17 نوفمبر، 2024 1:42 م
Search
Close this search box.

“التجنيد الالزامي” ونزوات السياسيين

“التجنيد الالزامي” ونزوات السياسيين

يتداول العراقيون هذه ألايام ألاحاديث حول “التجنيد الالزامي” وينقسم وكالعادة المعهودة لهذا المجتمع الأراء حول هذا الموضوع والمشروع , بين قليل مقتنع ومؤيد , وكثير متضرر ومعارض , وهو بالفعل يصح تسميته بالمشروع , لانه يصب بالمحصلة في خانة المنتفعين وألانتهازيين المعروفين بالصيد في المياه العكرة , وما أحلاها ألان من مياه عكرة ؟!

يروج له بعض السياسيين بحجة الوطنية وحب العراق , رغم مايشاع عن هؤلاء بالفساد وقلة النزاهة والانتهازية والتلون من أجل المصالح الشخصية والحزبية الضيقة , فهذه ألاصوات المنادية لهذا البرنامج والمشروع الجديد ظهر إلى العلن بعد ظهور تنظيم داعش ألاجرامي التكفيري الذي فرض على المجتمع العراقي هموم جديدة كالهجرة والنزوح القسري وماترتب عليه من تدهور أقتصادي وتدني صحي ونفسي وربما تصدع بالمنظومة ألاسرية بالكامل , رغم أن هذا المجتمع أُثقل كاهلهُ

بهموم كثيرة سياسية وأقتصادية وأمنية في العراق الجديد , العراق الذي يشهد أزمات بين الفينة وألاخرى .

بداية , وقبل كل شيء فمشروع “الخدمة الالزامية” والذي هو في الحقيقة برنامج جديد لتدمير العقلية والنفسية العراقية الناشئة وهو تكملة حلقات لسلسلة تدجين المجتمع نحو ثقافة العسكر وألاحكام العرفية , وأنتهاك حقوقه وكرامته وحريته بأسم “الخدمة الالزمية” .

ففي السابق سميت المؤسسة المسؤولة عن تجنيد الشباب للمعارك والقتال والموت المحتوم بـ”دائرة التجنيد” وكانت تابعة لوزارة الدفاع العراقية لحكومة البعث , كانت هذه المؤسسة من أكثر المؤسسات العراقية فساداً من الناحية المالية وألادارية وألاخلاقية وكانت أكثرها أنتهاكاً لحقوق ألانسان وكرامته والذي تعرض فيه الشاب العراقي إلى أبشع أنواع ألاضطهاد والقهر والحرمان وألابتزاز ودفع الرشوة من أجل الخلاص من الموت والظلم والاحتقار , بعناوين ومسميات مختلفة كخدمة العلم والرجولة وتعلم القتال ودفاع عن الوطن !!

فقد أُجبر الشباب على دفع الرشوة من أول يوم يتم أستدعاءه للخدمة العسكرية ليتم تسويقه إلى أقرب الوحدات العسكرية من سكناه خشية سوقه ألى الجبهات والمناطق المشتعلة بالهجمات والمعارك هذا في السابق , أما ألان برئيكم وفي عام 2014 كيف تكون الصورة وآلية الرشوات والاتاوات بين الجنود والضباط , وبين الجنود وضباط الصف , أترك لخيالكم الواسع الصورة والمشهد ..؟؟

ففي تلك المؤسسة المسماة العسكرية تم أمتهان العلم والعقل والمعرفة وأصحاب الشهادات والخبرات , بشعارات سوقية لاينم ألا عن ألانحطاط الفكري والاخلاقي لتلك المؤسسة وأستهتارها بقيم العلم والانسان العراقي , فمن هذه الشعارات (خريج مريج كله بالأبريج) وشعار أخر(أنزع كرامتك برة وتعال جوة) وشعار أخر يقول (الجندي هو ذلك الخط الوهمي بين البيرية والبسطال مروراً بالنطاق) فأي أمتهان وأي وصف يوصف الشاب العراقي الذي يتم أستدعائه بحجة “خدمة العلم والوطن” , أما المتخلف

