وصلتني رسالة من صديق مع مرفق عنوانها ” أبكتني هذه القصيدة”!!
والقصيدة المرفقة تنعى بغداد , وتنوح عليها , وكأن الدنيا إنتهت , والبشر لن يعود إلى جوهره , ولن تقوم لبغداد قائمة , وهذا تفاعل إنتحابي جنائزي يهيمن على مواطن الإبداع بأنواعها.
ولا توجد إبداعات حزائنية دامعة نادبة يائسة مبتئسة في مجتمعات الدنيا كما عندنا.
فالإبداع إن لم يكن مأساويا , تراجيديا , لا نقترب منه ولا نعترف بوجوده , فالميل للبكاء والتظلم والتشكي ينبثق فينا كالينابيع التي لا تنضب.
أما إذا كتبتَ عن التحدي والمواجهة والإصرار على صناعة الحياة وبناء الحاضر والمستقبل , فأنكَ تغرد خارج السرب ومن المحلقين في فضاءات الوهم .
لا أعلم إن كتبَ اليابانيون بكائيات عن طوكيو , أو البولونيون عن وارسو , و الألمان عن برلين , لكن ما وصلت إليه تلك المدن التي مُحقت عن بكرت أبيها , بشير إلى إرادة التحدي والإصرار على إعادة البناء بأحسن مما كانت عليه قبل الحرب.
إن الإمعان بالكتابات الحزائنية توجُّه يأساوي ومأساوي , يدفع بالأجيال إلى التجمد وفقدان الأمل وإنعدام التفاؤل , ويأخذهم إلى ميادين التبعية والخنوع , وإستلطاف المذلة والهوان , والإدمان على التأوّه والتشكي , وعدم القدرة على الخطو الواثق للأمام.
علينا أن لا نبكي , بل نواجه ونتحدى , ونؤمن بمستقبل أفضل وحاضر أزهى , رغم الشدائد والملمات , وتكالب العاديات , وتعاضد المفترسات , وصولاتها القاسيات.
الأمم لا تكون بالبكاء والندب والنحيب والأنين , إنها تتحقق بإرادة العمل والثقة بالحاضر والمستقبل , والتمسك بالثوابت الوطنية والقيم الإنسانية , وإعلاء قيمة وحقوق المواطن , والجد والإجتهاد للوصول إلى
أسمى الأهداف.
فهل لنا أن نتحدى لنكون؟!!