قصة واقعية جرت احداثها في مدينة الموصل.. الجزء الثالث
༺༺༺༻༻༻
وعلى كل حال جميع من يعيشون في هذه البلاد تجدهم مهمشون في حياتهم فتجد شباب في عمر الورود يطاردهم الخوف هاجروا بعيدا عن ذويهم لا لشيء الا لطلب لقمة العيش او البحث عن مكان امن عسى ولعله يجدون فيها ضالتهم المنشودة…
وعودة الى صالة المستشفى التي يرقد فيها ابوسيف اصبحت حالته تتدهور وخاصة بعد ان رافقها مشاكل في الكليتين للتوقف بعدها نهائيا وليتوقف القلب عن اداء عمله ولتتوقف حياة هذا الانسان المكافح ولتتحول حلم وسعادة عائلته الى كابوس مظلم.. لقد اخذ القدر مستعجلا ابا سيف عند الساعة الرابعة الا ربع من عصر يوم الخميس الموافق ١٠ / ١٢ / ٢٠١٥ دون ان يعطيه مهلة ليكمل المشوار ورغم ان الطريق مازال طويلا الا ان ابا سيف ودعنا من مستشفى ابن سينا في مدينة الموصل وقلبه محمل بالآلام.. ودعنا وترك فينا غصة مازالت وبعد سنوات عديدة ترافقنا في كل اوقاتنا ومع كل ذكرياتنا معه. وفي نفس اللحظات المؤلمة والحزينة تفاجأ ابنه سيف بهذا المصاب ولايعرف ماذا يفعل لقد انهار الجبل الذي يستند اليه.. لقد قتلت احلامه..
لقد مات الاب والصديق الحنون.. ماذا تفعل ياسيف ماذا اقول لأمي واخوتي وبدأ صوته الحزين وعبارات فراق والده يسمعها كل من في المستشفى.. حول الناس الذين قربه وكان في تلك اللحظة عمه ابا عمر وهو التوأم الثاني لوالده كما اسلفنا ذكره ان يخفف عنه هول المصيبة. لكن مصيبة الموت لا يخفف منها الا ابعاد الزمن…
لقد مات ابي ياعم عبدالله. مات يعني لم يراني بعد وانا مهندس احمل معي احلامه وتحمله مصاريفي وتعب عمره وسنينه كلها ماتت ياعم… ارجوك قل لي انني احلم… ابي ياعم امامنا جثه هامدة لا يتحرك ابي وصديقي وسندي الذي يخطط لي ولإخواني مستقبلهم اليوم فارقنا بغصة المرض ..
آه على الدنيا ومصائبها.. وبقى سيف يردد عبارات حزينة من صدمته بوالده. في هذه الاثناء اتصل من جاء زائرا لهم بالصدفة بالأهل والاقارب ليعلن خبر وفاة ابوسيف وماهي دقائق ومسافة الطريق حتى امتلأت المستشفى بالأقارب والمعارف لتنتقل جثة ابوسيف من مستشفى ابن سينا الذي دخلها يسير على قدميه ليودعها جثة بلا روح وهكذا هي الحياة كمحطات القطار تودع مسافرين وتستقبل غيرهم…
يا موت كانوا احبةً
لفراقهم ابكيتني
كانت حياة بقربهم
دراً أصيل المعدني
ياموت قد فاجأتنا
ياموت هل امهلتني
اهل الوفاء بجودهم
من بعدهم رميتني
بكيت ياموت دماً
بفقدهم احزنتني
وضعوا جثمان ابوسيف في سيارة عائدين به الى منزله الواقع في الجانب الايسر لمدينة الموصل في احد احياءها السكنية ويسمى حي فلسطين وبعد وصول الجثمان وعلى ما يبدوا لم يكن اهل بيته بدراية بهذا الخبر لان المقربون لهم حاولوا التكتم من هول المصيبة عليهم وكانت في تلك اللحظة زوجته ام سيف تنتظر شفاءه ولديها الامل بان يعود اليهم وبعد ان سمعت خبر وفاته صدمت ولم تعرف ماذا تقول فهذا الانسان الذي عاشت معه سعادة الحياة ومرارتها كان قبل شهر من الآن تقريبا معهم ويفكر ويخطط لمستقبلهم. كانت صدمة قوية ربما لم يصادفها احد من قبل .