنٍ بالدخول , ويُترك الطابور في حالةِ انتظارٍ وترقّب تحت حرارة واشعّة الشمس لنحوِ ساعةٍ من الزمن الذي لا يُحترم , وفي تلك الساعة من ” الوقت الضائع ” فهنالك البعض ممّن يبدأون بتناول الإفطاروارتشاف اكواب الشاي , حتى تطلُّ لحظة الفرج , فيتسابق العديد من المراجعين في الحصول على مكانٍ في الطوابير الجديدة داخل المصرف أمامَ اقسامِ السحب والأيداع والشؤون الأخرى , واذا ما صادفَ ” وهو ما يُصادفُ دوماً ” أن طلبَ احد المراجعين بفتحِ حسابٍ في هذا المصرف او ذاك , فأنّ ادارة البنك تطلب منه جلب كفيل .! حتى لو اراد ايداع مئات المليارات من الدنانير , وبعكسه فلا مكان ولا فتح حسابٍ له في هذا المصرف او غيره بدون الكفيل .! وهذه بالطبع حالةٌ شاذّة ينفرد بها العراق لوحده حين تعرقل المصارف دخول الأموال اليها , وسوف لن نسترسل هنا في الحديث أنّ اعداد الواقفين والمصطفّين في الطابور يفوق عدد الجالسين المنتظرين , ولا من حديثٍ هنا عن الوقت المهدور لأنجازِ اية معاملةٍ مصرفية , لكنّهُ من المفارقات أنّ المعاملات في البنوك هي الأسرع من غيرها في عدد من الدوائر الأخرى .! , أمّا المثال الثاني الذي اختيرَ ليُبيّن ويُجسّم مدى اضطهاد المواطن وإرهاقه فهي دائرة اصدار جوازات السفر , فالمراجعون يصطفّون خارج بوّابة هذه الدائرة ” زرافاتٍ – زرافاتْ ” ليس قبل بدء الدوام الرسمي فحسب فأنما منذ الصباح الباكر جدا , ولا يصل الدور للكثير منهم لتسليم معاملاتهم الى ” الشبّاك ” المخصص لذلك , حتى ينتصف النهار ويجتاز انتصافه , لكنه وللأمانة الصحفية فأنّ الضباط والعاملين في دائرة الجوازات ليس لهم من قصدٍ مُبَيّت في التسبب بهذا الأذى للمواطنين , لكنّ المسألةَ ترتبط بمن هو اعلى مرتبةً ودرجةً منهم في وزارة الداخلية .! , والى ذلك فتتشارك وتتقاسم دوائرٌ ومؤسسات رسمية اخرى في في التعذيب النفسي للمواطنين

عند مراجعتهم لها , كالمديرية العامة لشرطة المرور , ودائرة النفوس والأحوال المدنية , وتتضامن معها .! من خارج وزارة الداخلية , دوائر الضريبة التي تفرض ضريبةً سيكولوجية واخرى تتعلق بالجهاز العصبي فوق كلّ ضرائبها المالية . ولا نودّ التحدث هنا عن رشاً تُدفع ووساطاتٌ تستثمر نفوذها في بعض هذه الدوائر لمن يستطيع ان يدفع .! , واذا ما اسهبنا هنا في اختيار بعض نماذجٍ لبعض الدوائر وآليّات عملها المتجمّدة , فالعديد والكثير من مؤسسات الدولة الأخرى تعجُّ بهذا النمط والنهج في الإستهانة بمشاعر وكرامة المواطن

