18 ديسمبر، 2024 5:41 م

ان العراق اليوم على ابواب تحدٍ خطير ، يهدد مستقبله واستقراره ، وهو الاخطر من بين التحديات العديدة التي تواجهه .
فالعراق والذي يحتل المرتبة الخامسة بين اعلى احتياطيات النفط في العالم ( 8.8 ‎%‎ من الاحتياطي العالمي ) ، والاكثر اعتمادا على تصدير النفط كمصدر للدخل – ومعه غينيا الاستوائية – بين جميع الدول النفطية ، سيكون من اكثر البلدان تضررا من تحول العالم الى الطاقة النظيفة والتقليل من استخدام الوقود الاحفوري ، اذ تواجه الدول النفطية خسارة في وارداتها تصل الى تريليونات الدولارات ، بحلول عام 2040 ، جراء التحول المطرد الى الطاقات المتجددة ، ويُتوقع أن تتكبد ميزانية العراق -وميزانية 39 دولة نفطية اخرى – خسارة حادة تصل الى 46 ‎%‎ من ايراداتها من النفط والغاز ( حسب تقرير مركز كاربون تراكر المتخصص بمخاطر المناخ على الاسواق المالية) .
فبعض الدراسات تشير الى أن الطاقة النظيفة ( الشمسية والرياح والمياه ) ربما تطيح بالنفط والغاز من على عرش مصادر الطاقة بحلول عام ألفين واربعين أي بعد أقل من عشرين عاما ( البي بي سي / 4 أغسطس آب 2021 ) . وقد قال جيف ميللر الرئيس التنفيذي لشركة هاليبيرتون العملاقة : ان هناك تراجعا حادا في استثمارات القطاع ( النفطي ) على مدار السنوات السبعة الماضية . اما أمين ناصر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية للنفط فقد أكد ان هناك تراجعا حادا في استثمارات النفط والغاز الطبيعي وعقب قائلا : ( إنهم يتحدثون عن ذلك سرا ، لكن ينبغي أن يفعلوا ذلك في العلن ) ( فايننشيال تايمز 7 كانون اول 2021 ) .
وتقول العالمة البريطانية أنجيلا تيري : الحقيقة أن الشرق الاوسط لاعب كبير جدا عندما يتعلق الأمر بالنفط والغاز وعليه ادراك أن المستقبل لايسير في هذا الاتجاه وإنما يسير نحو مصادر الطاقة النظيفة.
وتتوقع عدة تقارير أن يتسبب هذا التراجع في الموارد المالية باضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية ، ستعصف بعدد من الدول النفطية ، لاسيما في الشرق الاوسط ، وفي مقدمتها العراق .
وقد حذر تقرير امريكي بان العراق بين 11 دولة – بينها الهند وباكستان وافغانستان – ستعاني من عدم الاستقرار السياسي بسبب التغير المناخي ( موقع عربي 21 في 2 / 12 / 2021 ) .
الانكى من هذا ، ان تراجع الموارد المالية سيحدث مع تفاقم ثلاث تحديات ، يرتبط بعضها بالبعض الاخر : التغير المناخي وندرة المياه وتزايد عدد السكان، فضلا عن التحديات الاخرى المتفاقمة اصلاً كتدهور الخدمات وتراجع التعليم … الخ ، لتتحقق المقولة الشعبية : المصائب تأتي دفعة واحدة . او كما قال الشاعر العباسي ابن يسير الرياشي :
تَأتِي المكارهُ حين تَأتِي جملةً
وترى السُّرورَ يَجيءُ في الفَلَتاتِ
فالامم المتحدة تُصنف العراق على انه خامس دولة في العالم هشاشة من حيث التكيف مع تغيرات المناخ ، وسيعاني من ندرة المياه وملوحتها والتصحر وتراجع الزراعة بشقيها النباتي والحيواني وارتفاع درجة الحرارة وهجرة ملايين الناس . فالتغير المناخي من المتوقع أن يُقلل هطول الامطار السنوي في العراق، مما يؤدي الى زيادة العواصف الترابية وانخفاض الانتاجية الزراعية وزيادة ندرة المياه ( فرانس 24 في 3 / 9 / 2021 ) . بحيث يؤثر التصحر على 39 ‎%‎ من مساحة العراق وقد نفقد 54 ‎%‎ من اراضينا الصالحة للزراعة ونواجه عجزا يصل الى 10.8 مليار متر مكعب من المياه سنويا بحلول 2035 . مع تضرر سبعة ملايين عراقي مباشرة من الجفاف مما سيضطرهم للنزوح من مناطقم الى مناطق اخرى في العراق . ان ملوحة المياه والتربة مضرة بالمحاصيل والحيوانات والبشر ، وهي بالاضافة للملوثات الاخرى الموجودة فانها تشكل خطرا حقيقيًا على الصحة العامة – كما يقول مالغراتي المستشار لدى اللجنة الدولية للمياه والسكن .
