23 ديسمبر، 2024 3:59 ص

التحلي بالأخلاق؟

التحلي بالأخلاق؟

لقد أطلق الأدباء والمؤرخون والباحثون في الأدب العربي في منتصف القرن المنصرم، على الشاعر أحمد شوقي صفة (شاعر الأخلاق) وكيف لا! وقد تألق في وصف الأخلاق أيما تألق، ونالت أبيات له فيها صدارة الأحاديث والمناظرات والمهرجانات، ويُستشهد فيها على منصات ومحافل أدبية كثيرة، بل حتى المحافل البعيدة عن الشعر والأدب، إذ تبقى الأخلاق أساس كل قول وأسّ كل فعل في جوانب الحياة كافة. ففي غيض من فيض ما أنشده شوقي:
– وليس بعامرٍ بنيانُ قومٍ
إذا أخلاقُهم كانت خرابَا
– صلاحُ أمرِك للأخلاقِ مَرجعُه
فقوِّم النفسَ بالأخلاقِ تستقِمِ
– وإذا أُصيبَ القومُ في أَخلَاقِهِم
فَأَقِم عَلَيهِم مَأْتَمَا وَعَوِيْلَا
– إنَّمَا الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ
فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبُوا
والرصافي هو الآخر، أدرك أن الأخلاق سيدة التعاملات فقد أنشد:
هي الأخلاق تنبتُ كالنبات
إذا سُقيت بماء المكرمات
ولو توغلنا بتاريخنا العربي، نجد آخرين وضعوا للأخلاق مكانة، تعلو مكانة باقي خصال بني آدم الحميدة، فهذا أبو تمّام ينشد:
فلم أجدِ الأخلاقَ إِلا تخلقا
ولم أجدِ الأفضالَ إِلا تَفَضُّلا
ما لفت نظري قبل حين خبر، قرأته في إحدى الوكالات مفاده: في بريطانيا غُرمت طبيبة مبلغ 5000 جنيه استرليني، لتجاهلها إشعارا قضائيا من المحكمة، يطالبها بخفض الضوضاء الناتجة عن كلابها المزعجة للجيران. وذكرني هذا الخبر بحقيقة نقلها لي أحد الأصدقاء المتغربين عن العراق -وهم كثر- ان في نيوزيلاند، لايحق لك اقتناء كلب حراسة إلا بعد تقديم طلب الى مجلس بلدية المنطقة، يحوي إقرارا من جيرانك الأربعة الذين هم عن يمينك وعن شمالك وأمامك وخلفك، يضم موافقتهم على اقتنائك كلبا، كما يحق لهم وضع شروط لذلك، كتحديد اوقات نزهتها -الكلاب- في المنطقة، وشروطهم هذه تحتم عليك الالتزام بها وتطبيقها بحذافيرها، وعند إقرارك بالتزامك بهذه الشروط مجتمعة، يمنحونك إجازة اقتناء كلب. وكذا الحال في باقي البلدان (الفايخة) حيث يتوجب على متبوئي المناصب العليا الالتزام بتطبيق القانون قبل المواطنين البسطاء، وهذا الأمر تندرج تحته ايضا أصوات المذياع والتلفاز، ومنبهات المركبات والعجلات البخارية، وإلا فالبوليس بالمرصاد.
أذكر مامر به رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، حين أركن مركبته في مكان ممنوع وغاب عنها برهة، وحين عاد وجد شرطي مرور يحرر له وصل غرامة، عندها ظن تشرشل ان رجل المرور لم يعرف انه رئيس وزراء بريطانيا العظمى، فتقبل منه الغرامة برحابة صدر، لكنه فوجئ بمبلغها، إذ كان عشرين باون، فبادر تشرشل قائلا لرجل المرور:
– “أليست الغرامة محددة بـ (عشرة باونات)” أجابه:
– “إن مبلغ العشرة باونات للمواطن البسيط، أما العشرين فهي بحقك أنت بالذات لأنك رئيس وزراء، وكان الأولى بك تطبيق القانون قبل الكل”. وكان رد فعل ونستون أن حضنه وقال مقولته الشهيرة:
– “إذن، بريطانيا بخير”.
هذا وغيره مما شابهه من أحداث -لو أردت الحديث عنها لطال بنا الوقت ونفدت الأوراق وجفت الأقلام- يحدث في دول فيها نسبة المؤمنين بالديانات السماوية قليلة نسبيا. يقابلها نسبة عالية من اللادينيين والملحدين.
هنا في عراقنا حيث يحتضن ترابه مراقد الاولياء والاوصياء، وأحاديث النبي وآله (ع) عن حسن الأخلاق نسمعها ونقرأها أنى نذهب، ما أروع ان نعمل بها على أتم وجه، أما الأكثر روعة، فهو ان يعمل بها مسؤولونا الكبار قبل المواطن البسيط، لعلنا نقول يوما: إذن، العراق بخير، و(رحمة على تشرشل) وألف رحمة على من قال:
لا تنه عن خلق وتاتي مثله
عار عليك اذا فعلت عظيم
[email protected]