لم نختر عبثاً توصيف ” العقول المتحجّرة او التي تكاد تغدو متصدّئه ” بغية خدشِ مشاعرٍ او تجاوزٍ على مَنْ يهمّهم الأمر او من ذوي العلاقة المباشرة بالتخلّف الأداري , ولربما ينبغي توصيفهم بأكثر من ذلك لما يسببوه لهذا الشعب المسكين , ولكننا نتساءل وبأقصى درجات البساطة , ولا يوجد مواطنٌ واحد من عموم الشعب العراقي لايتّفق معنا في ذلك : – لماذا لم يفكّر ولم يحاول كافة الوزراء الذين تناوبوا وتعاقبوا على وزارة المالية بتغييرِ واستبدالِ ابنية المصارف الى اخرى اكبر حجما ومساحةً وبعدة اضعاف لكي تستوعب الأعداد الكبيرة من المراجعين وبطريقةٍ تحترم اولاً كرامة الأنسان .؟ لماذا لا تحتوي مثل هذه الأبنية المفترضة على صالاتٍ مكيّفة ومقاعد لائقة .؟ ولماذا لا يجري مضاعفة اعداد الموظفين العاملين في البنوك بغية تسريع انجاز معاملات المواطنين .؟ , ففي معظم الدول العربية وكافة الدول الأوربية فأنّ المؤسسات والدوائر التي تشهد إقبالاً واسعا من المراجعين , فأنّ ايّ فردٍ وبمجرّد دخوله للمصرف او الى الى دائرةٍ اخرى , فأنّ جهازا الكترونيا بسيطا يمنحه فورا رقماً تسلسليا يحدد دوره بدل الأنتظار في الطابور , وما ان يصل دور الرقم التسلسلي فأنه يُعرض على شاشاتِ عرضٍ الكترونية كبيرة الحجم فضلاً عن مناداة وتكرار المناداة لذلك الرقم عبر مكبّرات الصوت , وفي كلّ الدول التي غدا فيها تطبيق هذا النظام منذ أمدٍ بعيد , فأنّ المواطن او المراجع لمثل تلك الدوائر لا يضطر للبقاء والأنتظار لساعاتٍ طوال حتى يطلّ دوره , بل انه وبمجرد استلامه للرقم التسلسلي يستطيع مغادرة الدائرة المعنية والعودة بعد ساعاتٍ يجري تخمينها من موظفي الدائرة المعنية لقرب موعد مراجعته , وما مطروحٌ هنا لا يقتصر على القطّاع المصرفي الحكومي بالطبع , وانما يسري على كافة دوائر الدولة التي تشهد ارتالاً وطوابيراً من من المراجعين الذين يصطفّون قبل وصول الموظفين … إنّ مسألةُ تجاوز هذا التخلّف الأداري المتوارث يكمن حلّها ” كما ذكرنا ” في استحداث ابنيةٍ جديدةٍ واسعة المساحة , ومضاعفة اعداد الموظفين

وزيادة اعداد اجهزة الحواسيب , فهل طَرَحنا هنا معجزةً او حلّاً سحرياً غير قابلٍ للتطبيق .!؟ ولا سيما وبشكلٍ شديد الخصوصية أنّ معظم الوزراء الذين جرى استيزارهم بعد الأحتلال قد عاشوا معظم سنواتهم خارج العراق وشاهدوا بأمّ اَعيُنهم النُظُم الأدارية المتّبعة في الخارج

وتقتضي الشارةُ هنا الى أنّ الدائرة القنصلية التابعة لوزارة الخارجية ومعها مديرية شرطة مرور النجف , قد قد تبنّوا تطبيق هذا النظام الأداري بشكلٍ نسبيٍّ وضيّقٍ ومحدودٍ للغاية , ولا يخلو من بعض توصيفات التخلّف الأداري والفكري ايضا , ففي هاتين الدائرتين جرى تخصيص صالة جلوسٍ للمراجعين وأمامها ” كاونترات ” زجاجية او شبابيك للموظفين , ولكنّ اعداد المواطنين الواقفين غالبا ما تنافس وتتفوق على اعداد الجالسين .! , ثمّ إنّ الأنكى فما زال ولا يزالُ المراجعون يصلون لتلك الدائرتين ويتجمّعون ويتراكمون خارجها قبل نحو ساعتين من بدء الدوام الرسمي , كما انّ ايّ مراجعٍ لا يُسمح له بالخروج ويُرغم على الأنتظار مهما امتدّت ساعات الأنتظار .!! فهل هذا آخر ما توصّل اليه العقل العراقي بعد الأحتلال .. وحقّاً ومئة حقٍّ وحقًّ فأنّ النظام الأداري في زمن المرحوم ” آشور بانيبال ” كان افضل ممّا موجود الآن بترليون مرّه ومرّه , وَمَنْ لمْ يقرأ ويستقرئ التأريخ بدقّه , ومَنْ نستميحهُ عذراً بأنّ اُفُقُهُ ضَيّق , فندعوهُ لإعادة قراءةِ ذلك التأريخ , ولكن : مهما ” كتبنا وما كتبنا ” , فأنّ لا شيء سيتغيّر فحسب .! وإنّ البلد ليس في طريقهِ نحو التجزئه فحسب , وإنّما نحو التشظّي , وَنُقِرُّ ونعترف أنَّ كلَّ ما ذكرناه وكتبناه ليس سوى كلامٌ فارغ , والمحظوظُ منّا مَنْ سيسلمْ منْ رصاص الميليشيات .. !!!

*[email protected]