3 نوفمبر، 2024 12:27 ص
Search
Close this search box.

التحديات الخليجية والاولويات

التحديات الخليجية والاولويات

كثر الحديث في هذه الايام عن تقارب بين بعض الدول العربية ، وبالذات الدول الخليجية وعلى راسها المملكة العربية السعودية ، واسرائيل . وان مثل هذا التقارب ينعكس سلبا على قضية العرب المركزية الاولى في فلسطين . وهذا في العموم رأي صحيح . بيد ان الكل بات يدرك ان طبيعة التحديات الوطنية والاقليمية والدولية قد جعلت من اهداف القضية الفلسطينية أهدافاعائمة تتغير طبقا لتغيّر تلك التحديات . فلم تعد الاهداف هي نفسها التي كانت بعد قرار تقسيم فلسطين وتأسيس دولة اسرائيل على 57% من اراضي فلسطين استنادا الى قرار الامم المتحدة 181 لسنة 1947 ، وتوسعت الى ما يقارب 75% من تلك الاراضي بعد الحرب العربية – الاسرائيلية عام 1948 . كان الهدف وقتها تحرير كل فلسطين من اليهود . وبعد الحرب العربية الاسرائلية عام 1967 وأحتلال ما تبقى من فلسطين اضافة الى اراض عربية اخرى ، اصبح الهدف الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة بما فيها فلسطين الى حدود ماقبل 1967 . وهذا يعني ضمنا الاعتراف بدولة اسرائيل على الاراضي الفلسطينية التي كانت موجودة عليها قبل حرب 1967 . بعد حرب 1973 وتحرير مصر لأراضيها في سيناء ، دخلت العلاقات العربية – الاسرائيلية بمرحلة جديدة سمحت لبعض الدول العربية بالاعتراف الرسمي باسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها. وفي التسعينات وبعد اتفاقات أوسلو دخلت العلاقات الفلسطينية – الاسرائيلية مرحلة جديدة تميزت بالاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل ، وتمّ على اساسها اقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وعاصمتها المؤقته رام الله لحين مفاوضات الحل النهائي الذي سحدد وضع القدس والحدود . بعد هذه التطورات لم يكن شيئا غريبا ان تكون هناك علاقات غير رسمية بين بعض الدول العربية واسرائيل ، وبالذات فيما يتعلق بلقاءات وزيارات هنا وهناك من وقت لآخر . ومع كل هذه التطورات فان القضية الفلسطينية بقيت قضية العرب المركزية حتى في اثناء الحرب العراقية – الايرانية التي استمرت ما يقارب الثمان سنوات .
في السنوات الخمس الاخيرة ، وبعد تمدد ايران الكبير والواضح والمجاهر به من قبل المسؤولين الايرانيين في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، شعرت الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية أن امنها الوطني بات في خطر وجودي، والتحدي بالنسبة لها اصبح تحديا مصيريا، فهل تتغاضى عن هذا الخطر باعتبار ان قضيتها المركزية الاولى هي فلسطين ! أم تتصرف بما يخدم مصلحتها الوطنية وعندها تحتل قضيتها المقام الاول ، وهل مثل هذا التصرف يعتبر خيانة للقضية الفلسطينية !
ان تاريخ الشعوب مليء بقصص من هذا النوع، وتاريخنا العربي والاسلامي مثلها . ألم يطلب أمرؤ القيس المعونة والنصرة من قيصر الروم على ابناء جلدته من العرب، واستعان سيف بن ذي يزن بالفرس لطرد الاحباش من اليمن ، بل الم تعقد الدولة الاموية الاسلامية في الاندلس اتفاقات صداقة وتعاون مع الامبراطوية البيزنطية المسيحية ضد الدولة العباسية المسلمة ، وتتعاون الدولة العباسية المسلمة مع الامبراطورية الرومانية المسيحية ضد الدولة الاموية في الاندلس. كما يحدثنا التاريخ عن استعانة ملك فرنسا فرانسوا الاول المسيحي بالسلطان العثماني المسلم سليمان القانوني في