6 أبريل، 2024 11:37 م
Search
Close this search box.

التأريخ المتخيل!!

Facebook
Twitter
LinkedIn

العرب منهمكون بالتخيلات الفنتازية التأريخية الغير واقعية وبالإتجاهين السلبي والإيجابي , ويمعنون بتبديد طاقاتهم في هذا الإتجاه التدميري للذات والموضوع , لأنه يبعدهم عن حاضرهم ويعزلهم عن المستقبل أو يكاد يلغيه , فهم بلا حاضر ولا مستقبل والحياة في التأريخ المتخيَّل وحسب.
ولهذا لا تجد موضوعا مكتوبا أو عملا إبداعيا إلا وإرتدى شيئا من ألبسة التأريخ وأزيائه , فالتأريخ المتصور أو المتخيل يفترس وعينا ويهيمن على مداركنا ويمنعنا من الإبصار وإبداء الرأي السليم.
كما أنه تحوّل إلى وسيلة هروبية من مواجهة التحديات والتفاعل مع المستجدات , فلكل حادث حديث في بطون التأريخ , وإن لم نجده نؤلفه وفقا لما تقتضيه أمزجتنا وحالاتنا الإنفعالية.
وتطالعني هذا الصباح العديد من المقالات المعتقلة في زنزانة التأريخ , فهي تتحدث عن موضوعات وتنسبها لما جرى قبل أكثر من ألف عام , وتبرر الذي يكون بما كان , ولا يمكنها أن تخرج من خندق الإنغماس بما يضر ولا ينفع.
التأريخ الذي كتبناه كما أملته علينا مواقفنا وتصوراتنا , ولم نكتبه كما هو , فهو معبّأ بالزيف ومشحون بالعواطف وبآليات تبرير المواقف , وتأمين حكم السلطان , أي أنه مكتوب على مقاسات الكراسي في كل زمان ومكان , فلا يوجد عندنا تأريخ مكتوب بصدق ونزاهة وأمانة.
فتأريخنا يعكس مواقف السلطة والسلطان ويبررهما بإسهاب , ويأتي بما يعزز إرادة الظلم والإستبداد والقهر والتبعية والخنوع والإذلال , ومن ذلك ميله إلى التركيز على شخصية الحاكم وتضخيمها أو تدميرها , كما أنه مبني على صناعة المواقف وتوظيف الأحداث لغايات سياسية وطائفية وعدوانية على العرب والمسلمين , خصوصا أن معظم كتاب التأريخ من غير العرب , بل ومن الذين يضمرون أحقادا ضد العرب.
ومن هنا فأن الإعتماد الأعمى على التأريخ وتصديق أحداثه دون تمحيص علمي منهجي قويم يتسبب بتأمين التضليل والتهويل بأنواعه , مما يجعلنا نتعامل مع موجودات لا تمت بصلة إلى واقع الحياة والبشر , فالرموز التي تم الكتابة عنها تحولت إلى مقدسات , أو موجودات خيالية ممعنة بالمثالية والعدوانية , وفيها تطرف واضح ما بين كفتي الشر والخير.
إن الإعتنماد على التأريخ وحسب , في التفسير والتبرير والتحليل والفهم منهج غير موضوعي ولا علمي , ويؤدي إلى الزيغان والإنحراف والإتلاف المرير للمجتمع وللأجيال المتوافدة , لأنه يدفعها إلى ميادين الأضاليل والأكاذيب والتصورات البهتانية الخالية من الرصيد الواقعي والعلمي المدروس.
فالتأريخ مكتوب بلغة المواقف وليس بلغة الأحداث , مما يجعله ويكنز نسبة كبيرة من الإفتراءات والأكاذيب والقصص ذات النوايا السيئة المنسوبة لمسميات وحالات لا تمت بصلة إليها.
فهل من منهج علمي قويم؟!!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب