يحدد “هـيغـل” الجمال صفة للروح والوعي، بسبب الطابع التأملي الذاتي، وتماثل تمام الأجزاء والكل، كنتيجة منطقية لوجهة النظر المثالية. ويؤكد أن “علــم الجمـــال” يتجســـد بشكل حسي موضوعــي في إطـــلاق حريـــة الإبـــداع والمعــرفة في مكونــات الحياة الإنسانية، الاجتماعية – السياسية والروحية.كما يذهب إلى إن، الجمال الفني، من حيث انه، فكرة، يغدو سهل التعريف، ويضيف:” الجمال لا يمكن أن يقتصر على مفهومه العام وحده، بل يستلزم أيضاً، توضيحات وتخصيصات، ولا مناص له بالتالي من الخروج من دائرته الذاتية ليدخل في التعيين الواقعي”. بينما يتم توسيع النظر إلى جوانب الجمال بالنسبة لوجهة النظر المادية بإعطائها طابعاً تاريخياً وإكسابها مضموناً اجتماعياً، حيث “الجميل إنتاج للممارسة الاجتماعية التاريخية” أي تحويل الجانب الحسي إلى ممارسة “السيادة” على الأشياء وذلك بمنح اللذة الروحية والمتعة الجمالية دوراً معرفياً. يعترف الباحث كمال عيد في كتابه “علم الجمال المسرحي” بصعوبة معرفة البدايات التاريخية لعلم الجمال على المستوى النظري، متجاوزاً ذلك إلى البحث في تحديد ماهية التفكير الجمالي، لكون تلك المبادئ تُعتبر المصدر الأساس للكثير من المبادئ والقيم الإنسانية الأخرى، مثل الخير والتعبد للفن، والشعر، والموسيقى، ولكون علم الجمال معنياً بالوصف والتغير بالنسبة للظواهر الفنية تم قياس التجربة الجمالية بالاستعانة بعلم النفس، وعلم التاريخ وعلم الاجتماع، وعلوم أخرى متشابكة في مناهجها ومدلولاتها مع الجمال. إن أصل كلمة “الجمالية” في اليونانية القديمة يعني “وعي الذات الاستبطاني” أو “الإدراك بالترابط”ن ومصطلح “الجمالية” يصبح أكثر تعقيدا و صعوبة في البحث عن دلالته، ففي حوالي “388-310” ق.م، وفي اليونان القديمة افتتحت مدرسة لـتقليد الجماليات، ليصمت بعد ذلك علم الجمال، والحديث عنه، حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، حيث يبرز الألماني “بومجارتن” وكتابه “تأملات” والذي هو مجموعة محاضرات ألقاها على طلبة جامعة فرانكفورت في ألمانيا, محدداً.
فيها ولأول مرة اصطلاح ” AESTHETIC” كدلالة على فلسفة الجمال والفن مستفيداً من نظام التطبيق الحسابي في الموسيقى , ومحاولاً الارتفاع بالقيمة الفلسفية في علم الجمال، أسوة بما كان مُتبعاً في علمي المنطق والأخلاق. وقد قاده ذلك إلى البحث في متطلبات الفن حيث يتساوى، الشعر والتمثيل، بالظهور عن طريق، القول، والموسيقى والأوبرا، عن طريق الاستماع،والمشاهد البصرية في، الفنون التشكيلية. ولغرض اعتماد قبول العمل الفني ايجابياً، يقتضي وجود حلقة اتصال حسية بين “المرسل والمستقبل”. ثم تضيء الانثروبولجيا الوصفية وعلم الآثار الدلالات الجمالية، حيث بدايات المحاكاة والتقليد خلال العصر الحجري في المغارات والكهوف، وتقود الشواهد العينية إلى الاهتمام بنشاط العمل الواقعي، في الفعل بشكل تصويري عندما يتم تقليد الأحداث الواقعية ذاتها. وبهذا فان الأدب الدرامي بدأ حدثاً وان فن التمثيل بدأ صامتاً، بلا حوار ومعتمداً على حركات اليدين والقدمين والحواس الأخرى، وعبر هذا وذاك، تكــونت الظاهــرة الاجتماعيــة الأولــى في فن التمثيــل، والتي تسمـــى “مسرحيــة الحياة ” بعناصــرها الثلاثة، قبل، وأثناء، وبعد العمل، ومن ذلك انبثقت مسرحيات الأعياد والمناسبات الطقسية، والتي تطلق مشاعر الإنسان وأحاسيسه، ويسعى هذا النوع من المسرحيات من خلال استخدام اليد والحجر والسهام إلى التأثير على الطبيعة والواقع والآخر. أن المسرح الحديث يعود إلى “المفهوم القديم” من حيث اعتبار النص والممثل والجمهور في الدرجة المثالية، وهو المعادل الموضوعي لما عرف في المسرح القديـــم،” الدور، الحدث، الجمهور”، استناداً إلى ذلك يقدم الباحث “عيد”، وجهة نظره في تاريخ المسرح، حيث يعارض البحوث العالمية والمحلية الكثيرة والتي تقرر: أن الأصل في المسرح والمسرحية أنهما قد خرجا من المسرح اليوناني القديم ومن عبادة وطقوس آلهة اليونان القدامى. ويرى، مع قلة من الباحثين في تاريخ المسرح من الأجانب والعرب، أن التجربة المسرحية الأولى هي تجربة وادي النيل، بعد أن تم فك رموز الكتابة الهيروغليفية، وقد أطلق على بعض رموزها لفظة “حوارات درامية” حيث “يمكننا أن نقول بوجود ما يسمى بالفرقة المسرحية المتجولة الفنية”، ويتأكد هذا الاستنتاج بوجود شخصيات.