حرب فرنسا ضد الامبراطورية الرومانية ، كما استعانت الدولة العثمانية بفرنسا المسيحية وعقدت معاهدة معها تم بموجبها ان يكون ميناء طولون قاعدة للأسطول البحري العثماني المسلم لأستخدامه في مهاجمة الاساطيل الاسبانية المسيحية في البحر الابيض المتوسط ، بل الم يستعن الرئيس العراقي صدام حسين بالجمهورية الاسلامية الايرانية، التي دخل في حرب معها لمدة ثمان سنوات ليودع طائراته الحربية والمدنية لديها حفاظا عليها من قصف طيران التحالف ،اثناء حرب الخليج الثانية ( عاصفة الصحراء ) عام 1991. . ان ما ذكرته آنفا ما قصدت به ايجاد المسوّغات واعطاء التبريرات لما يمكن ان تتصرف به الدول الخليجية العربية ، فهي لاتحتاج الى ذلك ، ولكن فقط لأذكّر ان اية دولة في العالم عندما تواجه خطرا وجوديا فانها لاتتردد في اختيار اية طريقة تعتقد بانها تلبي احتياجاتها في الدفاع عن نفسها. .
وفي العودة الى ذي بدء ، هل وصلت ايران الى الحد الذي اصبحت فيه خطرا وجوديا على دول الخليج العربية ؟ الجواب نعم . والمؤشرات في العراق وسوريا ولبنان واليمن تؤكد على ذلك . بل دعونا من تلك المؤشرات ، فان النظام في ايران هو نفسه يعتبر ان من واجباته المذهبية والايديولجية تصدير الثورة الاسلامية ، اي انه يسعى لجعل الدول الاسلامية على هيئته ، وبمعنى اكثر وضوحا ان يكون مهيمنا عليها وقائدا لها استنادا الى نظريته في ولاية الفقيه . و يعتمد النظام لتحقيق هذا الغرض توجها نظريا وأسلوبا عمليا . والتنظير قائم أولا :على اساس ان انظمة الحكم الموجودة ، وبخاصة في المشرق العربي الذي تعتبره ايران مجال نفوذها الحيوي ، هي انظمة غير اسلامية شرعا حتى لو اعتمدت الدين الاسلامي كاساس للتشريع، وهي بذلك انظمة تتعارض مع عقيدة ايران المذهبية في الحكم وينبغي ان تتغير. وثانيا: ان القومية العربية هي السبب وراء الاخفاقات السياسية والاقتصادية والامنية في البلدان العربية وبسببها خاض العرب ثلاثة حروب مع اسرائيل ولم ينجحوا فيها ، وبسببها تدهور الاقتصاد والامن ، وبسبب الطبيعة العنصرية للقومية العربية عانت الاقليات غير العربية من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان وجرائم الابادة الجماعية ، وعليه فقد حان الوقت للتخلي عن العروبة ، لاسيما وان الاسلام لا يفرق بين عربي و اعجمي الاّ بالتقوى ، وان الاية الكريمة تقول : انّا خلقناكم من ذكر وانثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، ان اكرمكم عند الله اتقاكم . أما فيما يتعلق بالاسلوب العملي فانه يتأسس على الاستفادة من الوجود الشيعي في البلدان العربية من خلال نشر ثقافة اضطهاد الشيعة والتركيز على مظلوميتهم عبر التاريخ ولحد الآن . وان على هؤلاء الشيعة ان يتمردوا على بلدانهم ، ويمكنهم الاعتماد على ايران في ذلك فهي الحامية لهذا المذهب . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية العمل على تشييع المجتمعات في الاماكن التي تسيطر عليها ، كما يجري حاليا في العراق وسوريا ، فالناس على دين ملوكهم .
ما تقدم كاف لكي يبعث الخوف في دول الخليج العربية ، التي اصبحت محاطة من جميع الجهات بخطر التمدد الايراني لاسيما وان تلك الدول يشكل الشيعة فيها نسبة ليست بالقليلة ، ولا تتردد ايران ، من خلال نشر وتعميق” ثقافة المذهب قبل كل شيء” ،في استدراج البعض منهم والاستفادة من هذا البعض في اثارة عدم الاستقرار. .
في مثل هكذا تحديات ، المصلحة الوطنية تأتي في المقام الاول .

أحدث المقالات