23 ديسمبر، 2024 7:46 ص

التجربة الفرنسية

التجربة الفرنسية

قال الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون: “في سنة واحدة غيرنا وجه السياسة الفرنسية وأثبتنا أن الأمل في فرنسا ليس حلما، بل يتحقق بالإرادة”، لم يمض على تأسيسه لحركة “الى الامام” سوى عام واحد فقط! (تأسست حركة الى الامام في نيسان أبريل 2016) ، نعم العالم يتغير والشعوب الحية هي من تراقب المتغيرات وتنتخب لنفسها ولمستقبل اجيالها الافضل، فهل كان هذا الفوز صدفة؟ هل أتت الحركة بشيء مختلف للفرنسيين؟ هل كان خياراً مدروساً؟ وهل النتائج ستكون ذاتها لو ان الانتخابات الفرنسية كانت قبل عام؟

لو لم يصوت البريطانيون على الخروج من الاتحاد الاوربي وينتصر في الاستفتاء الكئيب المتطرفون الراغبون في العيش بعزلة، لما توفرت للشعب الفرنسي فرصة للمقارنة بين ما تمر، وستمر به المملكة المتحدة وبين ما تعيشه المانيا كقوة اقتصادية رغم تمسكها بخيار انجيلا ميركل استقبال المزيد من اللاجئين سواء كان هذا الخيار التزام اخلاقي او سلوك نفعي لجهة حاجتها لمزيد من اليد العاملة، الاشهر العشرة التي فصلت بين استفتاء بريطانيا والانتخابات الفرنسية كانت كافية لشعب مثل الشعب الفرنسي ليقارن بين المرشحين بوضوح فمارين لوبن لو فازت ستأخذهم الى استفتاء للخروج من الاتحاد الاوربي الذي طالما وصفته بالاتحاد الفاشل في حين ان ماكرون كان يريد البقاء والعمل على تطوير كل شيء للوصول الى فرنسا قوية اقتصاديا على غرار المانيا وان لم يتحدث احد بذلك ولكن الرئيس الشاب بخلفيته المصرفية وجذوره الاشتراكية يسير على خطى ميركل.

كان خيار الشعب مدروسا ولو كانت الانتخابات قبل عام لما فاز ماكرون ورغم أن مارين لوبن كانت تراهن على ان التغير يسير لصالح توجهاتها اليمينية وكانت تستشهد بخطاباتها وكلماتها امام مناصريها باستفتاء بريطانيا وفوز الرئيس الاميركي دونالد ترامب لكن الشعوب الحية تؤدي دورها المناسب وتصحح المسارات ولا تترك شيئا للصدفة.

واذا كنا لانقرأ، فلماذا لا نسأل؟ فالحال الذي يمر به واقعنا العراقي يفرض علينا طرح المزيد من الاسئلة حول المخرج الذي يوصلنا الى حالة اطمئنان ورخاء تعيشه شعوب تشاركنا البعدين الجغرافي والاجتماعي هذا بالإضافة الى البعد الاقتصادي (النفط)، تماما كما فعل الشعب الفرنسي الذي لم يتأثر بالشعارات ونظر الى التجارب الناجحة واختار ان يسير على خطاها.

نحن في العراق علينا ان نسأل مثلا: لماذا تعيش شعوب نفطية اخرى استقرارا نسبيا منذ حصولها على الاستقلال؟ فبلدان الخليج لم تتعرض الى مشاكل امنية عدا ما حصل للكويت من غزو من قبل نظام صدام حسين الثوري القومي العروبي. لماذا تناور هذه البلدان بهامش قومي وديني ينسجم قبل كل شيء مع اولويات مصلحية بحتة لشعوبها؟ هل نجحت سياسة دول الخليج بتجنيب شعوبها ويلات الاقتتال والتطاحن؟ ماذا قدم الثوريون واحزابهم وشعاراتهم القومية؟.

لدينا تجارب ناجحة تحيط بنا يمكننا ان نستعين بها لنتجاوز محنتنا بشرط التخلي عن التفاخر بالتاريخ ونزع اوهام العظمة والتفكير بمستقبل ابناءنا وألا فعلينا ان نجد اجابة صادقة لسؤال سيطرحونه علينا : لماذا يجب علينا ان نموت لكي يحيا الوطن؟ لماذا لا نعيش ويحيا الوطن؟
نقلا عن العالم الجديد