اثارت تحركات القوات الامريكية على الاراضي العراقية في الايام الاخيرة، الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام؛ عن الاهداف التي تريدها امريكا، او تسعى إليها في هذا الوقت تحديدا، من هذه التحركات لقواتها في العراق، وفي مياه الخليج العربي. وقد رافق هذه التحركات الامريكية؛ اتفاق امريكي عراقي في الذي يخص التواجد الامريكي العسكري في العراق، ومهمات هذه القوات.. وقد انتج ايضا عن هذا الاتفاق؛ اتفاق بين العسكريين العراقيين والامريكيين على تشكيل لجان مشتركة لضبط الحدود العراقية السورية؛ لحماية امن العراق. وبالفعل فقد انتشرت نقاط مشتركة بين القوات العراقية والامريكية، على طول الحدود العراقية السورية، لمراقبتها جوا وبرا، كما صرح بذلك مسؤولو القوات الامريكية. ماهي الغاية من هذا التواجد الامريكي وبهذا العدد والعدة والنوع من القوات الامريكية في هذا الوقت تحديدا؟.. كثرت في هذا الاتجاه، الكثير من التحليلات السياسية، وايضا التكهنات؛ عن مرامي التحرك الامريكي هذا؛ في ظل اوضاع عربية واسلامية مجاورة حبلى بالمتغيرات المستقبلية، بتحرك امريكي فعال على هذا الطريق؛ لتأسيس واقعا مستقبليا، ليس بعيدا زمنيا من الآن؛ الذي يمهد او يعد الساحة لشرق اوسط جديد.. امريكا قامت في الايام الأخيرة بحشد قواتها سواء البرية او البحرية او الجوية في العراق وفي مياه الخليج العربي؛ من اجل تنفيذ خططها الجديدة والقديمة في المنطقة العربية وفي الخليج العربي وفي الجوار، تحت مختلف الحجج التي ليس لها مسوغا واقعيا في وقت تشهد المنطقة انفراجا واضحا بين الدول الاقليمية الكبرى فيها. تركيا قد اعادت جميع علاقتها الى سابق ما كانت عليه قبل ما سمي (بالربيع العربي)، كما ان ايران منفتحة الآن على تبريد الاجواء بينها وبين دول الخليج العربي ودول المنطقة العربية الاخرى، وكان اخرها؛ هو الاتفاق السعودي الايراني؛ الذي يتواصل ترجمته على ارض الواقع، ليس اعادة التمثيل الدبلوماسي والزيارات المتبادلة، هو اخرها. امريكا حشدت قواتها على الحدود العراقية السورية وزادت من تواجدها على ارض العراق بالشكل الملفت للنظر، وقامت بأغلاق تلك الحدود؛ ليس لأن قواتها في قاعدة التنف، تعرضت في الايام الأخيرة؛ الى هجمات من قبل الرافضين لوجودها سواء من المواليين للنظام السوري من السوريين او من غيرهم الداعمين لهم على اهميته، إنما الدافع الاساسي؛ هو للتضييق والضغط على النظام السوري، ولأغلاق طريق الامداد لهذا النظام، عبر الارض العراقية، اضافة الى ان امريكا؛ ربما هي في الطريق الى توسيع مساحة تواجد قواتها على ارض سوريا، ليشمل دير الزور والبو كمال. هذا التحرك الامريكي ايضا لا يمكن فصله باي شكل او باي صورة من الصور؛ عن ما هو يجري في الوقت الحاضر على الحدود اللبنانية الاسرائيلية من تهديدات بين المقاومة اللبنانية وبين اسرائيل، وايضا عن الاوضاع الاقتصادية المتدهورة في لبنان. من الجهة الاخرى وفي تزامن ملفت؛ تم عقد مؤخرا؛ اجتماع ضم دول عربية ومسؤولين امريكيين واوربيين في سلطنة عُمان؛ للبحث ومناقشة مشروع اوبك لشرق البحر الابيض المتوسط للغاز، يضم دول الخليج العربي، ومصر والاردن والعراق. هذا المشروع المفترض، الغاية منه هي؛ تأمين البديل المستدام للغاز الروسي، بالإضافة الى محاصرة منافذ تصدير الغاز الروسي. روسيا بوتين في الاشهر الأخيرة وعند استغناء دول الاتحاد الأوروبي عن الغاز الروسي؛ اعلن بوتين عن نية روسيا بالاتفاق مع تركيا اردوغان على اقامة مركز تخزين