22 ديسمبر، 2024 11:18 م

التخبط الدبلوماسي للسفير البريطاني!

التخبط الدبلوماسي للسفير البريطاني!

منذ تعيينه سفيرا لبلاده في العراق، منتصف شهر ايلول-سبتمبر من عام 2019، لم يتوقف السفير البريطاني ستيفن هيكي عن اثارة الجدل واشغال مساحات من الرأي العام العراقي والاوساط والمحافل السياسية، اما بتصريحات استفزازية حول ملفات داخلية، لاينبغي لمن يتولى مسؤولية بعثة دبلوماسية اجنبية ان يخوض فيها، لان ذلك يعد قفزا على سياقات وضوابط العمل الدبلوماسي وتدخلا غير مقبول، او عبر مقاطع فيديوية مصورة يظهر فيها وهو يقوم بطبخ بعض الاكلات الشعبية العراقية، بطريقة مبالغ فيها، وتشعر المتلقي بأن سعادة السفير البريطاني لاهّم له الا تعلم كيفية عمل الدولمة والباميا والكباب والقيمة وخبز التنور العراقي!.

وسواء انشغل السفير هيكي، بكتابة التغريدات واطلاق التصريحات الناقدة لبعض مظاهر الوضع السياسي العراقي والمؤكدة على السيادة الوطنية، واحترام القانون، والانتخابات النزيهة والشفافة، او قضى الكثير من وقته داخل المطبخ، وهو يحفر الباذنجان والكوسة ويحشو البصل والطماطم لعمل الدولمة، او يقطع الباميا، او يعجن الدقيق لعمل الخبز، فأنه يكون قد ابتعد كثيرا عن المهام الموكلة اليه، ناهيك عن الوقوع في مطبات هو في اغنى عنها.

اكثر من مرة يطلق سعادة السفير البريطاني في بغداد تصريحات، او يكتب تغريدات متسرعة، ليضطر بعد ذلك مباشرة الى التراجع، اما عبر الاعتذار، او الادعاء بأن تصريحاته فهمت خطأ، وانه لم يكن يقصد ما فهمه وفسره الاخرون بأنه تدخل وتجاوز للسياقات والضوابط والاعراف.

ربما لم يقم اي سفير او رئيس بعثة دبلوماسية اجنبية في بغداد، بأطلاق الادانات والاستنكارات مثلما فعل السفير البريطاني، فكلما تعرضت القوات الاميركية للقصف، سارع هيكي الى الادانة والاستنكار، وكلما اغتيل ناشط مدني او سياسي من لون معين، سارع الى الادانة والاستنكار، وكلما اتسعت حدة السجالات واحتدم الجدل بين القوى السياسية العراقية حول الانتخابات، انبرى السفير الى التأكيد على اهمية الالتزام بالثوابت الوطنية، وهكذا بالنسبة للقضايا والملفات الاخرى، كالموازنة المالية، والخلافات بين المركز والاقليم، او ادانة الفصائل والجماعات المسلحة، حتى ليبدو ان هيكي مسؤولا رفيعا في الدولة العراقية، او زعيما سياسيا، وليس سفيرا لدولة اجنبية، وربما نسي في خضم انشغالاته وتغنيه بالماضي، ان بريطانيا العظمى لم تعد قائمة منذ زمن بعيد، وانها تحولت الى ذيل للولايات المتحدة الاميركية.

ومن المواقف السياسية المتسرعة وغير المحسوبة دبلوماسيا بشكل صحيح، الى المطبخ وسيل الانتقادات المتلاحقة للسفير “الشيف”، وهو يستعرض مهاراته الطبخية عبر مقاطع الفيديو، حيث يضطر الى الرد على بعضها بطريقة تحشيشية ساخرة، وتجاهل البعض الاخر، او الذهاب الى اربيل لاستعراض مهاراته في ركوب الدراجات الهوائية مع رئيس اقليم كردستان!.

وثمة اوجه شبه بين عموم ممارسات ومواقف السفير البريطاني ستيفن هيكي، وممارسات ومواقف السفير السعودي السابق في بغداد ثامر السبهان، الذي انتهى الامر بحكومة بلاده الى سحبه وانهاء مهامه تجنبا للمزيد من الاحراجات والانتقادات والمشاكل والازمات، في الوقت الذي كانت تسعى الرياض للتهدئة بعد اعوام عبثية من التصعيد.

وبعدما ادلى السفير هيكي بتصريحات استفزازية غير مناسبة بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة وعدم امكانية اجرائها في الموعد المقرر لها، وبعد ان قوبلت تصريحاته بسيل من الانتقادات الحادة والدعوات لطرده، خرج ليعتذر ويقول بأن تصريحاته، “فسرت بطريقة خاطئة” وانه يحرص على احترام السيادة العراقية، وانه يعبر عن ثقته بـ”أن الانتخابات المقبلة ستجرى في وقتها المحدد”.

ولم يمر وقت طويل حتى اطل السفير “الشيف” بتغريدة جديدة، قال فيها، “العراقيون طالبوا ويستحقون دولة يحاسب فيها من يخالف القانون، لا ينبغي لأحد استخدام القوة والتهديد لعرقلة التحقيقات الجنائية.. تقوم الديمقراطية على إحترام سيادة القانون”، وكان ذلك على ما يبدو تعليقا على اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح ومارافقه من تداعيات.

واذا كان مؤكدا ان السفير البريطاني، راح منذ اليوم الاول لتوليه مهمته الدبلوماسية في بغداد قبل اقل من عامين، يخوض في ميادين بعيدة عن ميدانه الرئيسي والمطلوب، فمن شبه المؤكد انه لايتحرك ولايتحدث ولايكتب وفقا لاجتهاداته وتقديراته الشخصية، وان كان يفعل ذلك في مطبخ الطعام، فلايمكن ان يفعله في مطبخ السياسة!.