23 ديسمبر، 2024 6:50 ص

التخطيط والحَمْلات … لا طَسّه بعد اليوم أنموذجاً

التخطيط والحَمْلات … لا طَسّه بعد اليوم أنموذجاً

من الغريب والعجيب أننا في بلد يعتمد مايسمى بال (حَمله ) عنوانا لأي أصلاح أوصيانة في أي خدمه بلديه أو أداريه أو تربويه أو أجتماعيه أو صحيه, وكل فتره من الزمن وبعد أن تنزل هذه الخدمات الى مستوى قياسي من السوء والفشل يظهر علينا أحد المسؤولين وهو يصرح من خلال الأعلام بأن هناك حمله كبرى في أحدى الخدمات والتي ستصبح بعدها تلك الخدمه من المعايير الدوليه بعد أن يظهر المسؤول مرة أخرى ليعلن عن أنتهاء العمل بفتره قياسيه وبجوده عاليه لامثيل لها في دول الشرق الاوسط وربما حتى العالم , ولانعرف كيف أستفاق المسؤول من سبات عميق في كهوف الجهل وضياع الوقت والارتجاليه وعدم التخطيط وسوء المهنيه ليضع نفسه بطلاً منقذاً في ظل الظروف القاهره والتقشف , والهدف من ذلك أما أن يكون الظهور الاعلامي أو في بعض الاحيان يكون أستقبال المدينه لمناسبه دينيه أو أقتصاديه أو ثقافيه أو حتى لمجرد أن هناك ضيوف على مستوى خاص .

ولم تقتصر هذه الحملات على الوقت الحالي فقط فقد أعتمد النظام السابق على الحمله في كثير من المجالات وكلنا نتذكر حملة محو الاميه ولازلت أتذكر كيف كانت تُسخر كافة امكانيات القطاعات الحكوميه للترويج لها وكيف حفظنا ( راشد يزرع ) , والحملات الصحيه للتطعيم ضد الامراض الوبائيه كشلل الاطفال والجدري … ألخ , والجدير بالذكر أن الحملات كانت تأخذ مسارات مختلفه , منها حملة من يزرع يحصد , الارض لمن يزرعها ,حملة أعمار البصره وبناء مدينة الفاو , وربما ما نتذكره بشكل مخصوص هي الحمله الايمانيه ألتي أطلقها الطاغيه وقد أسمى نفسه عبد الله المؤمن بعد قرون من الاستبداد والظلم والدكتاتوريه المقيته التي أسسها بالدم والاغتيالات والعنف والاقصاء للطبقه المتوسطه المثقفه والمهنيه والتي تَكون اساس أي عمل منهجي وتخطيطي يؤسس الى وضع خطط مرحلية ومستقبليه ونتجاوز مايسمى بالحمله .

وبعد 2003 وبعد الميزانيات الضخمه التي تحققت من الواردات النفطيه كان لدينا أمل على الاقل على مستوى المحافظات بأن يتم تهيئة الدراسات والاسس العلميه والعمليه لتأخذ القطاعات الحكوميه منهجا تخطيطياً مبرمجاً يغنينا عن الارتجاليه في القرارات ويتحقق نظام خدمي حديث ليرتقي بالمهام التي تؤديها المؤسسات والمديريات التي ترتبط بها وبذلك لانحتاج الى مبدع من هنا أو من هناك ليطلق حمله هنا أو هناك , ولكن الغريب والعجيب أن أطلاق هذه الحملات أصبحت على نطاق أوسع وصارت فرصه للحصول على دعايه انتخابيه أو تأييد من جهه أخرى سياسيه أو دينيه , والمذهل أن هذه الحملات تبوأت بالفشل وحملة بناء المدارس الحديديه كانت أكبر مشهد سيئ يؤكد على ذلك والحمله الزراعيه التي أُطلقت والتي تراجعت المنتجات الزراعيه بعدها تماماً , وحملة بناء مليون وحده سكنيه والتي لم يبنى منها حتى 5% منها واليوم هناك حمله الصناعات الوطنيه والتي بدأت بتصريحات اعلاميه بأن هناك مؤامره على معمل الحديد والصلب في البصره ولاندري ماسيكون بعد المؤامرة ولا الى أين نتجه وقد يكون علينا أن نخوض حرب كونيه صناعيه لكي نعيد صناعتنا الى مستوى يكون التنافس مع الصناعات اليابانيه مثلاً أمراً هيناً .

