قصه واقعيّة جرت احداثها في مدينة الموصل
الجزء الخامس والاخير
.وفي هذه اللحظات الصعبة كان سيف ومن معه في المستشفى يفكرون بحجم المصيبة وبدأت الاسئلة تدور في الاذهان متى وكيف ولماذا….ثلاثة يموتون ووفاتهم جميعهم بسبب جلطة قلبية…هنا تجد الحزن وتحول مجلس العزاء المقام على روح ابو سيف الى ثلاث مجالس ويا لدهشة المعزين فعندما يأتي شخص ليقدم التعزية لأبنائه يتفاجأ بان والدتهم واختها قد رحلتا أيضا . بقت ابنتهم الكبرى ساره واختها تنوحان على الاب والام والخالة الوحيدة لهم التي ربما لو بقيت لعوضت مكان والدتهم. ومازالت ساره تكتب في اوراقها الرثاء على حالها لفقدان امها وابوها.
الرثاء من شابة فقدت والديها ومازالت تبعث برسائل الحزن الذي خيم على قلبها وقتل امالها.. مازالت تتمنى ان تكون الان قربها تجلس امها التي تركتها وحيده وهي في امس الحاجه لها واحيانا تعبر عن ما في قلبها بكلمات الحزن ولا يخطر في بالها شيء غير الحزن والنعي لا تكتب عن الموديلات وتسريحة الشعر او انواع الجلابيات اسوة بزميلاتها اللاتي من جيلها ولكنها تكتب عن مشاعر حقيقيه قدمتها لها الحياه ومآسي لا يمكن وصفها ونسيانها نعم مازالت ساره تعبر عن الهموم التي خيمت على قلبها وهي مكسورة الخاطر تتمنى لو ان الحياه امهلتها قليلا لكي يراها ابوها وامها وهي تمارس عملها كصيدلانيه في احد مستشفيات الموصل وحتى يفتخرون بها كما يتفاخر الآباء والأمهات بأبنائهم مازالت ساره تبكي اهلها وتكتب من دموعها لا بقلم الحبر حتى يقرأها الناس ويتذكروا قصه هذا التابوت المفتوح هذا التابوت المؤلم الذي أخذ معه عائله كامله وقضي على امالهم.. وآمال ابنائهم وبناتهم…
وبقي س يف لا يعرف ماذا سوف يفعل ومن اين سوف يبتدئ بحياته الجديدة فلقد كان معتمدا كليا على والديه واليوم اصبحوا تحت التراب والمسؤولية كلها تقع على عاتقه. وخاصة تربية اخوه الصغير سفيان الذي مازال طفلا صغيرا لا يميز بين الحزن والفرح…رحل ابوسيف وانطوت صفحة مليئة للمستقبل بالأفكار ورحلت خلفه ام سيف وتركت بناتها وابنائها تحت خيمه الرحمن الرحيم ولا تعرف متى سوف يتخرجون وماذا سوف يأكلون و اين سوف ينامون افكار تراودنا دوما نريد ان يحققها في هذه الدنيا ولا نعرف لأننا سوف نرحل في اقرب لحظه لأننا نعيش في الامل..
الامل هذا الشيء الجميل الوحيد في حياتنا وهو الذي يحفزنا دوما لكي نبني ونصنع لكي نعمر ونهدم ما بنيناه لنعيده الى افضل مما سبق و لكنها لحظات ونترك كل شيء ولا نعرف خلفنا ماذا سوف يحدث لان الذين تركناهم خلفنا سوف يبداون حياتهم الجديدة حياتهم التي هم يرضون عنها ويقومون ببنائها لا تلك الحياه التي نحن بنيناها لهم..
هكذا هي الحياه وكما يقول المثل الشعبي ((زرعوا فحصدنا ونزرع فيحصدون)) كانت عائله ابو سيف تفكرفي بناء بيت لهم ينقذهم من الايجارات التي بدأت ترتفع اسعارها ولكن القدر كان اسرع….