والهارب من الخدمة العسكرية ومن ظلم وجور الحكومة والنظام , فحدث ولاحرج فأنه يستباح مصيره ورقبته ويتعرض ألى المطاردة والسجن والاعتقال وحتى لحكم ألاعدام أو السجن المؤبد , حتى أُذنيه لم يسلم من العبث والتشويه , هذه الصور والمصطلحات السوقية كنا نسمعها ونراها في فترة مايسمى “بالخدمة العسكرية” وهو غيض من فيض أما مراكز ومعسكرات التدريب وساحات المعارك والقتال فحدث ولاحرج ففي تلك المواقع والثكنات تَعرض ألانسان العراقي إلى أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات وألاعتداءات وسلب للحريات , فقد قُيد عقله لسنوات طويلة سنوات ظاع فيها أحلى مراحل العمر والحياة باسم خدمة العلم والدفاع عن الوطن من العدوان الخارجي , والعدو الرئيسي والحقيقي هو جاثم على صدور العراقيين في الداخل ؟!

بالله عليكم ياسياسيين عن أي خدمة ألزامية تتحدثون وعن أي أوجاع تنهشون , وعن أي وحدة وطنية تلوحون , اذا لم تكونوا مغرضين ومبرمجين , فمالي أراكم تلعبون وتنسون الحقائق أو تتناسون ..!!

في هذا المقال البسيط أسلط الضوء على تصريح لأحد السياسيين (وهم كثر هذه ألايام للترويج لمشروع التجنيد الالزامي) فقد صرح َمن قصره العاجي ما نصه:

“أن تطبيق التجنيد الإلزامي من شأنه أن يزيد شعور المواطن بولائه للوطن ، ولن يقصي او يهمش أي فئة ولن يميز بين كردي أو عربي أو شيعي أو سني ، معتبرا أن التجنيد الإلزامي ، أفضل مما يتم تداوله في الوقت الحاضر , ويلفت هذا البطل الى أن مشروع قانون الخدمة الإلزامية سيكون وفق شروط معينة ، بحيث لا تتجاوز الخدمة التسعة أشهر، تتضمن منح مميزات لمن يدخلها ، ومنها أولوية التعيين في المؤسسات الحكومية بعد إنهاء الخدمة ، كما يجوز للشخص دفع بدل نقدي مقابل عدم الدخول إليها”.

أقول لهذا السياسي , كل هذه التصريحات والتبريرات والمحفزات ألأنفة الذكر تم تداولها في زمن النظام البائد وتم تمريرها على عقول العراقيين

بحجج وأوهام كثيرة كالوطنية وخدمة العلم والدفاع عن العراق , وهنا وبسطور قليلة سوف أفند هذه الاطروحة الجديدة القديمة :

1- التجنيد ألالزامي لايزيد شعور المواطن بولائه للوطن , مايزيد شعور المواطن بولائه للوطن هو حجم الرفاهية التي يعيشها المواطن في وطنه وكمية وجرعة الديمقراطية التي ينعم بها المواطن في وطنه .. أن مايزيد ولاء المواطن للوطن هو قلة الفساد الاداري والمالي في الوطن .. أن مايزيد ولاء المواطن للوطن هو صدق وحرص ونزاهة الحكومة وتفانيها في خدمة المواطن أولاً وثقة المواطن بحكومته ثانياً .. أن مايزيد ولاء المواطن للوطن هوعندما يشعر المواطن بأن الرئيس والمرؤوس متساوون في الحقوق والواجبات , فهذه الوصفات تزيد ولاء المواطن للوطن , لا التجنيد الالزامي .

