20 ديسمبر، 2024 12:08 م

التحرش الجنسى والنرجسية الدينية

التحرش الجنسى والنرجسية الدينية

جريمة التحرش الجنسى تعلن بكل وضوح عن مقدار هشاشة جدار القيم والأخلاق الإجتماعية، ومن الأشياء التى تلفت الأنظار فى تلك الجريمة غياب دور الأسرة وغياب دور الدولة والأمن وتراخى المسئولين عن حماية المجتمع فى البحث عن الجناة وأعتبارهم لتلك الجرائم بأنها أفعال صبيانية ولا يجب الألتفات وتضييع الوقت فيها، لأن هناك مشاكل أكثر جدية يجب الأهتمام بها مما أدى إلى تفاقم المشكلة وتزايد أنتشارها بين الشباب الذى أدرك أن مرتكبى التحرش لا يهتم بهم أحد لغياب الدور الأمنى فى البحث عن الجناة أو لمصالح خاصة تخدم نظام الحكم ذاته، مما دفع بشباب آخرين بالتشبه بأفعال هؤلاء المتحرشين وتصاعدت بذلك نسبة جرائم التحرش فى المجتمعات العربية ومنها ما هو معلن عنه مثل مصر والمغرب ومنه ما هو مخفى ويتم التكتم والتعتيم عليه فى كثير من المجتمعات العربية الأخرى. ولم تعد الملابس المحافظة أو الفساتين الطويلة التى تغطى الصدر والذراعين والساقين وسيلة ناجعة ومفيدة لردع المتحرشين، ويخطئ من يعتقد فى ذلك أو يحتمى بها لأن التحرش يعرف شيئاً واحداً وهو أن تلك أنثى، إن القيود المستمرة والمتزايدة التى تُفرض فقط على المرأة وتترك الرجل يصول ويجول يرتكب جرائمه فى ظل حماية القانون الذكورى جعل من التحرش فى مصر خاصةً لتعداد سكانها الكبير وبقية البلدان العربية كابوساً مرعباً للمرأة وعدوان بربرى على كينونتها الإنسانية، حيث التربية والتعليم يساهمان فى الإزدراء بالمرأة وأحتقارها والإعتداء العلنى على خصوصياتها الجسدية التى لا تلقى إحتراماً إجتماعياً عاماً فى المجتمعات العربية المتخلفة ثقافياً. إنها النرجسية الدينية التى صنعت من الرجل العربى صنماً يحتل مكانة تلك الآلهة الغيبية على الأرض ويمارس سيطرته الكريهة على المرأة، وليس هذا فقط بل تمثل النرجسية جزءاً كبيراً من شخصيته المريضة التى أنتجتها ثقافته التراثية التى تصيبه بالوهم فيعتقد أنه قائد ورائد البشرية فى طريق القيم والأخلاق، لكنه يصطدم بقوة مع واقعه المزرى الذى يسخر من أوهامه تلك ويؤكد له أنه مجرد إنسان متخلف بجدارة يهوى الرجوع إلى الخلف والعيش على الأحلام الغيبية، لأنه يعيش فى أزمة نرجسية لأن المجتمع نفسه مصاب بالعدائية لحقوق الإنسان وحريته، مجتمع يبتهج لأزمات وأمراض أفراده وأنحرافات أفكارهم عن الطريق الصحيح، لذلك يعيش الفرد إضطراباته العقلية التى يشاركه فيها الغالبية من ذوى ثقافته فلا يشعر بحجم الإساءة البالغ تجاه من يسيئ إليهم فى تحرشاته الجنسية أو معاملاته الفظة التى تعبر عن قصور مرضى فى حجم الأنا التى تحتوى شخصيته وأفعاله. بالنظر إلى ثقافة الرجل فى المجتمع العربى نكتشف أنها ليست بثقافة إنسانية بل مجرد أفكار غيبية تم تجميلها وتحويلها زيفاً إلى ثقافة لكل المجتمعات العربية، لذلك فى المخيلة الذكورية الثقافية المرأة مجرد مصدر للمتعة والفتنة والغواية، وبناء على تلك الأفكار يتم قهر المرأة عن طريق جعل الرجل هو رأس المرأة أى أن الرجل هو الذى يفكر ويصدر الأوامر والمرأة ما عليها إلا التنفيذ، فالأديان خلقت من المرأة أكبر كابوس خرافى تم أختراعه منذ نشأة الأديان وحتى اليوم، وتبع ذلك أن أنتجت لنا تلك الشخصية الذكورية المريضة التى كونت أفكاراً تقترب إلى الهوس تجاه جسد المرأة وأعتبروا هذا الجسد خطر حقيقى ينبغى محاربته وفى الوقت نفسه يسعون بشتى الطرق والأساليب لإمتلاكه والأستمتاع به.