في هذه الاوقات اجتمع الاقارب جميعا وقرروا البدء بمراسيم دفن الجثة وكانت المقبرة التي يدفنون بها قريبة من سكنهم وهي نفس مقبرة القرية التي ولد وترعرع فيها مقبرة قرية يارمجة. اجتمعت الناس من كل فج وصوب وكان تشييع مهيب وكبير جدا رغم ان الاوضاع الامنية مخيفة والمدينة تقع ضمن المدن المشمولة بالعمليات الحربية. لكن ابوسيف له مكانة خاصة في قلوب اصدقائه واهله ومحبيه ولايهمهم ماذا يحدث. بعدها توقف المشيعون في جامع قريب امتلأ بالناس المصلين على الجنازة ثم انتقلوا بالتابوت الى المقبرة ليواري جسده الطاهر تحت الثرى في هذه المقبرة التي دفن فيها قبله اهله واقاربه…لقد تحول السيد ابوسيف الى المرحوم بمدة زمنية قصيرة .كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة مسا ء بعد نهاية الدفن ليعود المشيعين كلا الى منزله وليعود سيف وعمامه وابناء عمومته وأخواله الى دارهم للاستعداد لمجلس العزاء والقيام بواجبات هذا المجلس وكما متعارف بين الناس تكون مدته يومان او ثلاثة أيام. كانت الساعة تشير الى ما بعد منتصف الليل وهذا هو اليوم الاول الذي تجتمع فيه العائلة بدون صاحب البيت اجتمعوا والنحيب لغتهم اجتمعوا والبكاء والدموع تملأ عيونهم على هذه المصيبة التي اصابتهم..
ان فراق ابي سيف صعب جدا قالتها ام سيف لأبنائها باليتني انا ولا انت يازوجي العزيز لكنها الاقدار انه الموت لا يفرق بين كبير او صغير الموت لا يعرف سقيما او متعافي.. وتمتمت كلمات لم يسمعها الاخرون والحسرات ترافق الجميع وخاصة افراد عائلته واخوانه الذي هم ايضا ذهلوا من هول الصدمة..
كان الليل طويل جدا ورغم انهم لم يستطيعوا ان يخلدوا للنوم لشدة ما عانوه لكنهم وجدوا انفسهم مجبرين ان يتحلوا بالصبر ولذلك تجدهم يصبر بعضهم البعض الا ان ام سيف كانت في عالم اخر كانت مصدومة و قد جلبت
انتباه كل من راها اثر هذه الصدمة حيث انها اصبحت قليله الكلام…. وهي تعيد ذكرياتها منذ بدايات معرفتها بهذا الانسان الذي لا تستطيع ان تقول عنه او بحقه الا القليل جدا..
اعادتها الذكريات الى اول يوم لمعرفتها به عندما التقيا في اول لقاء…وجدته في ذلك الوقت هذا الانسان المكافح الانسان الطموح الذي تبحث عنه كل فتاه انه انسان يحمل معه من الوفاء الكثير والكثير جدا تذكرت حنينه ومحبته وعلاقته التي تربطها به كزوج و كأخ وصديق وأحيانا يكون هو الاب الروحي لها والسند الحقيقي لكل افراد عائلتها نعم لقد كانت تعتمد عليه في كل شيء حتى انه كان يحمل معها هموم اهلها ايضا …لقد كان إنسانا كريما بمعنى الكرم و رجلا بمعنى الرجولة. نعم تدمدم في نفسها وتقول يا ابا سيف وهي تتذكر الذكريات الجميلة التي قضتها معه والحقيقة المرة التي فاجأها بها هذا الموت وبقت تراودها الذكريات وكيف كانوا يحلمون وكيف بدأوا يخططون لزواج ابنهم الكبير سيف ومتى يقومون بتزويجه ومن اين سوف نخطب له وهل سوف تكون زوجة المستقبل له موظفه ام ربه بيت كل هذه الأسئلة كانت تدور في اذهانهم كانت ام سيف تتكلم مع ابو سيف في مستقبل بناتها أيضا ساره وسرى وكيف يؤمنون لهم المستقبل كانوا يفكرون ايضا كطموح اي أب او أم في مشروع صغير لابنهم سرمد الذي انهى دراسته في معهد السياحة هذا العام…
والى اللقاء ……….. مع الجزء الرابع