وتصدير الغاز الروسي عبر تركيا الى دول العالم. المشروع الاوربي الامريكي العربي المفترض؛ هو لمحاصرة روسيا في هذا المجال. ان جميع هذه التحركات والمشاريع والمشاريع المضادة؛ هي في نهاية المطاف ترجمة فعلية لصراع القوى الدولية والاقليمية على الارض العربية، كما انها من الصعوبة او من غير الممكن فصلها عن اسرائيل، بل ان الصحيح تماما؛ ان جميع هذه التحركات والمشاريع المفترضة؛ هي ذات علاقة عضوية تماما بإسرائيل. من وجهة النظر الشخصية؛ ان مشروع اوبك شرق البحر الابيض المتوسط للغاز؛ لن يرى النور في المستقبل المنظور، بل هو مشروع مستقبلي؛ سوف يخضع للمساوات والمناورات؛ ويرتبط تنفيذه حكما بعملية التطبيع بين الدول العربية واسرائيل وبالذات مع السعودية، التي تريد كثمن لهذا التطبيع؛ استجابة الجانبين الامريكي والاسرائيلي، لمطاليبها المعروفة. كما انه ومن الجانب الثاني، سوف، ايضا، يرتبط تنفيذه مع تنفيذ الاجندة الامريكية الجديدة والقديمة في المنطقة العربية وفي الخليج العربي وفي جوارهما الاسلامي، على ارض الواقع. من هنا تكتسب التحركات العسكرية الامريكية في الايام الاخيرة؛ الاهمية والخطورة في آن واحد. ان هناك من بين التحليلات السياسية او الاستقراءات؛ من يقول ان هذه التحركات الامريكية سوف تشهد رد فعل من بقية القوى المناوئة لها، في العراق او من قبل ايران او من غيرهما. من وجهة النظر الشخصية؛ ان اي من هذه الردود العسكرية؛ ربما كبيرة جدا؛ لن تحدث. ان مسؤولو ايران ليسوا من الغباء بحيث يتم جرهم الى مواجهة عسكرية بالإنابة عنهم مع القوات الامريكية المتواجدة في العراق، أو بالشكل المباشر في مياه الخليج العربي؛ فهذه المواجهة لا تخدمهم لا أنيا ولا مستقبلا، بل انها سوف، اذا ما حدثت وهي لن تحدث؛ سوف تقلص مساحة تأثيرهم ونفوذهم في العراق، ان لم يكن اكثر من ذلك. كما ان المواجهة البحرية المباشرة؛ سوف تدفع دول الخليج العربي الى الجانب الامريكي، اكثر كثيرا مما هي عليه في الوقت الحاضر. من المحتمل جدا ان تقوم امريكا في سوريا في توسيع مناطق تواجد قواتها؛ ان هذا التوسيع، سوف يشهد مقاومة من قبل من الموالين للنظام السوري، سواء من السورين او من غيرهم. إما من الجانب الروسي، فأن الرفض الروسي لهذه العمليات الامريكية ان حدثت وصارت واقعا على الارض؛ لا يتعدا الشجب والاستنكار، أما المواجهة العسكرية بين القوات الروسية والامريكية على الاراضي السورية، فهذا امر مستحيل. اسرائيل تضرب ومنذ سنوات سواء مواقع الجيش السوري او مواقع القوات الداعمة له من ايرانيين وغيرهم، ولم تقم روسيا باي رد فعل، مهما كان صغيرا، اي ان هناك ضوءا اخضر من جانب روسيا. ان جميع هذه التحركات العسكرية الامريكية في العراق وفي مياه الخليج العربي؛ ترتبط بالحرب في اوكرانيا، بالإضافة الى الارتباطات الاخرى التي اشرت لها في هذا المقال. ان هذا يعني وفي اوضح صورة لمشاهد الصراعات في العالم؛ ان جميع القوى الدولية العظمى والكبرى، تريد من هذه الصراعات؛ توسيع مناطق نفوذها على مساحة العالم. ان المنطقة العربية بما فيها من ثروات معدنية واخرى، وبما هي عليه من موقع استراتيجي؛ في البحار وفي الارض؛ عليه، فأن من يجعل منها مناطق نفوذ له؛ سوف يسيطر ويتحكم في اسواق الطاقة، وممرات التجارة والملاحة الدولية، في البر وفي البحر. ان امريكا على الرغم من تراجعها، الواضح في السنوات الأخيرة، الا انها مستمرة في سعيها الجدي والممنهج، بما تمتلكه من قوة عسكرية، وقدرات اقتصادية كبيرة، ووكلاء ينوبون