داعش ليست وليدة اليوم وتمددها وإمكانيته وحتى دخولها للعراق لم يكن بخفي عن الجهات الاستخباراتية الدولية، فهل الحلف المزعوم الذي تسعى لتأسيسه الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة داعش هو تغيير في منهج الصمت الأمريكي عن داعش الذي كان واضحاً في تعاطيها مع توسع داعش في العراق إذ كانت تتصرف وكأن الموضوع لا يعنيها كثيراً ولم يتغير هذا النهج إلا بعد تمدد داعش باتجاه كردستان!
من الواضح إن أوباما خلافاً لسلفه متخوف من الخوض في أي تجربة شبيهة بتجربة احتلال العراق في سنة 2003م، وما تسرعه في إخلاء الساحة العراقية من أي قوات أمريكية ذات قيمة مع علمه بقلق الديمقراطية التوافقية العراقية، وفقدان الحكومة العراقية السيطرة على حدودها مع سوريا إلا نتاج لذلك التخوف.
فهل تنبه أوباما لخطأ منهجه لذا بدأ يسعى بعجل-لم يعطي الفرصة لأقرب حلفاءه في المنطقة لتفهمه كتركيا مثلاً- للقضاء على داعش أو التقليل من خطره بعد تمدده بشكل لا يمكن السماح به؟
يمكن القول بذلك خاصة وإن داعش تجاوز بطموحاته وأساليبه كل الخطوط الحمراء.
أم إن أوباما يحاول لململة الأزمة في المنطقة التي أنتجها الربيع العربي وداعش بحلقاته الأخيرة خاصة بعد النفوذ الإيراني الواضح في سوريا واليمن والعراق ومناطق أخرى واستقرار الوضع جزئياً في مصر وسعيها لاستعادة دورها العربي والإقليمي؟
أم إن نسخة داعش أصبحت مكشوفة ولا بد من البحث عن نسخة جديدة من صور العمل الاستخباراتي في المنطقة والذي يكاد لا يختلف تحليله عن أكثر صور نظرية المؤامرة تطرفاً؟
التحالف الجديد والذي تقف منه روسيا موقف الرافض أو من سيناريوهات عمله على الأقل رافضة لضرب مواقع في الداخل السوري دون تفويض أممي، وإيران التي استبعد كيري أن توجه لها دعوة للدخول ضمن هذا التحالف والمعنية بالشأن العراقي والسوري بشكل كبير وتنظر بعين الريبة لهذا التحالف وتقول إنه يكتنفه غموض شديد، فضلاً عن الموقف الخجول من تركيا والرافض لاستخدام أراضيها لدعم هذا التحالف بحجة الحفاظ على الرهائن بحسب بعض المحللين وهي حجة واهية برأيي، كل هذه الأمور يجب أن تحسب في تقييم هذا التحالف.
بتصوري إن أوباما سيستمر بالسعي لتشكيل التحالف الذي سيشكل واجهة جديدة وعنوان جديد للتدخل في دول المنطقة، خاصة وإنه يتم العمل عليه دون مظلة الأمم المتحدة، وسيأخذ هذا التشكيل بعض الوقت.
وسيناريوهات العمل لن تختلف كثيراً عن الضربات السابقة في النسخ الخليجية للتدخل الأمريكي في المنطقة ولكن هذه المرة العدو مختلف والمطالب مختلفة ومتناقضة. فمن جهة هناك داعش –والتي يتم تعمد اختيار اسم الدولة الإسلامية لها رغم إن داعش هو الأنسب- التي تسيطر على مناطق في العراق وسوريا وذات الطموح غير المحدود والذي قد يطال بحسب الظاهر دولاً خليجية!
ومن جهة هناك الوضع السوري المقلق بالنسبة لأمريكا حيث موقف الأسد الذي لازال قوياً ووجود معارضة معتدلة-وفق التسمية الأمريكية- تتطلب دعم وتدريب، وساحة الصراعات المتناقضة على الأرض السورية حيث يتحالف الأعداء ويتقاتل الحلفاء.
فالسيناريو المحتمل يرتكز على:
1-عقد عدة مؤتمرات لحث دول الخليج على نبذ التطرف ومنع صور الدعم المتنوعة للجماعات الإرهابية وخاصة داعش، ولا أتوقع تعاون خليجي بهذا الخصوص لأن دعم هذه الجماعات وفسح المجال لها هو الذي يبقى الهياكل العظمية للأنظمة الخليجية صامدة مدة أطول. كما إن الاستجابة المتوقعة محدودة لتجذر التطرف والطائفية والحاجة إلى سنوات من العمل الجاد والمشاريع الحقيقية للتخفيف من ذلك.
2-تدريب المعارضة السورية المعتدلة في السعودية، وستكون نتائج ذلك ليست بالمستوى المطلوب فالمعارضة السورية لا ينقصها التدريب خاصة بعد سنوات من حرب الشوارع ولكن ينقصها أن تبحث عن حل سياسي بدل حرق سوريا، ومن المتوقع أن تتغلغل القوى المتطرفة في معسكرات التدريب هذه خاصة وإن اختيار السعودية-راعية التطرف- كساحة تدريب اختيار غير موقف وسيحول ما تبقى من معارضة سورية معتدلة إلى وجه آخر لداعش.
3-تجفيف منابع التمويل المادي لداعش وهذا المحور من الممكن تحقيق نجاح معقول فيه.
4-شن ضربات أو تدخل عسكري بري في سوريا أو العراق وهذا مستبعد مع ترددية أوباما ولكنه محتمل خاصة في سوريا، مع ملاحظة التوجه الروسي الذي يضغط باتجاه منع ذلك.
5-بدأ الاستخبارات الأمريكية بالعمل على السيناريو الجديد البديل لداعش في حال توقع القضاء عليه او تحييده كما حصل مع القاعدة بنسبة ما.
برأيي إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تغير من استراتيجيتها وعنوانها الأبرز رعاية المصالح الأمريكية وتأجيج الصراعات بل وخلقها، ولن يخدمها وجود نسخة معتدلة من الصورة الإسلامية، وأنا متشائم تجاه الوضع وإن كنت أرى في الأحداث الحالية فرصة حقيقية للعراق ومصر معاً لقيادة العمل العربي والإقليمي، وإعادة صياغة الوضع في الشرق الأوسط بالاستعانة بأطراف النزاع فيه. ولا ادري إن كان هناك ساسة في البلدين يدركون أهمية ذلك ولديهم خطط لتحقيقه أم لا؟