يمكن القول من موقع مراقب إن شيئاً جديداً يتطور على طول الحدود العراقية – السورية مع ازدياد التحركات العسكرية الأميركية والتعديلات والنشاط المستمر لهذه القوات منذ 15 من تموز/ يوليو الماضي في غرب العراق وشرق سوريا، و شملت إحياء تشكيلات عسكرية مسلحة جنوب شرق سوريا لإنشاء حزام عشائري عربي على طول الحدود العراقية السورية، إلى جانب تسريبات إعلامية لتدريبات تجريها القوات الأمريكية لفصائل سورية معارضة في ريف إدلب. بخاصة مع انطلاق عمليات تموقع جديدة تتمدد بين الحدود التركية والحدود الأردنية، يمكن أن يكون له تأثير كبير على ميزان القوى في الشرق الأوسط، ولا سيما في منطقة “الهلال الخصيب” من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان إلى الأردن والأراضي الفلسطينية ، للعلم ان القوات الامريكية تبدو غير كافية لشن عملية واسعة، حتى وإن استعانت بالمعارضة في إدلب إلى جانب العشائر العربية وقوات قسد، إذ لا يتعدى تعداد القوات الأمريكية 1500 جندي
ولكن تظهر فوراً إرادة مشتركة للمحور الجديد” المقاومة” هي الاقوى بعد فتح طريق استراتيجي بين طهران ودمشق، وعملياً بين “الجمهورية الإسلامية” والبحر المتوسط، وكان واضحاً أن الهدف في دفع واشنطن لصدام حسين إلى شنّ حملة ميدانية على الأراضي الإيرانية للإطباق على قواته وهذا ما تحقق ولكن انقلب السحر على الساحر ،و أن نتيجة الحرب العراقية – الإيرانية لم تأتِ لمصلحة العراق بل كانت كفتها الاقوى لصالح إيران، واستمر نظام صدام في غبائه ، ولم تمرّ سنتان إلا وتمّ استدراج القيادة البعثية العراقية إلى اجتياح الكويت، واستدراج المجرم صدام حسين لابتلاع “المحافظة الـ 19” ومحاولة ضمها، وكان الاعتقاد السائد أن التحالف الدولي سيسقط النظام في بغداد عام 1991، فتدخل قوات الحشد الشعبي في المعركة ، وتفتح الجسر إلى سوريا، إلا أن نهاية حرب الخليج الثانية بقيادة جورج بوش الأول لم تحسم لمصلحة إيران على رغم أنها أنهت التفوق العسكري للعراق، فسقطت المحاولة الثانية لإقامة الجسر لاقامة قاعدة للوقوف بوجه امريكا في المنطقة ، أما المحاولة الثالثة ونجحت عند أقناع المعارضة العراقية في المنفى، والتحركات الايرانية لدفع امريكا باسقاط النظام البعثي بقيادة بوش الابن وفعلا سقط النظام ، باجتياح العراق “للرد على هجمات 11 سبتمبر (أيلول) كما كانت تدعي واشنطن “. فعادت المعارضة العراقية من المنفى إلى بغداد وبدأت في استلام مقاليد الحكم ، فبدأ الجسر الإيراني إلى سوريا يتحقق تدريجاً، وبات حقيقياً مع انسحاب إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما من العراق نهائياً في أواخر 2011 ضمن الاتفاق الاستراتيجي ، فباتت القوافل والأسلحة ا تتنقل الى بيروت الجنوبية على الطريق السريع، وباتت المنطقة “أرض للمقاومة ” من حدود أفغانستان إلى شرق المتوسط.
تقوية ” ارض المقاومة” وتوسيعها دفعت الولايات المتحدة الأمريكية الى التفكير في سبيل في ايجاد البديل لاضعاف توسع المقاومة ما دفعتها من أجل ايجاد البديل ولم تكن إلا ان تكون “الخلافة الداعشية” في بلاد النهرين وبادية الشام، واستمرت حملة “داعش” بقيادة واشنطن حوالى خمس سنوات استمر خلالها إغلاق الجسر أمام المحور الإيراني، حتى تم تدمير الخلافة عسكرياً بشكل كامل مع إخراج “الدواعش” من الموصل والرقة ومن المثلث السني في العراق وبادية الشام في سوريا، ومع سقوط “داعش” تراكضت كل القوى التي قاتلتها لتسيطر على مخلفاتها على الأرض، فسيطرت طبيعياً القوات الأميركية والحلفاء على أكبر المساحات استراتيجياً ولكن بشراكة مع القوى كافة العميلة لها دون الحشد الشعبي والجيش السوري، وسيطرت قوات الكوردية على الجزء الشمالي للحدود المشتركة من ناحية العراق، كما سيطر الجيش العراقي و”الحشد الشعبي” على الأراضي العراقية التي انسحب منها “داعش” جنوب كردستان العراق حتى الحدود مع الأردن، وتقدمت “قوات سوريا الديمقراطية” على طول الحدود المشتركة جنوباً حتى نقطة البوكمال، أما في الجنوب فتموقعت القوات الأميركية وحلفاؤها انطلاقاً من قاعدة “التنف” وصولاً إلى الحدود الأردنية. ولكن تبقى الرغبة الأمريكية في ردع تركيا عن شرق الفرات والحد من اندفاعها للتفاهم مع النظام السوري وروسيا ضد قوات قسد (قوات سوريا الديموقراطية) لا يمكن إغفالها أو فصلها عن الوساطات والجهود الروسية والتحركات الإقليمية لإحداث تقارب بين النظام السوري وأنقرة والعواصم العربية، ما جعل من النشاط العسكري الأمريكي عملية معقدة، تحوي قدرا كبيرا من الاستعراض وقدرا قليلا من العمليات الفعلية على الأرض والتركيز على حماية آبار النفط التي تستغل خيراتها لصالحا، في محاولة للتعامل مع هذه الخارطة المعقدة التي تكاد تخنق النفوذ الأمريكي، وتطيح به في العراق وسوريا والإقليم وايضا التردد في العملية ضد قوات الحشد الشعبي .