استلم سيف مهمة قيادة العائلة وكانت المهمة التي تنتظر سيف صعبه وشاقه جدا كونه كان المدلل لوالده ووالدته ولم يتحمل المسؤولية يوما كانت مسؤولياته الوحيدة هي متابعة دراسته والحصول على شهاده البكالوريوس هذا الحلم الذي راوده وراود كل افراد العائلة جميعا…
هاهو اليوم قد تحقق ولكنه لم يحقق ثماره بعد كون اغلب خريجي الكليات في هذا البلد يعانون الأمرين بعد تخرجهم نتيجة انعدام فرص التعيينات.. وبهذا الموضوع تجدهم يعانون من اشكالات عديده اهمها هي مجهولية المستقبل لهم……اليوم وبعد كل هذا الهول من المصائب لم تكتمل فرحه سيف بتخرجه او بشهادته وربما ماتت الفرحة داخله الى الابد …لقد اصبح الحمل ثقيل والمسؤولية كبيرة والتضحية بكثير من الامور لابد منها… لان الأمانة ثقيلة وان من ينامون اليوم في القبور يعرفون انه من يتحمل المسؤولية بعدهم هو ابنهم الكبير سيف وعليه يجب ان يواصل ويتابع دراسة اخواته وان يؤمن لأخيه الاصغر سرمد مشروع يضمن له مستقبل العيش… ومن هنا دخل سيف في هذا المعترك الحياتي… هذه الحياة التي لا ترحم احد ومستمرة بتحميلنا اوزارها ولا تفرق بين شاب او طفل وكاهل….وفي بداية الامر فكر بان يقوم بإعادة راتب والده التقاعدي وهذه المهمة ايضا كانت صعبة وشاقة كون هذه المعاملة تحتاج الذهاب الى العاصمة بغداد لأجراء بعض الامور الروتينية فيها وان الوصول الى العاصمة صعب جدا نتيجة الظروف التي يمر بها البلد وماتعانيه المدن العراقية نتيجة الحرب من اغلاق اغلب الطرق المعبدة والسالكة فيما بينها…اضافه الى ذلك عدم توفر الجانب المادي وعلما ان هكذا معاملات تتطلب مجهود معنوي ومادي كبير وهذه اول مشكله واجهة ابنهم الكبير سيف ولكن الله لا ينسى عباده فسخر له الناس الخيرين وتم اجراء المع املة وتم الحصول واعاده راتبهم التقاعدي ورغم تأخرها لأكثر من سنتان ولكنها كانت اهم فقره ايجابية في بداية تحمل سيف لمسؤولياته تجاه العائلة..
لقد تعود اخاه الصغير سفيان في هذه الفترة ان يناديه بكلمه بابا كونه يعتبر اكبر واحد في العائل ة وكان سيف ينظر اليه نظره عطف وحنان واخوة يشوبها الحزن بفقدان والديه ولكنه امر الله ولا راد من امر الله..
كان سفيان المدلل بالنسبة الى اخيه الكبير سيف وكذلك كان اهتمامه بأخواته وانه كان يستشيرهم في الصغيرة والكبيرة في الامور العائلية وكان يهتم بهم كثيرا وفَضَلهم على نفسه في كثير من الاحيان اما اخاه سرمد كانه بطل اثبت انه السند لأخيه الاكبر سيف ولعائلته فسافر الى العاصمة بغداد ووجد له عمل هناك ضمن اختصاصه وكان يساند اخاه من ناحيه الجانب المادي وخاصة المصروف العائلي في فترة انقطاع راتب والده…
استمر سيف بالبحث عن وظيفة له كونه خريج كلية هندسة النفط وبعد جهد وعدة سفرات الى العاصمة بغداد ومعانات وفقه الله في وظيفة حكومية.. وتخرجت اخته ساره من المعهد الطبي قسم الصيدلة لتلتحق بوظيفتها الجديدة في القطاع الصحي ووجد سرمد عمل له ومازال سفيان واخته سرى في مراحل الدراسة ورغم كل هذا مازال الظلام يخيم على منزل ابو سيف ومازال الحزن موجود بملامحه في وجوه ابنائه وبناته فمن يستطيع نسيان الاب والام وهو مازال بحاجة الى توصياتهم وتوجيهاتهم ومازال بحاجة الى سماع أصواتهم في البيت ومازال التابوت مفتوح يحصد ارواحنا لنرحل الى عالم آخر ونلتقي هناك بمن سبقونا من الاهل والأصدقاء في جوار الرحمن…نلتقي بهم ولا نعرف هل هم يعرفون احوالنا وماذا جرى بنا من مصاعب خلفهم.. وهل يعرف الاباء والامهات بمتغيرات ابنائهم ومامدى رضائهم عن ذلك.. كلها أسئلة مبهمة لا نعرفها الا عندما يغلق ذلك التابوت المفتوح..وتتحقق بعدها العدالة السماوية التي لا يظلم فيها احد ويأخذ كل ذي حق حقه ..وترى الناس سكارى وماهم بسكارى …وتنتهي عندها قصة التوابيت ومعها ينتهي كل عصر الطواغيت والجبابرة على وجه الأرض جميعا..