على مدى ١٧ سنة مضت، تعرضت الثروات الوطنية العراقية إلى محاولات خبيثة شتى وبأساليب مختلفة باتجاه الابتلاع الشرس لها، عبر تفكيك مقوماتها وتفتيت الأسس الداعمة والضامنة لها في تسخير عوامل تطويرها والحفاظ عليها من أجل تسخيرها لصالح حاجات المجتمع وتحقيق العيش الكريم الآمن له.
إن أحد الأساليب، التي اعتمدتها الأجندات الخارجية وأدواتها، داخل العراق، هو عزل الخبرات الأكاديمية والمهنية الوطنية (بصفتها الثروة الوطنية الأولى) عن العمل، من خلال تشتيتها، بنحو عشوائي، في الكثير من بلدان العالم بهدف إشغالاً لها عن ملاحقة متطلبات العيش وتوفيرها ولعائلاتها وتأمين الاستقرار المؤقت لها .
وهذا ما تحقق الكثير منه عندما شرعت أذرع الاحتلال في اعتماد وسائل قذرة ووضيعة في ملاحقة أصحاب العناوين الأكاديمية من مختلف التخصصات، في الداخل، إذ تعرض المئات إلى التهديد والإقصاء والتهميش والملاحقة والاغتيال الممنهج للعشرات منهم، ولم تقتصر هذه المحاولات على ذلك، بل ابتكرت أساليب ناعمة في تحقيق أغراضها الخبيثة .
من هذه الأساليب العمل على تسكين (تخدير) الكفاءات الوطنية، عبر تكوين منظمات هلامية عديدة هدفها احتواء الإمكانات، التي تتمتع بها هذه الكفاءات وإشغالها بنشاطات وإعداد بحوث مختلفة بأطر سائبة الأهداف لا يتحقق منها شيء يذكر على الساحة الوطنية لتحقيق ما يمكن في تجفيف المنابع الفكرية والمهنية الوطنية وقطع صلاتها بالواقع العراقي وإلغاء دورها في كشف تداعيات الاحتلال وما تبعها من معاناة مختلفة الجوانب يقاسي منها المواطن العراقي حيث تم تسخير عامل الزمن ما أمكن لتحقيق هذه الغايات .
إن هذه الأساليب بدأت تنكشف، بوضوح تام، فكان على المتصدين لهذه المحاولات الخطيرة الاتجاه إلى خيارات جادة لإحباطها فشرعت كوكبة من هؤلاء إلى تكوين تجمع وطني أكاديمي عراقي فاعل ذي أهداف نزيهة لتحقيق ما ينبغي في مساهمته الواسعة ومن خلال الأدوار والفعاليات الداعمة لعملية التغيير المنشودة لإنقاذ العراق وانتشاله من الحالة المتردية والتصدي لمظاهر العبث والنهب والتخريب كلها للثروات الوطنية .
إن منهج إفراغ العراق من ثرواته على وفق ما ذكرناه شمل القطاعات الحيوية كافة، التي تمس حلقات التطور والرقي للمجتمعات، وكمثال على ذلك، ما تعرض له قطاع الكهرباء من أساليب تخريب متعددة ومتعمدة كان أولها إقصاء العديد من الخبراء عن العمل في هذا القطاع بفعل شماعة الإقصاء والاجتثاث وقوانينه الوضيعة، بل والإجرامية، وما تبع ذلك من تهديدات وتضييق واغتيالات طالت الكثير من الملاكات العاملة ذات المهارات النادرة في مجال اختصاصاتها، والتي أجبرتها على مغادرة البلاد، مما نجم عنه فقدان المجتمع إحدى الركائز الأساس لتطوره، وهي خدمة الكهرباء، تمهيداً لطريق إحلال عناصر تنقصها المعرفة وزعت على مفاصل قطاع الكهرباء بما يتناغم وأعراف المحاصصة المقيتة، إرضاءً لأحزاب السلطة ومراعاة لمصالحها غير المشروعة في الحصول على عقود لا تسهم في معالجة أزمة الكهرباء المتفاقمة، بل تعرقل أي جهد للمعالجة .
ولم تسلم قطاعات النفط والصناعة والتعليم والزراعة وسائر القطاعات الأخرى من هذه الممارسات، التي صبت في مصلحة الاحتلالين، عبر أدواتهم الوضيعة، فكان لها شباب الثورة بالمرصاد تحركهم المسؤولية الوطنية، رافضين الرضوخ لهذا الواقع، ساعين لتحقيق شعارهم (نريد وطن)، مقاومين، ببسالة، مشاريع التبعية والخنوع كلها.