عنها؛ على اقامة شرق اوسط جديد، وجعل اسرائيل دولة طبيعية في الشرق الاوسط الجديد المفترض. ان اقامة شرق اوسط جديد، على قواعد واعمدة لابد منها لنجاح امريكا في اقامة مشروعها هذا، بتبريرات مقنعة، لجهة الفائدة والتنمية والتطور في عموم المنطقة العربية. إنما هذه التبريرات المقنعة تحمل في داخلها حيتان تبتلع حقوق وثروات الشعوب العربية بطريقة او بأخرى، وايضا تزدرد هذه الحيتان، حق الشعب العربي الفلسطيني في دولة ذات سيادة. من اهم هذه الاعمدة؛ هي طريق التنمية، بشقيه البري والسككي، واقامة منظمة لشرق المتوسط للغاز، وعمليات التطبيع. عندما يصل هذا المشروع الامريكي.. الى مساحة محددة من حركته؛ سوف يصطدم بمشاريع اخرى، صينية؛ الحزام والطريق، وروسية؛ طريق الجنوب، بين ايران وروسيا الى اواسط اسيا وروسيا، ومشروع ايران بالوصول الى مياه البحر الابيض المتوسط عبر العراق الى الموانيء السورية. من وجهة النظر الشخصية؛ ان في هذه المنطقة من تصادم المشاريع؛ مع ما يصاحبها تزامنيا قبل بلوغها هذه المنطقة؛ من تغيرات في البيئة والظروف السياسية، التي تنتجها؛ إرادات اقليمية وعربية ودولية، لناحية المعارك المباشرة او معارك الوكلاء؛ عند هذه المنطقة، تبدأ المساومات والمناورات التي تقود بحكم هذه الظروف المتخلقة من المعارك المباشرة او معارك الوكلاء، وتقاطع الإرادات والاهداف؛ الى المقايضات والتسويات.. من الواجب الوطني الذي تفرضه فرضا، هذه التحولات والتغيرات المرتقبة، على الشعوب العربية وقواها الحية؛ النضال والكفاح بمختلف الوسائل والطرق المتاحة او التي تجترحها وتبتكرها، الشعوب العربية وقواها الحية، ليس الوقوف ضدها، إنما تعديل مساراتها بما يخدم قضايانا الوطنية والقومية في وقت واحد. ليكون للعرب فيها؛ قرارهم المستقل والسيادي في بناء واهداف هذه المشاريع المفترضة مستقبلا. بما ينتزع من افواه الحيتان الدولية الكبيرة أو الحيتان الاقليمية الصغيرة؛ حق الشعب العربي الفلسطيني في اقامة دولته السيادية المستقلة. وايضا وهذا هو الاهم والذي ينتج او ينتزع الحق الفلسطيني المشار إليه؛ ان يتم التعامل مع الأوطان العربية والشعوب العربية؛ كمجموعة اقليمية كبرى، متجانسة ثقافة ولغة وتاريخا مورثا واهدافا؛ بما يجعل من العرب؛ قوة دولية فاعلة في المحيط الدولي؛ لحيازتهم على الثروات الكبيرة، احتياطا وانتاجا، من مصادر الطاقة، وغيرها، اضافة الى ان الجغرافية التي سوف تقام عليها هذه المشاريع، هي جغرافيتهم السياسية، في البر والبحر ومضايق وممرات، والكثافة السكانية. ان هذا لا يمكن ان يحصل الا بالضغط المنتج والفعال في اتجاهين؛ الضغط على الأنظمة العربية، جماهيريا وسياسيا واعلاميا، اولا بحق الوصول الى المعلومة، وثانيا؛ المطالبة بالكشف الموثق عن الاتفاقات في هذا المجال، وثالثا الضغط جماهيريا واعلاميا، ضغطا فعالا ومنتجا؛ لتعديل اعوجاجها كليا. ان هذه المشاريع ليست ابنة هذه الايام، بل هي مشاريع يجري او جرى التخطيط لها منذ سنوات، إنما لم يتم الكشف عنها، لا من امريكا، ولا من الانظمة العربية المشاركة فيها، الا في الوقت الحاضر؛ إنما حتى هذا الكشف، كان بصورة محدودة جدا، اي انها لم تزل صورة ضبابية، تظللها مساحات رمادية. على الرغم من ان هذا الكشف المحدود؛ لكن هذه المشاريع ظلت تحيط بها السرية، وفي بنودها والتخطيط لتنفيذ هذه البنود على ارض الواقع مستقبلا. ان السرية او التعمية عليها؛ هي من تدفع المتابع للتشكيك فيها، وافتراض الاعوجاج مسبقا فيها وفي جميع بنودها.