يسعى الكثير من النخب والكفاءات العراقية إلى نشر الأفكار الداعية للتغيير الشامل في بناء دولة الإنسان في عراق واحد وطن الجميع… لعل أبرزها الدعوة لتكون الدولة العراقية.. حضارية مدنية حديثة تواكب متغيرات العصر بما يؤكد الأصالة الوطنية من خلال إعادة تأهيل الإنسان للثبات على مباديء الثقافة العربية الإسلامية واستيعاب كل متغيرات ما بعد الحداثة والعولمة ممثلة بحقبة الذكاء الاصطناعي.
أبرز تحديات هذه الأفكار للتغيير.. تتمثل ليس في تخلف الإنسان العراقي بحد ذاته في عدم مواكبة متغيرات العصر.. بل في مرجعيات هذا التخلف.. أبرز الدروس التاريخية.. عدم تعليم البنات مطلع القرن العشرين.. فضلا عن عدم ادراك العوائل العراقية حينها أهمية التعليم الجامعي للذكور.. فيما اهتمت العوائل اليهودية والمسيحية بذلك.. ومع تكوين دولة العراق الحديث.. كان حسقيل ساسون اول وزير مالية يتعامل مع متغيرات عصر الانتداب البريطاني.. فيما لم يظهر اي شخصية أخرى من عموم العراق الا في الاهتمام بالجانب العسكري فحسب.. ونالت اغلب المناصب العليا الإدارية شخصيات َمتعلمة جامعيا.. مقابل الأكثرية. التي كانت تكتفي بتعليم القراءة والكتابة عند الكتاتيب.. مهتمة بالمهن الحرفية والزراعة والرعي فقط.
في هذا التحول نحو طريق الإصلاح الشامل عبر أفكار مثل الدولة الحضارية الحديثة.. أيضا يواجه مرجعيات التخلف التي كانت ترفض تعليم البنات.. ترفض ثقافة التعليم الجامعي الأجنبي.. هناك إسقاط في فجوة التحول للذكاء الاصطناعي.. وحروب الاجيال الجديدة.. واستراتيجية صناعة المعرفة لإنتاج المال بدلا من صناعة الريع النفطي.. واقع الحال ان شركة ابل على سبيل المثال لا الحصر تتجاوز ارباحها كل أرباح السعودية من تصدير النفط!!
في هذا السياق.. يظهر التنازع بين حالة التشبث بالواقع التقليدي المتخلف في أسس ديمومة التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا.. ثم التخلف السياسي في استعادة اعدادات العملية السياسية تحت نطاق مفاسد المحاصصة والمكونات خارج ثوابت الإسلام ومباديء الديمقراطية وأحكام اتفاقات حقوق الإنسان.. الأسس التي وضعت في الدستور العراقي النافذ كمصادر للتشريع.
سبق وان طرحت تساؤلا على عدد من الذوات الافاضل النواب ونخب أكاديمية.. عن معرفة الناخبين.. او النواب.. او المسؤولين في الجهاز التنفيذي او القضائي.. باتفاق وطني باليات وأساليب تدوين تعريف محدد لهذه المصادر الثلاث في تشريع القوانين وتنفيذها.. فكانت الاجوبة مخيبة للامال..!!
السؤال الاخر.. إذا الجهاز الحكومي والتشريعي والقضائي.. لا يمتلكون مثل هذه المدونة التي تعرف معنى وأسس ومضامين هذه المصادر الثلاث للتشريع.. فاي فجوة من التخلف نحن فيها!!
فذلك يتطلب من كل السلطات العراقية.. وفق الدستور النافذ.. ردم هذه الفجوة من خلال اتفاق وطني صريح ما زال يمثل التحدي الأكبر في تلبية متطلبات تلك الأفكار التي تنادي بدولة حضارية عراقية حديثة.
السؤال المقابل.. هل يتجاوز التحول الحضاري الإنساني واقع التخلف عراقيا؟؟
لست من دعاة نظرية المؤامرة.. ولكن هناك أكثر من جهة دولية واقليمية.. لا تجد في نهوض العنقاء العراقية من جديد الا تهديد جرى احتواءه في الاحتلال الأمريكي.. ومشاهد ظهور السفير البريطاني في المواكب والمناسبات العشائزية.. انما تتطابق مع تلك الرواية المنقولة عن الضابط السياسي البريطاني في الهند قبل الاستقلال.. الذي غسل وجهه ببول البقرة..!!
لذلك هناك أكثر من خط شروع لتطبيقات برامج الدولة الحضارية الحديثة في عراق واحد وطن الجميع.. تبدأ في ثقافة التعليم نوعا وكما .. وأهمية بروز برجوازبة وطنية لصناعة المستقبل القريب العاجل.. لاحتواء تطلعات جيل التسعينات للوظيفة العامة بوظائف القطاع الخاص.. وفق منهج العدالة والانصاف في ديمومة استقرار التنمية المستدامة.
تلك أهداف عاجلة.. تتطلب مساندة من الجميع ان شاء الله… إذا فعلا وجدت الدعوة إلى دولة حضارية حديثة.. ذلك الصدى المطلوب.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!