2- مسألة التهميش والاقصاء بين مكونات الشعب العراقي من كورد وعرب وسنة وشيعة لايمكن حلها بالخدمة الالزامية , فهذه الحجة واهية تسمى بالفصيح “القفز على الحقائق” !! ألاختلافات بين مكونات الشعب العراقي هي سياسية , وحلها بيد السياسيين والكُتل السياسية قبل أن يكون بيد هذا الجيل المُحاك ضده مؤامرة التجنيد والخدمة الالزامية , فمن يضمن أنه لا تكون في فكرة التجنيد الالزامي تكتلات وتجمعات لطائفة على حساب طائفة أخرى , وربما يكون هناك حشد ودفع لطائفة لأمكان ساخنة على حساب طائفة أخرى , أو ربما تكون العسكرة والتجنيد مكان لتصفية الحسابات الطائفية والعرقية .

3- أما مسألة عمر الخدمة وألزامية الوقت المقرر لذلك من قبل الحكومة بتسعة أشهر , فهي تذكرنا بالخدمة أبان النظام السابق حيث كانت الخدمة المقررة للمكلف 36 شهراً كل من أكمل التاسعة عشرة من عمره ولم يلتحق بالمدارس أو تركها , و24 شهراً لكل من أكمل الدراسة ألاعدادية أو مايعادلها ولم يلتحق بأحدى الكليات والمعاهد أو مايعادلها , و18 شهراً لكل من تخرج من أحدى الكليات أو

المعاهد والتي لاتقل الدراسة فيها عن السنتين أو مايعادلها .. والنتيجة كانت سنوات وسنوات من الخدمة والحرب في جبهات القتال , خدمةً لنظام وخدمةً لرأس النظام المتمثل بالطاغية , أما مسألة توفير فرص للتعيين في المؤسسات الحكومية فهي من واجبات الحكومة أذا كانت وطنية وحريصة على مصلحة الشعب دون أن تكون مشروطة بشروط التجنيد والعسكرة .

4- أما ألاقتراح ألاخير من قبل هذا السياسي الوطني والمثير للجدل والضحك , هو شرط دفع البدل , بالله عليكم لو كانت المسألة والقضية وطنية وكما يزعمون فما بال البدل والمال يدخل في موضوع خدمة العلم ؟ّ! ثم من يستطيع دفع البدل والملايين هذه الايام غير أبناء السياسيين وأصحاب السلطة والمال , الذين يتنعمون بألف بل وملايين الدولارات فأبناء هؤلاء وأقولها مقدماً لايخدون الخدمة الالزامية أذا ماتم أستدعائهم للخدمة فأن خدمتهم الالزامية تكون أما في بيوتهم أو مكاتب أولياء أمورهم السياسيين والبرلمانيين , أما ولد (الخايبات) فمصيرهم تحمل عواقب مشروع التجنيد الالزامي الذي يقترحه المغرضون وتحمل تبعاتها الخطيرة بكل مايحمل هذا المشروع من دمار وعواقب وخيمة على هذا الجيل الذي ربما لايرحمه القدر أيضاً كما لم يرحم ألاجيال السابقة قبله , فقدر هذا الجيل أنه ولد في هذا الوطن .

أيها الناس أرحموا من في الارض , كي يرحمكم من في السماء

أيها السياسيين أيها البرلمانيين أيتها الحكومة الموقرة , قدموا وأقترحوا وشرعوا ماينفع الناس .. قدموا لهم المأوى , وأقترحوا لهم الخدمات الجيدة , وشرعوا لهم ألانظمة والقوانين المدنية , أمنحوهم الحرية وفروا لهم الرفاهية وكل سُبل الراحة التي حُرموا منها في السابق وحرمتموهم أنتم منها ألان .. فبدل أن تقدموا لهم هذه المقومات لحياةٍ كريمة , تقدمون لهم العذابات ولأبنائهم الذُل وألاستعباد تلبية لنزواتكم ورغباتكم وخدمة لأُناس أو لأحزاب كي

يزدادوا سُمنةً وفساداً على حساب المساكين والمحرومين , بحجة الخدمة ألالزامية والوطن والوطنية ..؟!!

*[email protected]

أحدث المقالات