22 ديسمبر، 2024 6:15 م

هي القدرة على التحاور أو إمتلاك مهارات وأدوات وخبرات الحوار المقتدر الذي يوصل إلى تحقيق الأهداف والطموحات , والتحاورية تتناسب طرديا مع السعادة والأمان , بمعنى كلما تمكنت الأطراف من إجادة فنون وأساليب الحوار كلما تحقق الفوز أو النجاح لهما معا , وكلما ضعفت أو غابت قدرات الحوار فأن الخسران سيصيب الطرفين أو الأطراف المتفاعلة.
والواقع العربي يشير بوضوح إلى فقدانه لأبسط مهارات وآليات الحوار , بل أن الحوار يُعتبر عيبا وسبة ولا بد من التحدي والتناحر والإقتتال , ففي ذلك رجولة وقوة وبطولة وغيرها من الأوهام والهذيانات الفتاكة التي تدفع بالناس إلى سفك الدماء.
وما أصاب العرب على مدى القرن العشرين ولا يزال بسبب هذا الفقدان المروع للحوارية , فتجدهم لا يعرفون سوى التعادي والعدوان , ولو أخذنا حالة في أيٍّ من دول العرب لوجدنا الحوارية غائبة تماما وغير معهودة , فأبناء الوطن الواحد لا يعرفون التحاور ولا يجيدون التفاهم , وإنما تكون القوة هي الآلة والأداة اللازمة لتمرير ما يراه هذا الطرف أو ذاك , والأمر واضح في التفاعلات السياسية وما إرتكبته الأنظمة في جميع الدول العربية.
فالعرب يتناحرون ويتقاتلون ويتذابحون للتعبير عن الرجولة والفحولة والقوة الواهية العصماء , وقد خسروا قضاياهم لعدم إجادتهم لفنون الحوار , ولجهلهم بسياسات النفس الطويل والصبر الواعي الأمين , فهم يتميزون بالإندفاعية الصاخبة الصارخة , وبغياب الحلم والحصافة التقديرية والعقلية اللازمة للوصول إلى الإنجاز الصحيح.
فقد أضاعوا قضية فلسطين نتيجة لذلك , فالسادات خصم الموضوع في كامب ديفد ببضعة أيام , والعراق لا يمتلك أبسط مهارات التحاور , ولهذا تم إسقاطه في أوحال الحروب الخليجية المتكررة , وما إعتبر وتعلّم كيف يمكنه الوصول إلى حل بالحوار.
فالعرب يحسبون الحوار ضعف , ويستسلمون ويرضخون بسرعة لإرادة الآخرين , الذين يسعون للضغط على عواطفهم وإنفعالاتهم فيحصدون الإستجابات المطلوبة لتنفيذ ما يريدونه.
واليوم تجدهم في صراعات تدميرية فائقة بسبب إنعدام قدرات الحوار الإيجابي البناء , وهذا ما تسبب بما يدور في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وغيرها , وربما بسبب الإنفعالية العالية وهيمنتها على العقل أو أسره وإستعباده , مما أدى لتقاتل الأحزاب وتدميرها للوطن الذي من المفروض أن تعمل من أجله وترقى به , لكنها تتدمر وتدمره.
ومن هنا فأن السؤال الذي يفرض نفسه للخروج من ورطة الإنقراض الحضاري , كيف يتعلم العرب أساليب الحوار المعاصرة؟!!
وعلينا جميعا أن نبحث عن الجواب الكفيل بإنقاذ الواقع العربي من محنة الضياع والتأندلس الفتاك , الذي سيمحق الوجود العربي مثلما محقه في بلاد الأندلس.
ولا بد للباحثين والدارسين والمهتمين أن يفكروا مليا وجديا بما يساهم بوضع الأسس المعاصرة لتربية حوارية , وثقافة حوار إنساني يعتمد العقل الذي يمتلك قدرات إبتكار الحلول , وينأى عن العواطف القاضية بسفك الدماء والهلاك المبين.
ترى هل سيتمكن العرب من إعلاء قيمة البشر , وتعلم إحترام حقوقه وتطلعاته والتحاور معه على أنه إنسان؟!!
إنها في جوهرها محنة قيمة إنسان!!
وما تعلمنا مهارات وجادلهم بالتي هي أحسن!!