18 ديسمبر، 2024 11:25 م

التاريخ يعيد نفسه باسلوب آخر

التاريخ يعيد نفسه باسلوب آخر

خلال معارك تحرير البو كمال السورية من تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) في اواخر تشرين الثاني من هذا العام رفض السيد قاسم سليماني تسلم رسالة من رئيس وكالة الاستخبارات الامريكية السيد مايك بومبيو بدعوى انها لا تعني له شيئا ، ولا يمكن ان يتعامل معها ومع من حملها . لدي احساس ان السيد سليماني قرأ الرسالة وفهم مضمونها جيدا ، والاّ كيف عرف ان الرسالة تعبر عن الغطرسة الامريكية التي تحاول ارغام الايرانيين على الانصياع لها، كما صرح بذلك السيد محمد محمدي كلبايكاني رئيس مكتب المرشد الايرني السيد علي خامنئي
قبل هذا التاريخ بحوالي سبعة وعشرين عاما وتحديدا بتاريخ 9/1/1991 رفض المرحوم طارق عزيز وزير خارجية العراق في حينه من تسلم رسالة وزير الخارجية الامريكية جيمس بيكر خلال الاجتماع الذي جرى بينهما في جنيف في التاريخ اعلاه في فندق الانتركونتنتال بدعوى انها لاتعني له شيئا ولا يمكن له ان يتعامل معها ، وهي المسوغات ذاتها التي تذرع بها السيد سليماني في عدم قبوله رسالة السيد بومبيو (يقال ان الرساله لا تزال محفوظة في خزانة فندق الانتركوننتال في جنيف والله أعلم ، الآّ ان وفد العراق برئاسة وزير الخارجية الى مؤتمر جنيف حول الاوضاع في سوريا الذي انعقد في مونترو / سويسرا في 22/1/ 2014 اتصل بادارة فندق الانتركونتنتال لمعرفة فيما اذا كانت الرسالة موجودة لحد الان ، الا ان الادارة نفت ان يكون لهذه الرسالة اي وجود ). بعدها الكل يعرف ما حدث ، فقد انطلقت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة باخراج العراق من الكويت وحدث الذي حدث .
الان يعيد التاريخ نفسه ولكن باسلوب اخر ، فعوضا عن وزير الخارجية الامريكية لدينا الان السيد مايك بومبيو مدير السي اي اي وفي مكان المرحوم طارق عزيز لدينا السيد قاسم سليماني قائد جيش القدس والمسؤول عن اذرع ايران المسلحة الخارجية ، فهل تفهم ايران الرسالة ! ليس هناك مجال للشك في ان ايران فهمت الرسالة لأنها تتعامل مع الوقائع ببرغماتية عالية ،وهذه البرغماتية بالنسبة لها فلسفة عقائدية تقوم على اساس التقّية . لاسيما وان ايران تتحسس ما هو قادم من خلال تعثرها في جبهاتها الاساسية ( اليمن ولبنان وسوريا والعراق ) . في اليمن تؤكد التطورات التي تحدث حاليا بقوة السلاح على فك ارتباط علي عبد الله صالح مع الحوثيين وانحيازه الى التحالف أو ما يسمى بالشرعية والمعارك الدائرة في صنعاء حاليا تبرهن على ذلك ، وهذا مؤشر على تقلص نفوذ ايران في اليمن. وفي لبنان جاءت استقالة الحريري من اجل التأكيد على سياسة النأي بالنفس ، وهي تعني ابعاد لبنان عن كل ما يؤثر سلبا على الاوضاع في العالم العربي وبشكل اكثر وضوحا ابعاد حزب الله عن اي شيء يمكن ان يؤثر سلبا على دول الخليج العربية وبشكل خاص المملكة العربية السعودبة ، مما يعني ايضا تقلصا لنفوذ ايران في لبنان ولربما يتبع ذلك النظر في كيفية السيطرة على سلاح حزب الله . أما في سوريا فان نفوذ ايران يتراجع تحت ضغط تفاهمات بوتين وترامب والقاضي بالحد من نفوذ ايران في سوريا ، ولربما يقود ذلك الى تنحي الاسد في مرحلة ما من عملية الانتقال السياسي التي لا مناص منها اذا لم تتغير الظروف الدولية وليس في الافق القريب ما يشير الى ذلك . وسيحدث الشيء ذاته في العراق على اثر الرسالة التي رفض ان يستلمها سليماني والمتضمنة تحميل ايران مسؤولية اي اعتداء على القوات الامريكية الموجودة في العراق ، علما ان هذه الرسالة جاءت متزامنه مع دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون الى حل الميليشيات في العراق بما فيها الحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة.
ما ذا على ايران ان تعمل الان ؟ مضت على الثورة الايرانية ما يقارب الثمانية والثلاثين عاما ، وهي فترة كافية لكي تتحول ايران من الثورة الى الدولة وبعكسه ستكون خاتمة الاسلام السياسي في تحكمه في الدولة وفي المجتمع ، ليس في ايران وحدها بل في كل مكان.