وقبل كتابه هذا المقال سمعت أغرب حمله في العراق الجديد وهي حملة  ( لاطَسّه بعد اليوم ) وهي تنطلق أعلامياً من فضائية البصره وأن الحكومه المحليه في البصره هي التي تطلقها وتنفذها في شوارع البصره لكي تكون الشوارع بعد الحمله من أروع وأشهر الشوارع في العراق والعالم وقد ننافس الشوارع اليابانيه التي يضعون لها مطبات أصطناعيه لئلا يشعر السواق بالملل وحتماً سيهرع لنا اليابانيون وغيرهم من المخططون العالميون ليتعلموا منا كيفية أطلاق الحملات لأنهم لايعرفون معنى هذه الكلمه , وسنأخذ الرقم القياسي العالمي (غينز) لأول من أطلق حملة لا طَسّه بعد اليوم , هنيئاً لنا بهذه الحكومه المحليه والتي ستطلق شعار حمله وره حمله والفاشل نحبه , علماً أن هذه ليست أول حمله فقد رأينا من المحافظ  ظهور أعلامي وفي أجتماع ومن على شاشة قناة البصره وقد أطلق حملتان على الرغم من شحة التخصيصات الماليه كانت ألاولى هي القضاء وأعدام الكلاب السائبه في الشوارع وحملة القضاء وتدمير البعوض بسياره أم الدخان والتي تجول في الشوارع وهي تنفث الدخان الابيض الذي ربما أعتاد عليه البعوض ولم يعد يتأثر به ولكنها على كل حال حمله أسمها ( البكْ وأم الدخان ) .

حقاً نحن في أستعجاب لاحدود له من أننا في هذا القرن ولانمتلك من القدرات المهنيه والهندسيه ما يكفي لأن تقوم بدور تخطيطي يخلصنا من لعنة الحملات وجهل القائمين عليها والفشل المستمر بأستمرارها , من هي الجهه المسؤوله عن هذا الجهل والمهزله الخدماتيه المستمره والتي أصبحت شامله وقد وصلت الى مؤشرات خطيره تهدد حياتنا في أدنى حاجاتها , ماهو المطلوب منا كشعب يرى العبث ويتكلم عنه ويقف ساكنا , بل وصلنا الى منحى خطير من كوننا عاجزين عن أطلاق حمله دينييه لتجميل مدينة كربلاء المقدسه وتنظيف شوارعها وصبغ أرصفتها ونعطي هذه المثوبه لغيرنا ونحن من ينادي بالامام الحسين عليه السلام ويؤمن بأن كل تراب كربلاء مقدس , لماذا لاتناشد المرجعيات عباد الله الصالحين لعمل تطوعي في خدمة أبا عبد الله الحسين , لاأعرف السبب الذي تكون كربلاء المقدسه بحاجه الى تنظيف بعد أثنا عشر سنه من الحكم الشيعي في العراق , بعد هذه السنوات التي يداوم فيها السياسيون السلطويون على اللطم والطبخ والعزاءات الحسينيه ولايقوم أي معمّم سياسي أو غير سياسي بأخذ زمام المبادره وينزل الى الشارع وينظف بنفسه الشوارع , الان اصبحت متأكداً ومتيقناً بأن ما نحتاجه فعلا هي حمله وطنيه شامله ونحن بأنتظار من يطلقها وهي ( نظفْ فكرَكْ ) .