وأصبحت القضية أن نرجسية الذكور قادتهم لأن يكونوا عبيداً لشهواتهم المستمدة من أفكارهم الجنسية التى فشلت فى إقامة حدود ومفاهيم واقعية للحرية والعلاقات الإنسانية مع الآخر، فالأعتداءات التى تحدث فى التحرشات الجنسية تصدر عن قناعة أصحابها بأن المرأة كائن ضعيف فاقد الأهلية ولا يرتقى إلى قامة وقيمة الرجل، لذلك من السهل الأعتداء عليها لأنها فى النهاية أنثى، لأن الذكر يحاول فى تحرشه أن يثبت لها أنها لن تستطيع مهما أرتدت من ملابس وبالغت فى الحشمة، فإنها ستظل فى نظره جسد مثير للغرائز وهذا سبب كافى حتى يقوم بالتهجم عليها والتحرش بها وأبتزازها والنيل من كرامتها بخدش حياءها الأنثوى. تلك الشخصيات مريضة التربية والتعليم تتوحش وتتكاثر أكثر فى المجتمعات التى تنتشر فيها الثقافة الغيبية التى تعطى للذكر الحق فى إدانة المرأة وتقويم سلوكها بنفسه، وهذا التوحش يكتسب الشجاعة العلنية لأنه واثق أن القانون غائب ولا وجود له فى تعاملاته مع المرأة من أعتداءات وتحرشات، فالذكر واثق أن المجتمع يسانده فى أن المرأة هى السبب فى كل تلك المصائب والبلايا وهى التى أفسدت أخلاق الرجال بفتنتها وغوايتها مثلها مثل القصة الأسطورية التى أقتنعوا بحدوثها تاريخياً وهى أن المراة مثل أمها حواء التى أخرجت آدم من الجنة تمارس نفس السلوك وتحاول إفساد أفراد المجتمع الذكور، لذلك تستحق ما يحدث لها من تحرش جنسى او أعتداءات جسدية أو لفظية مما يجعل

المجتمع يقف ساكناً أمام الأعتداءات المتكررة عليها. ومن بين الأسئلة التى تتردد فى وسائل الإعلام وما مدى صحتها: هل حقاً النظام المصرى أعطى الضوء الأخضر للشباب ويشجعهم على التمادى فى التحرش الجنسى وذلك من خلال عدم معاقبة ومحاكمة مرتكبيه؟ ولا ننسى أن شذوذ الأفكار التراثية المتوارثة وصلت مجتمعاتنا بتكرارها المستمر بطرق شتى فى وسائل الأتصالات والإعلام، حتى أصبحت تلك الأفكار تهاجم أفراد المجتمع فى أى مكان كانوا وهناك من يعتنقها بجدية وهناك من يمارسها بعنصرية لأنه أصلاً فاقد لقواعد القيم التى تنادى بالمساواة والإحترام بين الرجل والمرأة، إن أعضاء النظام السياسى والمجتمعات العربية فى حاجة ماسة إلى وضع نظام محو الأمية الثقافية التى تسيطر على عقولهم وجعلت منهم وحوشاً آدمية تريد فرض أفكارها وقوانينها التى تحول الأفراد إلى رهائن فى أيدى النظام السياسى العقائدى الذى لا يهتم بالإنسان بقدر إهتمامه بتفعيل قوانين بدائية لا تتفق مع العصر الإنسانى الذى نعيش فيه. إن هؤلاء الشباب أو الصبية الذين يعتبرون ما يقومون به من تحرش على أنه من وسائل اللهو وتفريغ ما بداخلهم من كبت وقهر وحرمان نتيجة تحريم الأختلاط وفرض نمط من الأزياء أقامت حوائط عالية بين الفتى والفتاة تدفع هذه الأيام الفتيات ثمنها فى التحرش الواقع عليها وأستهدافها من النظام السياسى الأيديولوجى الذى هو نظام حكم أقلية تريد تركيع المرأة لترضخ لأوامره وقوانينه الذكورية العنصرية، الذى يتجاهل مئات الشكاوى اليومية من النساء الذين يعانون من التحرش، لتضيع حقوقهم التى لا يعترف بها أصلاً حكم الأقلية الأيديولوجية. فالتناقضات النفسية التى ينشأ عليها أفراد الأسرة العربية الناتجة عن الثقافات الزائفة التى تتجمل بصور الأحتشام والفضيلة، عندما يكبر الفتى والفتاة يكتشفون تناقضات كبيرة بين ما نشأوا عليه وبين الواقع المنطقى العصرى الذى كشف جاهلية تلك الثقافات والأساطير المتوارثة، لكنهم رغم ذلك لا يستطيعون الخروج من ثقافة القطيع الكبير، لذلك يصابون بالأمراض النفسية التى تدمر إحساسهم الإنسانى وتكتسى تصرفاتهم بالتبلد العاطفى الذى يفقدهم القدرة على التفكير والسلوك المنطقى وإحترام الآخر، فيتحولون إلى أشخاص عدوانيين كأنهم خرجوا فى نفس اللحظة من مستشفى الأمراض العقلية مصابين بالهوس الجنسى ويتحرشون بكل فتاة تقابلهم، ويلجأون إلى تبرير سلوكهم الشائن بأن السبب يرجع إلى الفتيات إلى جانب سلبية المجتمع ذاته من الرجال فى مواجهة من يقوم بالتحرش وكأن الأمر لا يعنيه ما دام التحرش بعيد عن أفراد أسرته. خلاصة الموضوع هو أن الدولة ونظامها السياسى وراء التفكك والتشويش والإرتجالية فى تصرفات وسلوكيات أفراد المجتمع، عندما يكون النظام ذكورياً فكراً وتطبيقاً على أرض الواقع فهذا معناه إزدياد المشاكل والأضطهاد الواقع على المرأة، لأن النظام السياسى غير مقتنع بأن الرجل مجرم فى حق المرأة، بل تترك الدولة الحرية لكل من يلقى باللوم على المرأة الضحية ليسلبها الذكر حريتها وكرامتها لأنه حسب ثقافته الرسمية والدينية فى نظام الحكم لا يعترف بأن الأنثى كائن بشرى متكامل مثل الذكر وهذا هو قمة الإنحطاط الإنسانى.

أحدث المقالات

أحدث المقالات