مهنة التاليف والتحقيق مهنة يترتب عليها صدق التاريخ ولذا على من يعمل بهما ان يكون بمنتهى المعرفة والامانة في نقل وتحقيق ما يكتب لانها مسؤولية جسيمة ويبقى الضمير هو الرقيب لان كل شيء يمكن شراؤه وهذا ما عملت عليه الدولة الاموية ومن بعدها وحتى يومنا هذا .
اتذكر قبل اربعين او خمسين سنة هنالك جهات رقابية تسمى لجنة التعضيد وما شابه ذلك تابعة للحكومة ـ وزارة الثقافة ـ يعرض عليها اي كتاب قبل الطبع لتقوم بدراسته وتدقيقه ومن ثم منح اجازة طباعته ( بعيدا عن المقاصد السيئة لبعض الحكومات في تغييب الحقيقة )، ومن جانب اخر كانت بعض المطابع لاسيما في لبنان تقوم هي بتدقيق الكتاب لغويا ومعلوماتيأ والتاكد من مصادره .
اليوم اي القرن الواحد والعشرين اصبحت الفوضى العارمة في كل مفاصل حياة اغلب المجتمعات ومنها مفصل الثقافة والتاليف والتحقيق والطباعة واصبح بمقدور كل من لديه امكانية مادية ان يكون الكاتب الكبير والمحقق العملاق والعلامة وووو
اليوم الاخطاء الطباعية ممكن تبريرها بسبب الطباعة بالكومبيوتر وليس يدويا كما كان سابقا ولكن معلومات خاطئة عجيبة والمؤلف دكتور ومحقق، رحم الله الدكتور علي جواد الطاهر عندما الف كتاب فوات المؤلفين واخر فوات المحققين كتابان يدلان على سعة اطلاعه ودقته في ضبط المعلومة لدرجة انه في كتابيه ضبط كم هائل من الاخطاء اللغوية والمعلوماتية ولو كان اليوم على قيد الحياة لسمعنا خبرا مفاده انتحار د. علي جواد الطاهر
وانا اتصفح كتاب ( كشكول الثقافة ) اعداد وتحقيق الدكتور حبيب عبدالكريم محفوظ واصدار دار المحجة ودار الرسول الاكرم (ص) وقع نظري على هذه المعلومات العجيبة التي لفتت انتباه حتى قليلي الاطلاع بالتاريخ مثلا يقول في ص 78 : ومن مرثية احد الشعراء على قبر الشريف الرضي وعلى قبر والده (ع) قوله
قبران في طوس خير الناس كلهم وقبر شرٍ هذا من العبر
في الهامش ذكر قبران هما قبر الامام علي الرضا (ع) وقبر والده ابو احمد السكبي!!!!!! اما قبر شر هو قبر المامون
قبر والده ابو احمد عجبا الكل يعلم ان المامون امر بدفن الامام الرضا (ع) الى جنب قبر ابيه هارون لانه يعلم سيصبح مزبلة عبر التاريخ لانه ولا خليفة عباسي له قبر لذا حصنه بقبر الامام الرضا عليه السلام ، فالمؤلف المحقق من اين له هذه المعلومة
والاغرب من هذا ما قاله في الصفحة التي بعدها
وعندما اتى الشريف الرضي (ع) هارون الرشيد اجلسه بقربه وعند انصرافه سال احد الاشخاص هارون الرشيد لماذا اكرمته ولم تكرم المرتضى ؟ فقال له احضر في الغد الى الغذاء
وفي الموعد المضروب من اليوم التالي اطلعه على كتاب من المرتضى يطلب اليه ويتذلل له بان يزيد في سعر مشروع المياه الذي يسيل في ارضه بينما الشريف الرضي(ع) رد الهدية التي بعثها اليه هارون الرشيد بمناسبة ولادة ابنه لتعففه…..
فهل تعلمون كيف عقب المؤلف المحقق على هذه المعلومة مستنكرا لها حيث ذكر في الهامش
ان الشريف الرضي يلقب بالثمانيني نسبة الى عمره عاش ثمانين عاما ولمؤلفاته البالغة 80 كتابا ولممتلكاته 80 قرية يوزع ريعها على طلبة العلم وهذه المكانة والموقع كافية لدحض ما قاله هارون وغيره …
هل لاحظتم في الهامش يريد ان يثبت ان الشريف الرضي غني وليس فقير ليدحض ما ادعاه هارون، ولا اعلم اذا كانت وفاة الشريف الرضي بداية القرن الخامس وعاش في العصر البويهي فكيف يلتقي بهارون الرشيد المتوفى سنة 185للهجرة ؟
هذه قطرة من بحر لكتب صدرت وطبعت بملايين بل بمليارات الدنانير ونشرت في الاسواق والمكتبات ولوثت الثقافة وزيفت الحقيقة