مسرحية مثل ايزيس، اوزيوس، موراس، ضمن الأسطورة الفرعونية المعروفة ” ايزيس”. أما التجربة المسرحية الثانية فقد انبثقت في بلاد ما بين النهرين، وفي مدينة آشور تحديداً، وعبر الدراسات الآركيولوجية الحديثة تم العثور على ألواح ورقم طينية تحتوي على نصوص تتضمن حوارات “درامية”، ومنها المسرحية المعروفة باسم “الموت والبعث” وغيرها من علامات توضح توفر الشكل الطقوسي المسرحي في بلاد ما بين النهرين خلال القرنين السابع والثالث “ق. م”، وثمة لوح عثر عليه خلال التنقيب الاثاري، في بلاد ما بين النهرين، ويعرف باسم “طريق وزيارة الإلهة عشتار إلى الجحيم”، وكذلك العمل المسرحي الدرامي المسمى، “شعائر ميثراس”، وكانت حينها تقدم بالأقنعة التي يرتديها الممثلون، كجزء لازم، من متطلبات العمل المسرحي. ويضاف إلى ذلك النص البابلي المعروف بـ “التشاؤم” والذي عده الباحث والمؤرخ الألماني “ا.هوفر- هلزيرج” كأول تمثيلية “مـرحـة” في تاريخ المسرح، أي ما يعادل الآن المسرحية الكوميدية. و جاء ذلك في دراسته المعنونة “أقدم نص مسرحي في الأدب العالمي وتأثيره ” والتي نشرها في مجلة المسرح العالمي الألمانية “العدد3-4 سنة 1937″، و”هذا النص ، البابلي، الغريب ، المعروف باسم “حوار التشاؤم” تسري فيه روح المرح والعبث والسخرية وهو حوار بين السيد والعبد يعد من أقدم النصوص الدراميـــة في تأريــــخ الأدب المسرحـــي العالمــي”. إضافــة إلى علامـــات أخـــرى تصــل إلينــا من عهــد الاسكنــدر الأكبـــر “323-356” ق.م. مع وجود شواهد مسرحية في أماكن أخرى في العالم متفرقة هنا وهناك، كان يجري فيها التمثيل المسرحي وقتذاك، وقبل ما مدون من تاريخ مختص بالمسرح اليوناني القديم. أما المسرح المعاصر فهو يمثل جزئاً ضئيلاً في الحياة العامة، و هذه الخشبة الصماء القائمة على فراغ لا بد منه، هي شكل تجريدي إلا أنها تترجم أعظم لحظات الإنسان المصيرية وتقدم صراعه وكفاحه وأمانيه وانتصاراته، ولكل ذلك سيظل المسرح ملازماً للإنسان أينما كان في العصر الحجري إلى عصرنا هذا وبعد عصرنا كذلك. في مبحث “جماليات المسرح عبر العصور” يرى الباحث أن علوم الجمال تعرضت ولا تزال تتعرض حتى اليوم للجدل والنقاش.
وان أرسطو قد ركز الجماليات على “الخبرة الواقعية” وقد عد المزاج وروح الشعب الموضوع الأهم في الفن، وان ازدهار فن المسرح في اليونان والاحتفالات الفنية والدرامية تعود إلى تكريم الآلهة الذين يقررون مصيــر البشر. وفي البحث عن العصر “الهلليني” وملامحه العامة يلاحـظ “تغير موقف الفن” بسبب انهيار مصير الحياة الديمقراطية السابقة حيث اصطدمت الحياة العامة في ذلك العصر بأساليب الحياة الخاصة وبالترفيه وبالمتعة البصرية وبالشكل التام للأهداف الفردية ومطالبها الشخصية، وقد قادت الفلسفة “الرواقية” المسرح إلى الاهتمام بالبصريات والمتعة الشخصية، ولم تبق صورة حية عن الحياة. أما عن “جماليات الفن العربي” فأنه يؤكد” أن المسرح العربي حديث التاريخ ولا تظهر كثيراً في محاولاته القديمة أو الجديدة علامات وإشارات جمالية حقيقية”. ومن تنقيبه في تاريخ المسرح العربي يلاحظ ثمة علامات وإشارات جمالية تتحدد في مقامات بديع الزمان الهمذاني وبخلاء الجاحظ وكتاب النمر والثعلب لسهيل بن هارون وحلقات الذكر ومجالس السماع الصوفية والاحتفالات الجماهيرية الشعبية مثل احتفالات المولد النبوي، ومأساة “واقعة الطف” حيث يعاد فيها تجسيد للمعركة، شعبياً، خاصة في العراق وإيران، وأماكن أخرى في العالم الإسلامي. وكذلك الحكواتي في قصص سيف بن ذي يزن وعنترة ابن شداد والأميرة ذات الهمة، والظاهرة الطقوسية عند العرب في الكعبة وحولها، عندما كانوا يطوفون، في مواسم الحجيج رجالا ونساء، وبعضهم عرايا، قبل ظهور الدين الإسلامي، الذي شذب بعض الطقوس الوثنية وذهب إلى أسلمتها, وقد تعد بدايات مسرحية بسيطة. أما علم الجمال