الدول العربية ليست الوحيدة التي تجزأت بعد الحرب , فهناك كوريا , وألمانيا , وفيتنام , وغيرها , وجميعها إستثمرت في التجزأة وتقدمت وعاصرت , إلا الدول العربية فأنها تناحرت.
لا يتفق الجميع مع القول بأن (سايكس – بيكو) , من الأخطاء القاتلة التي إرتكبتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.
وعندما أدركت خطأها , عملت على جعل الدول القطرية متناحرة , لتنزف طاقاتها وقدراتها وثرواتها , وتنشغل ببعضها وتتمحن في وجودها , وبموجب ذلك تأسست الأحزاب المؤدينة والقومية , وما وجدنا أحزابا وطنية ذات قيمة ودور.
فهذه الأحزاب تشترك بأهدافها القاضية بالعدوان على الدولة القطرية , والتغني الخيالي بالوحدة وبناء الدولة الكبرى , وما أفلحت سوى بمناهضة طروحاتها , وأمعنت في تقسيم المُقسم , والأحزاب المؤدينة أجادت التفرقة وجسدت الطائفية والمذهبية , وهي لا تؤمن بوطن بل بأمة متصورة.
وأشد ما كانت تخشاه القوى التي جزأت الوطن إلى دول , أن تهتم كل دولة ببناء وجودها القوي وتستثمر ثرواتها وطاقاتها البشرية , ولهذا عملت على أن لا يتحقق هذا السلوك الإيجابي , وأوهمت الجميع بأن العلة في التجزأة , وعلى الدول أن تجاهد من أجل الوحدة لتكون , وبدونها لن تتقدم وتعاصر ويعيش أبناؤها بحرية وكرامة , فشجعت فيها الأنظمة الإستبدادية , وقضت على أنظمتها الديمقراطية الدستورية , وعززت دور الفردية , والإذعانية , فصادرت وجود أبناء الأمة أجيالا بعد أجيال , وقام بالمهمة أبناء الأمة أنفسهم , وإتخذوا من قميص الإستعمار عذرا لتبرير مساوئهم وجورهم , وعدوانهم على المواطنين , وكأن الدنيا ليست سوح غاب يفترس فيها القوي الضعيف.
فلو تحقق بناء الدول القطرية وفقا لأسس دستورية راسخة , وتواصلت التنمية والتفاعلات الإقتصادية والعلمية , وغيرها مثلما يحصل في الدول الأخرى , لأصبحنا أمام أكثر من عشرين دولة قوية , وكل منها سيكون سندا للدولة الأخرى , وبتكافلية تساهم في فرض هيبة وعزة الأمة على أمم الدنيا.
فتخيلوا أكثر من عشرين دولة قوية متعاضدة في المحافل الدولية , فماذا سيحصل , وأي مكانة ستكون لها.
إن العيب في أنظمة الحكم التي إنطلت عليها لعبة التجزأة , فأوصلتنا إلى قيعان المرير.
فهل من قوة وطنية راسخة , وقدرة على الخروج من نمطية التفكير العاهوي؟!!