ومؤخرا حذر المعهد الدولي لادارة المياه من أن التغيرات المناخية في منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط ، ستتسبب في مزيد من الاجهاد المائي لتلك المنطقة . ففي العراق الذي يعاني اصلا من مشكلة مياه ، بسبب السدود التي اقامها جيرانه على نهري دجلة والفرات دون التشاور معه وأدت الى حجب حوالي 50 ‎%‎ من حصته المائية ، بلغ مؤشر الاجهاد المائي فيه 3.7 من 5 وفق مؤشر الاجهاد المائي ، ليصبح واحداً من البلدان المُصنفة بأن لديه ” خطورة عالية ” في ما يتعلق بندرة المياه ، حيث يتوقع المؤشر الدولي أنه بحلول عام 2040 سيجف نهرا دجلة والفرات تماماً ، وبالتالي سيعاني العراق من الجفاف والعطش ( عمرو سليم مدير مركز المستقبل للدراسات الاعلامية والسياسية بالقاهرة ) .
ومما يجعل النظرية اعلاه واردة ، الامر الذي يقرع جرس انذار خطير ، جفاف نهر الخابور هذا العام ، والذي يبلغ طوله 320 كم وحوضه 37.081 كم2 ، أي حوالي 4 ملايين فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، وهي سلة الحنطة في سوريا حيث تنتشر زراعة القمح بشكل كبير في سهوله الواسعة الخصبة. مع الاشارة ان سوريا تنسب ذلك لحبس تركيا كميات كبيرة من مياه الفرات خلافا للاتفاقية الموقعة مع سوريا حول توزيع حصص المياه .
ولا تزال تركيا ماضية في بناء المزيد من السدود على نهري الفرات ودجلة اللذين يمثلان شريان الحياة لسوريا والعراق. وأدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80 في المئة حتى قبل الأزمة الحالية بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 40 في المئة( البي بي سي 19 أيار 2021 ) .
التحدى الاخر الذي يواجه العراق هو انه على ابواب انفجار سكاني ، فمعدل الزيادة السكانية السنوية – حسب بيانات وزارة التخطيط- هي 2.5 – 2.7 ‎%‎ ، اي ان عدد سكان العراق يزدادون سنويا 850 الفا الى مليون نسمة ، وسيبلغ عدد السكان وفق هذه الزيادة خمسون مليونا عام 2030 . مع الاشارة ان الزيادة السنوية – وفي غياب احصاءات دقيقة – ربما تفوق ذلك وتصل حتى 3 ‎%‎ .
وللمرء أن يتصور نزول مليون يد عاملة الى السوق سنويا في بلد ذي اقتصاد ريعي ويعاني من بطالة شديدة وتردي في الخدمات ونقص في المياه ومهدد بتراجع موارده المالية !
للاسف ان هذا التحدي يُواجه رسميا بالتجاهل وعدم الالتفات ، وكأنما تنتظر الدولة ان نصل الى ما تواجهه مصر حاليًا – اذ اصبحت مواجهة زيادة السكان قضية امن قومي – حتى تتحرك وتخطو خطوتها الاولى . ففي مصر يزداد عدد سكانها مليوني نسمة سنويا ، رغم ان المعدل السنوي للزيادة 1.7 ‎%‎ . اي اقل من المعدل السنوي العراقي الحالي بحوالي 1 ‎%‎ .
ان مواجهة هذه التحديات هي مهمة السياسة ، باعتبارها رؤية كاملة فيها اقتصاد قوي ، ومجتمع متماسك ، وهوية محددة ، ومطلب مشروع ، وتهديد محتمل .
بكلمات أخرى : ان الحل ليس مستحيلا ، ولكنه يحتاج الى رؤية دولة .