23 ديسمبر، 2024 12:15 ص

التبصر من البصيرة وتعني قوة الإدراك والفطنة , والعلم والخبرة.

البصير بالعواقب: الذي يأخذ الإحتياطات متداركا لما سيحدث.

رجل بصير: ثاقب النظر.

والمجتمعات المحظوظة هي التي تفوز بقيادة بصيرة قادرة على إتخاذ القرارات المحافظة على قوة المجتمع والمساهمة في الإستثمار بطاقاته وقدراته المتنوعة.

ومن القيادات البصيرة , القيادة الكوبية التي تمكنت من الحفاظ على كوبا كدولة وأسهمت في تطوير العديد من المشاريع فيها , وعلى مدى أكثر من نصف قرن , رغم أنها على مرمى حجر من أقوى قوة في الدنيا , وهي في تخاصم ومجابهة معها , ويمكن لتلك الدولة أن تحتلها في ظرف ساعات , لكن القيادة الكوبية المتبصرة نأت بالبلاد عن المواجهة الحقيقية مع أعتى قوى عالمية , وأبحرت في مسيرتها وأقامت نظامها وحافظت على كيانها وقدرتها وقوتها ومكانتها العالمية.

ومن القيادات المتعثرة العديد من القيادات العربية ويأتي على رأسها العراقية والليبية واليمنية والسورية وعدد من القيادات الأخرى , التي لم تتمكن من صناعة الواقع اللائق بمجتمعاتها رغم توفر الثروات الطائلة والطاقات الخلاقة في البلاد.

وبين التعثر والتبصر مسافة طويلة , والعلة التي تمنع المجتمعات من الإتيان بقيادات متبصرة تبني حاضرها ومستقبلها , يمكن تلخيصها بغياب التفاعل العقلي وسيادة التفاعلات الإنفعالية المحكومة بالأوهام العقائدية أو التصورية , وبفقدان آليات ومهارات البحث العلمي الكفيلة بإستخلاص الدروس والعبر والتواصل في وضع البنى التحتية للنجاحات الحضارية.

فلو تأملنا التجربة الكوبية لتبين لنا بأنها إتخذت نهج البحث العلمي كما فعلت التجربة الصينية , وأن العقل هم الحكم الفيصل في قراراتها وتفاعلاتها مع الآخرين , وما تنازلت عن عقلها الثوري والوطني والإنساني , وكان قائدها يتحدث بلغة بصيرة وعبارات حكيمة وكأنه يترجم قوانين سلوكية ذات نتائج معلومة.

وبرغم ما يُقال عن التجربة الكوبية لكن قيادتها أبحرت بها في لجج الأمواج المضادة والهائجة وأوصلتها إلى بر الأمان الحضاري المعاصر , وأوجدت فيها مراكز متنوعة للبحوث العلمية والنشاطات الإبداعية , التي أسهمت بالحفاظ على عزتها وكرامنتها ومنهجها الوطني التحرري , وقد أبدى قائدها العديد من النصائح لقادة العرب لكنهم لم يابهوا بها وغامروا بأنظمتهم وبشعوبهم وبأوطانهم , كما هي الحالة في العراق وليبيا واليمن وسوريا.

ولن تقوم قائمة للوجود العربي في العديد من الدول العربية إن لم يتمكن الشعب من الإتيان بقيادة متبصرة , ذات بصيرة معاصرة وعقلية بحثية علمية تتواكب مع التفاعلات القائمة في االدنيا المتسابقة نحو ما هو أصيل ومتميز وجدير بالحضور في أيامها المتواكبة.

فهل سنتبصر ولا نتعثر؟!!